تنوعت برامج مرشحى الرئاسة فى الآونة الأخيرة، حول أولويات حل المشكلات التى تعانيها البلاد، ورغم هذا التنوع فإن التشابه يبدو واضحا بين برامجهم فى وضع الحلول لهذه المشكلات التى تفتقر إلى الآليات المحددة للتنفيذ خصوصا فى ملف المحليات، الذى ركز مرشحو الرئاسة فيه على القضاء على مشكلات المحليات وجعل منصب المحافظ بالانتخاب وتحقيق اللامركزية، وهو ما يصفه الخبراء ب«السطحية» وعدم الوعى بأهمية «المحليات»، وأن المرشحين يرفعون شعارات للوصول إلى «الكرسى»، بعد أن اختزلوا القضية فى «اللامركزية» و«انتخاب المحافظ».
عمرو موسى
جاء برنامج المرشح الرئاسى عمرو موسى لينص على الانتقال إلى نظام لامركزى للحكم هدفه التمكين الشعبى وانتخاب المحافظين، ورؤساء المدن والمراكز والعمد لفترات محددة وبما لا يزيد على مدتين، من خلال إدارة محلية منتخبة تنتقل إليها بشكل مؤسسى وتدريجى مسئولية وصلاحيات صنع القرار فى كل ما يتعلق بالشأن المحلى، بما فى ذلك تمويل الانفاق المحلى عن طريق فرض الرسوم أو الضرائب المحلية، وإدارة أراضى الدولة والموارد الطبيعية بالمحافظات الذى حددها المرشح بقواعد للفصل بين السلطة المركزية والمستويات الإدارية المحلية لمنع التداخل والتضارب فى الاختصاصات.
وأيضا تفعيل وتدعيم الرقابة الأفقية والرأسية بين هذه المستويات، تحت مراقبة ومحاسبة مجالس شعبية فى إطار منضبط لا يترك فرصة لعشوائية القرارات وفقا لبرنامج زمنى متدرج محدد بتاريخ نهائى مستهدف يقره البرلمان، وفقا لقانون جديد للحكم المحلى ينص على التحول إلى نظام اللامركزية وآلياته ويحدد المسئوليات وقواعد المساءلة.
والتزم موسى بإقرار دور المجالس الشعبية المحلية المنتخبة فى مناقشة والتصديق على الموازنة المحلية، وفى الرقابة والمحاسبة على عمل السلطات التنفيذية، بما فى ذلك عن طريق الاستجوابات وطلبات الإحاطة وسحب الثقة.
وجاء أيضا فى برنامج المرشح وضع قواعد التحويلات المالية من الحكومة المركزية إلى المحافظات، والتي تهدف إلى مراعاة الفروق الاقتصادية والتنموية فيما بين المحافظات ووحداتها المحلية، والتمكين الإدارى عن طريق نقل المسئوليات والصلاحيات الإدارية من الحكومة المركزية إلى المستويات المحلية في كل ما يتعلق بالشأن المحلي، بما في ذلك الحق في تعيين وإثابة وترقية الموظفين في الأجهزة التنفيذية المحلية.
واقترح موسى فى برنامجه توزيع إقليمى يقسم الجمهورية لأغراض التخطيط التنموى إلى 8 أو 10 أقاليم تنموية، مع نقل سلطات التخطيط وإدارة المشروعات الإقليمية من المستوى المركزى إلى مجالس إقليمية تضم في عضويتها المحافظين وكبار مسئولي الوزارات المعنية، وتتولى تحديد الأولويات القومية، ووضع المخططات التنموية، وتوفير التمويل والإشراف على تنفيذ المشروعات الرئيسية.
عبدالمنعم أبوالفتوح
نص برنامج المرشح الرئاسى أبو الفتوح على دعم برامج اللامركزية والمراقبة الشعبية والذى يهدف إلى بناء إطار قائم على اللامركزية بأنواعها المختلفة السياسية والإدارية والمالية مع تفعيل سلطات المستويات المحلية وربطها بآليات المراقبة الشعبية، مع جعل المحليات وحدات مستقلة مسئولة عن التخطيط والتنفيذ على المستوى المحلى فى إطار السياسة العامة للدولة مع تقسيم الوحدات المحلية بجمهورية مصر العربية الى مستويين هما مستوى المحافظات والمدن ذات الطبيعة الخاصة، ومستوى المدن والأحياء والقرى، مع وضع إطار قانونى يتيح الرقابة الشعبية على عمل المحليات.
