ثلاثة وزراء تعاقبوا على حمل حقيبة «الزراعة» منذ ثورة 25 يناير، بكل ما فيها من أحداث سياسية جاءت ضد ومع الثورة، وبكل ما فيها من تناقضات وخسائر ومكاسب.. ويبقى ديوان وزارة الزراعة ضمن أضلاع الحكومة «الراسخة العتيقة». اتفق عدد من المراقبين والخبراء والقيادات الفلاحية على أن الفترة الانتقالية شهدت اضطرابات عديدة فى قطاع الزراعة، سواء على مستوى العاملين بالوزارة أو الفلاحين، إلا أن المسئولين لم يستجيبوا لها إلا بقدر ضئيل للغاية، وهو ما يعكس حالة الجمود وصلابة الاتجاهات البيروقراطية فى الحكومة، وبخاصة فى قطاع الزراعة الذى يخدم نحو 15 مليون فلاحا على أقل تقدير.
بشير غنيم، نقيب عام الفلاحين، يشدد على أن الدولة المصرية تخلت عن مسئوليتها عن الفلاح والزراعة منذ عام 1976 منذ تحويل بنك التنمية إلى بنك استثمارى يمتص دماء الفلاح ويفقره بعد أن كانت الدولة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تتحمل المسئولية كشريك للفلاح المصرى فكانت النتيجة تدهور الزراعة وتدهور أحوال الفلاح على كل المستويات وإهمال الريف، كما أن الفلاحين هم الشريحة التى لم تستفد من ثورة 25 يناير ولم يتغير حالهم وهو أمر يجب أن يتغير.
خطايا الفترة الانتقالية
ووفقا لكرم صابر، رئيس مركز الأرض لحقوق الإنسان فقد وقع المسئولون عن إدارة البلد خلال الفترة الانتقالية فى خطايا عديدة، حيث جاءت توجهات حكومة الجنزورى لتنحاز إلى المستثمرين الكبار على حساب الفلاحين، فمعظم الأراضى التى أعلنت الحكومة عن طرحها للبيع بنظام المزاد العلنى تقع ضمن ما يسمى بالمشروعات القومية، ولم يكن مخططا لها على الإطلاق أن تباع فى المزادات إلى رجال الأعمال، وإنما ترفيقها ومدها بالبنية الأساسية لإعادة تأهيل أبناء الوادى الضيق وتحقيق تنمية عمرانية فى مناطق توشكى وسيناء وشرق العوينات.
وكان الجنزورى قد عقد آمالا كبرى على الاستفادة من المشروعات القومية التى كان قد أسسها من قبل، قبيل مجيئه رئيسا لما سمى ب«حكومة الإنقاذ القومى»، وأعلن فى أولى مؤتمراته الصحفية عن إحياء المشروعات القومية الكبرى وفى مقدمتها توشكى وشرق العوينات.
وأوضح مصدر رسمى بوزارة الزراعة أن الفترة الانتقالية شهدت عددا ضخما من التسويات الخاصة بملفات كبار رجال الأعمال الذين حصلوا على أراضى الدولة إما بعقود بيع ابتدائية، أو بوضع اليد، كما قرر وزير الزراعة مد فترة السماح لواضعى اليد بتقنين أوضاعهم بعد عام 2006 بدون أى سند قانونى تنسيقا مع مجلس الشعب المنحل، وكانت النتيجة زيادة التعديات بصورة لم يسبق لها مثيل طالما أن الدولة لا تزال تقنن أوضاع المخالفين.
«إحنا الثورة»
الدكتور زكريا الحداد، أستاذ الميكنة الزراعية، يبدأ كلامه قائلا: «إحنا الثورة. ولابد أن تكون جميع الحلول التى سيطرحها الرئيس الجديد ومن حوله ثورية وعملية، وأن يستوعب مشروع الحرية والعدالة جميع فئات المجتمع ولا يقصر نفسه على أتباعه، وأن يتحرر من عباءة الإخوان حتى ينجز مشروعا لمصر كلها، وأن يقوم بأداء مختلف غير مبنى على الاستقطاب».
