تحقيق الشفافية والمحاسبة الجادة، ومراجعة المنظومة المالية بما يحقق العدالة الاجتماعية، إلى جانب بناء أو إصلاح مؤسسات السوق الحرة، والقضاء على التكتلات الاحتكارية، هى الركائز الأربع الأساسية، للنهوض بالاقتصاد بصورة سليمة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يرى أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، فى دراسته الحديثة التى جاءت بعنوان «الآثار الاقتصادية للثورات العربية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». بينما حرص غنيم، فى هذه الدراسة، الذى أجراها تحت رعاية شركة ويسترن يونيون لخدمات تحويل الأموال والسداد على مستوى العالم، على تناول المنطقة كلها على أنها كيان واحد، إلا أنه نبه إلى أنه ينبغى تحديد الخصائص النوعية لكل منطقة فرعية وكل بلد على حدة عند رسم سياستها، معتبرا أن «الجوانب الاجتماعية لكل بلد يجب أن تكون المقياس الأساسى لصياغة سياسات حكومتها خلال الأعوام المقبلة». وتعد البطالة، بحسب غنيم، من أهم المشكلات التى يجب أن تأخذها الحكومات فى الاعتبار عند تحديد أولويات أجندتها خلال الفترة المقبلة، وهذا ما يتطلب زيادة الإنفاق العام على الجوانب الاجتماعية، وإبداء المزيد من الاهتمام بنوعية النمو بدلا من مجرد التركيز على معدله. فقد ارتفع معدل البطالة فى مصر إلى 11.9% خلال الربع الأول من عام 2011، مقارنة ب8.9% خلال الربع الأخير من 2010 وفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
من جانبه، اعتبر أحمد جلال، المدير التنفيذى لمنتدى البحوث الاقتصادية، أن خلق نوع من التوازن بين معدل النمو والعدالة الاجتماعية هو الرهان الرابح للحكومة المصرية فى الفترة المقبلة، ف«قد حان الوقت لأن تستفيد الطبقات الدنيا من النمو المحقق، خاصة أنه مادام حققت مصر معدلات نمو مرتفعة تتراوح بين 5 و7% خلال السنوات الأخيرة، لكن لم يستفد من هذا النمو سوى طبقة محدودة من المجتمع، وليست الأكثر احتياجا». كما حرص غنيم فى دراسته على توضيح أهمية التدفقات المالية للحوالات وتحويلات المصريين فى الخارج فى دعم النمو والأداء الاقتصادى لبلدان المنطقة، خاصة وأن الثورات العربية التى شهدتها المنطقة تضم بلدان مصدرة للعمالة.
ويرى جان كلود فرح، النائب الأول لرئيس ويسترن يونيون للشرق الأوسط وأفريقيا، أن التحويلات لا تزال تستطيع أن تلعب دورا إيجابيا فى نمو المنطقة، «إن تغير الهياكل السياسية والاقتصادية للعديد من البلدان قد أثمر عن فرص جديدة.. فقد عاودت رءوس الأموال تدفقها مرة أخرى، كما أصبحت بلدان مجلس التعاون الخليجى الوجهات المفضلة للمهاجرين الجدد، وبدأنا نشهد زيادة فى عدد العمالة العربية القادمة من بلدان مثل اليمن ومصر».
وفى عام 2011، نمت تدفقات الحوالات إلى بلدان فى الشرق الأوسط وأفريقيا بنسبة 2.6%، وهو المعدل الذى يعد الأبطأ بين جميع المناطق المتقدمة نظرا لحالة الغموض وعدم الاستقرار المدنى التى فجرتها الثورات العربية. ويؤكد غنيم أن السياسات المالية التوسعية «ضرورة لا غنى عنها لاستيعاب المطالب الاجتماعية وتمويل المشروعات الاستثمارية»، حيث «يتعين على حكومات المنطقة طرح برامج تستهدف دعم الفقراء والمجموعات المحرومة»، مشيرا إلى أن الاتجاه الحالى لزيادة الدعم (خاصة على الغذاء والنفط) دون ترشيده، قد يؤدى إلى مشكلات مالية جمّة.
وكانت الحكومة الانتقالية الحالية قد أعلنت عن عزمها تطبيق سياسة تقشفية، تتمثل فى تقليص بنود الإنفاق، لمواجهة عجز الموازنة. ويقول جلال: «تطبيق برنامج للتقشف يعنى فشلا مؤكدا لأى خطة تستهدف النمو الاقتصادى، فعلى الحكومة المصرية بالعكس ضخ مبالغ مالية كبيرة من أجل تنشيط الاقتصاد، وخلق فرص للتوظيف، واستئناف حركة الإنتاج».