وشمل البرنامج أيضا منح المحافظات السلطات والاختصاصات التى تمكنها من القيام بدور رئيس فى عملية التنمية على أن يتم تحديد هذه السلطات بطريقة واضحة، على أن يقتصر دور الحكومة المركزية على وضع السياسات القومية وعلى الرقابة وأن يترك للمحافظات ومجالسها المحلية إدارة شئونها المحلية، على أن ينتخب جميع القيادات على المستوى التنفيذى بما فيهم المحافظين والعمد وقيادات الجامعات ورؤساء المدن وأعضاء ورؤساء المجالس المحلية بالانتخاب السرى المباشر تحقيقا للاستقرار التشريعى فى هذا المجال.
حمدين صباحى
ولم يتناول البرنامج الانتخابى للمرشح الرئاسى حمدين صباحى فى التعامل مع المحليات سوى مراجعة قانون الحكم المحلى لتفعيل نظام اللامركزية فى محافظات مصر وتفعيل دور المجالس المحلية المنتخبة فى الرقابة الشعبية وتقديم الخدمات المحلية.
محمد مرسى
وركز المرشح الرئاسى محمد المرسى فى برنامجه الانتخابى على إقرار آليات الرقابة الشعبية على الأداء الحكومى بما يضمن مستوى أعلى من الشفافية والنزاهة فى الأداء، بالإضافة إلى تفعيل دور الشباب فى العملية السياسية بدءا بخفض سن الترشح للمناصب العامة، واعتبار معامل الكفاءة والقدرة والرغبة فى العمل العام كمؤشرات أساسية على أهلية العمل السياسى.
أحمد شفيق
بينما اكتفى المرشح الرئاسى أحمد شفيق باقتراح تطوير أنظمة الحكم المحلى والمجالس الشعبية، بما يؤدى ضمن أهدافه إلى استيعاب طاقة الشباب السياسية وقدراتهم على العمل العام والقيادى. حديث «الرئاسة» بالإسماعيلية:
الخبراء: البرامج شعارات للوصول إلى «الكرسى» وتعكس عدم الوعى بأهمية(المحليات)
«كشفت البرامج الانتخابية لبعض المرشحين الرئاسيين عن عدم إدراكهم لمدى أهمية المجالس المحلية والتى أغفلها معظمهم رغم تمثيلها لما يقرب من ثلثى الجهاز الإدارى للدولة، فكلها برامج يغلب عليها طابع الشعارات للوصول إلى الكرسى»، حسبما رآه الخبراء المحليون الذين رصدت «الشروق» آراءهم فى قراءة البرامج الانتخابيةاعتبر بعض الخبراء أن برنامج المرشح الرئاسى عمرو موسى هو الأفضل مقارنة بالبرامج الانتخابية لباقى المرشحين، حيث إنه «من أكثر المسئولين الذين تعاملوا مع الإدارة المحلية»، حسب رأى خبير المحليات والقانون الإدارى حسن الخيمى الذى أبدى تحفظه على مبدأ انتخاب المحافظين الذى أقره المرشح الرئاسى عمرو موسى فى برنامجه الانتخابى رغم تأييده لانتخاب المحافظين فى مصر «لكن موسى لن يستطيع الجزم بهذا القرار الذى طالما طالبنا به فى عهد النظام السابق».
وأيد خبير المحليات اتجاه المرشح لتحديد الفترة الزمنية لانتخاب المحافظ لمدتين فقط، مشيرا إلى أن «المحافظ يجب أن يكون أخرج كل ما لديه خلال تلك الفترة الزمنية ليعطى الفرصة لمن يخلفه لإكمال المسيرة، فمصر عانت كثيرا من مبدأ «تأبيد الوظائف» وهو أن يستقر المسئول فى منصبة لسنوات طويلة».