وبرأى الحداد فبرنامج مشروع النهضة فيما يخص الزراعة لم يكن واضحا بالقدر الكافى، ولم تكن لديه مقومات حقيقية للنهوض بالزراعة، خاصة أن البرنامج كان عاما فيما يخص الملف الزراعى والأمن الغذائى.
ودعا الحداد إلى ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعى المنهار، والعناية فى اختيار وزيرى الزراعة والرى قبل بدء العمل، لافتا إلى أن تطوير الزراعة الآن ضرورة ملحة ومن أهم المشروعات التى ستظهر «كرامات» للعصر الجديد.
ويبنى الحداد كلامه على دراسات عديدة له تتعلق بتطوير نحو 8 ملايين فدان التى يملكها المزارعون بالأساس، حيث يجب أن تستغل الدولة التقنيات الحديثة فى تطويرها على أن توفر الدولة الاستثمارات اللازمة لذلك، مشددا على أن حجم ما ستصرفه الدولة فى عام ستجنى 5 أضعافه على الأقل فى العام التالى، كما سيزيد تطوير الزراعة بالوسائل والماكينات الحديثة ما يصل إلى 40% فى الإنتاجية العامة للأراضى.
ولفت الحداد إلى ضرورة الاهتمام بزراعة بعض المحاصيل التى يتوافر فيها المزايا النسبية، مثل محصول التين الشوكى، الذى تزرعه دول المغرب العربى على نطاق واسع، ويعتبر من المحاصيل التصديرية، ولا يستهلك أكثر من ألف متر مكعب من المياه فى الفدان الواحد، ولذا فهو يعتبر أقل المحاصيل المستهلكة للمياه على الإطلاق، ورغم ذلك فإنتاجيته تصل إلى 20 طنا للفدان.
دعم الأغنياء
وفى نفس الاتجاه يؤكد الدكتور نادر نورالدين، ضرورة الاهتمام بالمشروعات الزراعية التى تحقق مزايا نسبية للمزارعين وتضيف لسمعة مصر، بالتوازى مع تحقيق النهضة الشاملة فى الريف، مثل مشروعات التصنيع الزراعية لمحصول الطماطم، فلدينا 30% فاقدا من محصول الطماطم بسبب عدم وجود مصنع واحد يستوعب الكميات المهدرة منه، فى الوقت الذى تستورد فيه جميع الدول العربية الطماطم المصنعة من الخارج، مؤكدا أن مصر من أكبر الدول على مستوى العالم المنتجة للطماطم ويجب الاستفادة من هذه الميزة النسبية. ووفقا لنور الدين فالدولة لا تزال تدعم الأغنياء على حساب الفقراء والفلاحين، حيث تدعم المصدرين والمستوردين بدلا من أن تحصل منهم على ضرائب مناسبة، بدلا من إغراق الفلاحين فى ديونهم وعدم توجيه أى صورة من صور الدعم لهم باستثناء بعض مستلزمات الإنتاج الزراعى التى توفرها بيد، وتمنعها بيد أخرى بسبب الاحتكارات والفساد الذى يتحكم فى توزيع المستلزمات ومدها للفلاحين.
ويتابع نورالدين: لم أر فى حياتى مشروعا استغرق فى إنشائه 32 عاما مثل مشروع ترعة السلام، الذى وضع حجر أساسه الراحل أنور السادات، وإلى الآن لم يعمل بكامل طاقته، ولم توزع جميع أراضيه على المزارعين من أبناء سيناء وخارجها.. ما أقصده هو أن الدولة مطالبة الآن بالبحث عن طرق غير تقليدية لإحداث نهضة سريعة وملموسة فى الريف، والخروج من الوادى الضيق إلى استغلال المساحات الصحراوية أقصى استفادة ممكنة.. ولو حدث غير ذلك فستكون مصر هى التى تفشل بأيدى أبنائها.