ميدان الجيزة فشارع مراد، وكوبرى عباس.. ثم جامعة القاهرة، مرورا بكوبرى الجامعة فالمنيل فشارع قصر العينى ومنه إلى ميدان التحرير.. كل من شارك فى المسيرات التى انطلقت من مسجد الاستقامة بالطبع مر على تلك المناطق كافة.. ولكن الأمر بالتأكيد كان له مذاق مختلف بالنسبة لأمانى خاصة عندما يكون اليوم هو 11 من فبراير 2011. أمانى، خريجة كلية الإعلام فضلت الذهاب لمسجد الاستقامة ذلك اليوم الذى لم تكن تعلم بعد ما سيحمله لها ولمصر.. «اخترت الذهاب لمسجد الاستقامة يوم 11 فبراير بعد ما عرفت إن ساحة المسجد شهدت أكثر المعارك ضراوة بين رجال الجيزة وأمن مبارك» قالت أمانى..
وبالفعل كان لمسجد الاستقامة موعد مع سحب الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى والاشتباكات المحتدمة مع الأمن المركزى فى جمعة الغضب، وهو وزواره الذى كان أبرزهم محمد البرادعى، الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية.
«الله أكبر»، «ارحل.. ارحل»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، «ولا وفدى ولا إخوان إحنا الشعب الغلبان»، كان هذا الهتاف هو السلاح الوحيد الذى واجه به متظاهرو الاستقامة سيول القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه التى استخدمتها قوات الأمن لتفريقهم، وهو ما دفع البرادعى حينها للاحتماء بالجمعية الشرعية لمجمع الاستقامة.
وقتها كان للباعة الجائلين المنتشرين فى أرجاء الميدان الذى كان مسجد الاستقامة جزءا منه، دور.. حيث بادر عدد منهم بتزويد المتظاهرين بالمياه والعصائر.. فهؤلاء الباعة كانوا قاب قوسين أو أدنى من مغادرة الميدان فى إطار خطة التطوير التى كان من المفترض أن تضع محافظة الجيزة اللمسات الأخيرة عليها قبل اندلاع الثورة بنحو أسبوعين.
تعود أمانى بذاكرتها مجددا لجمعة الرحيل «كان نفسى أشهد اليوم ده أمام قصر الرئاسة ولكنى فضلت أبدأ يومى من الاستقامة لأنه هيدينى فرصة أكبر عشان ألف فى شوارع مصر وأشوف الثوار»، وتضيف «الاستقامة كان أبرز مسجد فى الجيزة بيخرج منه مسيرات فى الوقت اللى كان فيه التركيز كله وقتها كان على المسيرات اللى بتخرج من القاهرة».
تستطرد أمانى «من كتر الزحمة مكنتش قادرة أدخل جوه المسجد يومها.. وقفت جنب الدبابات.. ووقتها كنت فاكرة إن الجيش مع الثورة.. كان إحساسى مختلفا عن الآن».
«النهارده العصر هنهد عليه القصر»، لفت ذلك الهتاف الذى كان يدوى بمسجد الاستقامة نظر أمانى التى كانت تقول لنفسها «كنت الأول بقول هو معقولة الناس دى هتمشى لغاية القصر الجمهورى؟».
أمانى لم يرهقها طول المسافة لأنها كانت مستمتعة بكل لحظة ترى فيها وجوه الثوار وهى تصغى لهتافهم «النهارده العصر هنهد عليه القصر»، فضلا عن النبأ الذى أثلج صدرها وصدور من معها والذى أتاها حين تواجدها أمام مجلس الشعب وهو تنحى مبارك..
يبقى أن الرائحة المميزة لمسجد الاستقامة والتى تسميها أمانى ب«رائحة الثورة» لاتزال فى وجدانها.. تقول «من كثر الحرايق اللى حصلت يوم 28.. الأرض بقى لونها إسود وبحس كل لما بروح هناك إن لسه ريحة الثورة فى المكان».