سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المزادات تطرد الفلاحين وشباب الخريجين من خريطة الأراضى الجديدة مزارع أمام كراسات شروط المزادات: «أنا جيت غلط».. وخبير سياسات زراعية: الهدف إقامة مشروعات استثمارية ضخمة تغطى عجز الأغذية
على أبواب هيئة التعمير والتنمية الزراعية، يقف فلاح يقول إنه يعمل بالأجر فى عدة أفدنة بمركز مطوبس فى الفيوم، ويطلب الدخول إلى الهيئة للاطلاع على شروط المزاد الذى تجريه الحكومة على أراضى أسوان ووادى النطرون والعلمين، وبالكاد يفلح فى الدخول بعد مناهدات ومشاحنات كثيرة مع الأمن. عم «سيد محمد خلف» عرف أن المزادات العلنية تقام على قطع أراض لا تقل عن عشرة أفدنة، وأن كراسة الشروط تتكلف 3 آلاف جنيه لا يستردها، وأن الفدان الواحد يبلغ سعر ربطه 22 ألف جنيه، ما يعنى أنه يحتاج لنحو 220 ألف جنيه حدا أدنى لشراء أراضى المزادات.
«الغاوى ينقط بطاقيته.. وإحنا بقى لا حيلتنا طاقية ولا برنيطة».. يقولها عم سيد ضاحكا، وهو يبدى ضيقه من عجزه عن الوفاء بثمن دخول المزاد، بعد أن عرف أن شروطه ليست لأمثاله من بسطاء الفلاحين، ويحاول عبثا فهم معنى طرح 10 أفدنة «حتة واحدة» دون تجزئة للأفراد من المزارعين، ثم يقنع نفسه قائلا: «أنا جيت غلط».
فى بداية يونيو الماضى أعلنت الحكومة عن بيع نحو 360 ألف فدان بالمزاد العلنى فى عدد من محافظات مصر، من بينها أسوان وشمال ووسط سيناء ومنطقة وادى النطرون. وكان رئيس الهيئة الدكتور على إسماعيل، قد أكد ل«الشروق» أن الإقبال الضعيف على مزادات الأراضى المعلن عنها سببه الانفلات الأمنى وخوف المستثمرين من خوض مشروعات قد يتم الاستيلاء عليها.
ورغم تأكيدات وزارة الزراعة بأن نسبة من الأراضى سيتم منحها لصغار المزارعين وشباب الخريجين، أكثر من مرة، إلا أن آلية توزيع الأراضى على الفلاحين والشباب لا تبدو واضحة.
الحالة قحط
يقر المزارع أحمد السيد جودة، نقيب الفلاحين بكفر الشيخ، بأن الفلاح فى مصر لم يعد لديه فائض مالى لأسباب كثيرة جدا، منها غلاء أسعار التقاوى والمبيدات والسماد وغيرها، وأن المستثمر الكبير فقط هو من يمتلك الأرض بمساحات كبيرة الآن، وهذا فى حد ذاته خلق رأسمالية جديدة فى الأراضى الصحراوية التى تكون احيانا شديدة الخصوبة فى عدد من المناطق والمحافظات، ومعروف أن سياسة المزادات كانت تصب فى مصلحة من يملك المال من رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات مصالح مع الحكومة فى النظام السابق.
ويقول جودة «لو عملوا مزاد ببلاش محدش هايدخل من الفلاحين البسطا، لأن الحالة فى كافة أنحاء الجمهورية قحط، وفكيف سيشترى الفلاح الأرض، بعد أن هبط البرتقال من الشجر ولم يجد من يحصده لسعره البخس، وهبط بنجر السكر على السكك وأصبح أليافا لا تباع بالفلوس، والقطن فى بيوت الفلاحين المسلسلين بالديون».
«الفلاح سيكون أجيرا عند رجال الأعمال، وقد يكون أجيرا عند الأجانب من الخلايجة.. يعنى الحكومة تطردنا من الأراضى الجديدة وتطلب منا ألا نخطيها بأرجلنا». يضيف جودة متسائلا لماذا لا أحد يستطيع شراء متر أرض فى دول الخليج أو ليبيا، ورغم ذلك تمنح الحكومة المصرية للمستثمرين من تلك الدول الارض بتراب الفلوس ليزرعوها بمحاصيل تصدر للخارج.. هذه السياسات يجب أن «تذهب فى داهية» ولا تعود أبدا.
مشاريع كبرى
ويرى أحمد الخطيب، أستاذ السياسات الزراعية بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى، أن الهدف من طرح الأراضى للبيع بالمزاد العلنى لم يكن مجرد إقامة مشروعات زراعية محدودة التكلفة والإنتاج، باعتباره أحد المشاركين فى وضع «دراسات ضخمة» قدمها للحكومات المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير.
ويؤكد الخطيب أن الهدف من المزاد العلنى هو إقامة مشروعات استثمارية ضخمة تشمل الإنتاج الحيوانى والزراعى وإنتاج قصب السكر والزيوت، وتسويق المنتجات من خلال نظام تسويقى يكفل تحقيق هامش ربح لأصحاب المشروعات والعمال والمهندسين الزراعيين.
ووفقا للخطة التى كانت موضوعة، فإن أحد المشروعات الاستثمارية الكبرى قد يصل تكلفته إلى 5 مليارات جنيه، لإنتاج محاصيل الزيوت التى تعانى مصر عجزا فيها يقدر بنحو 85%، وإنتاج البقوليات والاستفادة من «التفلة» فى إقامة مشروعات للإنتاج الحيوانى». وينهى كلامه قائلا إن الهدف من المشروع أن يكون فيه كل أنواع الاستثمارات والمستثمرين، بمن فيهم الشباب والفلاحون.
منهج حرمان الشباب والفلاحين
ويعود منير فودة، أستاذ الاقتصاد الزراعى، إلى بداية مشروعات شباب الخريجين التى كانت تمنحها الدولة فى الثمانينيات وما بعدها، موضحا أن الدولة كانت تعطيهم الأرض بدون بنية أساسية ولا إرشاد زراعى أو منظومة لتسويق المحاصيل، وتتركهم فى الصحراء يعانون شح مياه الرى.. «اشتغلنا كثيرا مع الخريجين فى بنى سويف وغيرها ورأينا إخفاقات ونجاحات فى إدارة الأراضى، لكن هذا لا يعنى أن تقطع الدولة صلتها بصغار المزارعين والشباب من خريجى الزراعة والطب البيطرى.
ويتابع فودة قائلا إن الحكومات فى النظام السابق رأت أن تعطى الأراضى للمستثمرين بحجة أن باستطاعتهم الاستثمار فيها، «وبعد كده يأتى الشباب والفلاحون. وما حدث أن مستثمرين لا علاقة لهم بالأراضى أو الفلاحة حصلوا على الأراضى بتراب الفلوس وبدأوا مشروعات إنتاج ضخمة لكنها لا تخدم المصريين ولا أسر المزارعين.. وكل موسم حصاد يزرون الأراضى بالطائرات». ويستطرد فودة حول تجربته مع مجموعة من أساتذة وخبراء الاقتصاد الزراعى والإنتاج بعد تقديم تقارير للبنك الأهلى ووزارة الزراعة للدخول فى مشروع حكومى ضخم للإنتاج الزراعى وإقراض المزارعين والشباب لكن شيئا من هذا لم يتحقق، مشددا على رفضه أسلوب طرح الأراضى بالمزادات.
ويختتم فودة بقوله إن المزادات لن تحقق حدا أدنى من العدالة الاجتماعية، بل ستكرس لمنهج حرمان الفلاحين والشباب من زراعة أراضيهم.