وعن الانتقال التدريجى لنقل مسئولية وصلاحيات صنع القرار فى كل ما يتعلق بالشأن المحلى للإدارة المحلية المنتخبة، تمنى الخيمى أن يصدق موسى فى تنفيذ برنامجه حيث إنه «منذ إصدار قانون الادارة المحلية الحالى لسنة 1979 كان ينص على انتظام نقل السلطة تدريجيا ولم يحدث حتى الآن»، مستبعدا أن يتم ذلك مع الابقاء على مجلس الشعب الحالى كما هو حيث إن كل مشاريع القوانين التى تدرس بشأن عمل الإدارة المحلية تتجه بشدة إلى المركزية لإخراج اختصاصات الوحدات المحلية بالمحافظات من سلطة المحافظات إلى السلطات المركزية،.
ووصف الخيمى قرار موسى بتحديد جدول زمنى يقره البرلمان لعمل المحليات، نوع من الوعود الانتخابية التى تضفى المزيد من المصداقية على برنامج المرشح الانتخابى.
قراراتها إلزامية لا شك
واعتبر الخيمى مبدأ إلزامية قرارات المجالس الشعبية المحلية المنتخبة للسلطات التنفيذية المحلية «مقر بالفعل ولكنه كان غير مفعل فى عهد النظام السابق وكان يلتف عليه من قبل بعض المحافظين لإيقاف بعض القرارات بما يملكون من سلطات، ولكنها بالفعل قرارات الزامية»، حسب قوله.
وعن التمكين الإدارى لإعطاء المستويات المحلية الحق فى تعيين وإثابة وترقية الموظفين فى الأجهزة التنفيذية المحلية الذى التزم به المرشح الرئاسى ببرنامجه أوضح الخيمى أن موسى لم يحدد آليات ذلك «فما هو وأضح إلى الآن أن هذا المبدأ يعنى خروج ما يقرب 3.5 مليون موظف حكومى من إجمالى 6 ملايين موظف حكومى من عباءة الجهاز الإدارى للدولة وهو ما يعنى قرب ثلثى الجهاز الادارى للدولة الذين يخضعون للقانون 47 لسنة 1978 وهو قانون العاملين المدنيين بالدولة الذى تنظم عمل موظفى الجهاز الادارى بصفة عامة سواء وحدات محلية او سلطة مركزية، وهو ما يعنى أن يكون لموظفى المحليات قانون آخر خاص بهم، وهذا لن يتحقق إلا بوجود منظومة لا مركزية كاملة من الناحية الادارية والمالية.
ووصف الخيمى البرنامج الانتخابى للمرشح الرئاسى عبدالمنعم ابوالفتوح بال«متناقض» حيث إنه التزم فى برنامجه «جعل المحليات وحدات مستقلة مسئولة عن التخطيط والتنفيذ على المستوى المحلى فى إطار السياسة العامة للدولة»، مما لا يتفق بالفعل مع السياسة العامة للدولة التى تقر بوضعها للخطط التنموية وإشراك المحافظات فى تنفيذها فقط، مرجعا أسباب ذلك إلى عدم ممارسة المرشح الرئاسى لوظائف إدارية من قبل وعدم درايته بآلية سير العمل الحكومى فضلا عن افتقاده للخبرة العلمية، مستنكرا عدم وجود أى آليات لإدارة مرافق الدولة ومشروعاتها المحلية «التى اختزلها أبوالفتوح فى شعارات دون تطبيق»، على حد تعبيره.
سطحية «صباحى» و«مرسى»
واعتبر خبير المحليات والقانون الإدارى البرنامجين الانتخابيين لكل من المرشحين حمدين صباحى ومحمد المرسى «لا تتعدى سوى كونها جملا سطحية تعكس مدى انعدام الخبرة الادارية لديهم»، على حسب تعبيره، موضحا أن المحليات تم اغفالها بشكل كبير فى برامجهم الانتخابية متجاهلين أنها قوة لا يستهان بها فى الجهاز الادارى للدولة وهى تمثل ما يقرب من ثلثى حجمه.
