لقب غسان توينى الذى توفى أمس عن 86 عاما، ب «عملاق الصحافة العربية»، بسبب عراقة صحيفة «النهار» (تأسست 1933) التى تملكها عائلته والتى خرجت أجيالا من الاعلاميين وأرخت لعقود من احداث المنطقة. وغالبا ما فضل غسان توينى الصحافة على السياسة التى اتقنها وتميز فيها بتجرده وترفعه عن المصالح الخاصة الصغيرة.
مناضل كان غسان توينى لم ترحمه الدنيا، لكنها لم تنل منه. ولعل الضربة الاقسى التى تلقاها كانت العام 2005 عندما اغتيل نجله النائب والصحفى جبران توينى فى تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من افراد عائلته الصغيرة.
ويروى صحفيون فى النهار ان غسان توينى الذى كان فى باريس يوم مقتل ابنه وعاد فى الليلة نفسها الى بيروت، اتصل بفريق التحرير ليملى عليهم عنوان الصفحة الاولى فى اليوم التالى، وهو العنوان الذى صدرت فيه الصحيفة على ثمانية اعمدة «جبران لم يمت والنهار مستمرة».
وبعد ان كان سلم ادارة جريدة النهار الى جبران توينى، لينصرف الى مؤلفاته وتقاعده، عاد وتسلمها بحماس سنوات الشباب وبشغف المهنة ذاته، قبل أن يسلمها مرة أخرى لحفيدته نايلة ابنة جبران.
ولد 1926 لعائلة ارثوذكسية عريقة من الاشرفية شرق بيروت، وقبل أن يكمل العشرين، تخرج من الجامعة الأمريكية فى بيروت فى الفلسفة، ثم حصل على ماجستير فى العلوم السياسية من جامعة هارفارد الأمريكية.
دخل البرلمان ولم يكمل الخامسة والعشرين. وشغل مناصب وزارية مهمة. وكان مندوب لبنان الدائم فى الاممالمتحدة فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات فى اوقات عصيبة تخللها خصوصا اجتياحين اسرائيليين. وينظر اليه على نطاق واسع على انه «عراب» القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولى فى 1978 والذى دعا اسرائيل الى الانسحاب من لبنان، الامر الذى لم ينفذ حتى العام 2000.
من ابرز مؤلفاته «اتركوا شعبى يعيش» فى 1984، و«حرب من أجل الآخرين» عن الحرب الاهلية اللبنانية فى 1985، و«سر المهنة وأسرار أخرى» فى 1995.
اما كتابه الاخير فحمل عنوان «لندفن الحقد والثأر، قدر لبنانى»، وهو عبارة عن سيرة ذاتية تروى محطات مهمة من حياة الصحفى والسياسى والدبلوماسى والانسان.
كتب غسان توينى آلاف الافتتاحيات فى صحيفة النهار، وكلفه بعضها دخول السجن بسبب جرأته ومواجهته السلطات فى عز نفوذ ما كان يعرف ب«المكتب الثانى» (المخابرات العسكرية) فى الحياة السياسية على الدولة فى حقبة الستينيات واوائل السبعينيات.
وسربت جريدة النهار بنود اتفاق القاهرة الشهير السرى بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما احدث هزة فى الساحة اللبنانية، وتسبب بسجن مرة اخرى لرئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير غسان توينى العام 1973، بتهمة «افشاء اسرار الدولة».
تزوج غسان توينى فى الخمسينيات من الشاعرة ناديا توينى، متحديا وإياها كل التقاليد والاعراف، كونها متحدرة من عائلة درزية عريقة من جبل لبنان. ورزق الزوجان بثلاثة أولاد: نايلة التى توفيت فى السابعة اثر اصابتها بالسرطان، ومكرم الذى قضى فى حادث سير فى فرنسا وهو فى ربيع العمر، وجبران الذى كان فى الثامنة والاربعين عندما قتل.
أما ناديا، فقد توفيت بعد اربع سنوات من وفاة ابنتها بالمرض ذاته. وتزوج غسان توينى مرة ثانية من شادية الخازن العام 1996.