أين «شفيق»؟
ولم يختلف أسلوب تعامل المرشح الرئاسى أحمد شفيق عن صباحى ومرسى، حسب رأى الخيمى، حيث إنه لم يذكر بالفعل سوى «تطوير أنظمة الحكم المحلى والمجالس الشعبية»، مما أثار تعجب الخيمى الذى أكد «أنه كان يتوقع أن يكون شفيق أكثر إلماما بهذا الملف كونه تولى منصب وزير سابق ورئيس وزراء مصر الأسبق واحتك بتلك القضايا من قبل».
من جانبه، وصف خبير المحليات ورئيس وحدة دعم اللا مركزية بجامعة القاهرة د. سمير عبدالوهاب كل البرامج الانتخابية للمرشحين بأنها «اختزلت دور المحليات فى انتخاب المحافظ والتوجه إلى اللا مركزية»، دون التطرق إلى الآليات التى ستساعد على تحقيق ذلك على أرض الواقع.
«الانتخاب» سلاح ذو حدين
وأوضح عبدالوهاب أن إقرار مبدأ الانتخاب للمحافظين فى حد ذاته ليس هو المشكلة الأساسية التى تواجه تحقيق مبدأ اللا مركزية فى مصر والذى أقره معظم المرشحين فى برامجهم ومنهم بينهم المرشح الرئاسى عمرو موسى الذى حدد الفترة الزمنية لانتخاب المحافظ بمدتين فقط، «فالانتخاب أو التعيين كل له مزاياه وعيوبه»، على حد تعبيره، «فإقرار مبدأ انتخاب المحافظ فيه عدم وضوح لأبعاد اختيار من يتولى منصب المحافظ ومدى علاقته بالحكومة المركزية التى من المفترض أن يكون ممثلها أما أهالى المحافظة والذى من الممكن أن تتحكم فيه معايير شخصية كالقبلية والتعصب لفرد بعينه، والعكس صحيح، فلا يجب أن تنفرد جهة وحيدة باتخاذ ذلك القرار تفاديا لاعتراض الجهة الأخرى».
«لن نبدأ من الصفر»
ورفض عبدالوهاب أن يكون الانتقال التدريجى للمسئولية وصلاحيات صنع القرار فى كل ما يتعلق بالشأن المحلى نحو تطبيق اللا مركزية الذى أقره موسى ببرنامجه شامل كل الاتجاهات، «هناك مجالات تستلزم نقل فورى لسلطاتها إلى المجالس المحلية كالخدمات العامة للمواطنية فى الصحة والتعليم ومرافق وغيرها»، رافضا أن نبدأ من نقطة الصفر فى تطبيق اللا مركزية فى مصر، متخوفا من حدوث «سيناريو دستور 1971 حيث أقر فيه الانتقال التدريجى للسلطة والاتجاه نحو اللا مركزية والذى لم يحقق منه شىء على مدى ال40 عام الماضية».
خروج موظفى المحليات من «الجهاز الحكومى»
وأشاد رئيس وحدة دعم اللا مركزية بالتزام موسى بتطبيق مبدأ «التمكين الإدارى» عن طريق نقل المسئوليات والصلاحيات الإدارية من الحكومة المركزية إلى المستويات المحلية فى كل ما يتعلق بالشأن المحلى، بما فى ذلك الحق فى التعيين وإثابة وترقية الموظفين فى الاجهزة التنفيذية المحلية، مؤكدا أن مبدأ التمكين الإدارى سيستدعى خروج موظفى المحليات من الجهاز الإدارى للدولة، مما سيتطلب وضع قانون خاص بموظفى المحليات غير القانون 47 لسنة 1978 وهو قانون العاملين المدنيين بالدولة التابعين له حاليا، لينظم عملهم الإدارى.
وأيد عبدالوهاب اتجاه أبوالفتوح لإقراره مبدأ «اعتماد التخطيط بالمشاركة» الذى ينص على اشراك المجتمع المحلى فى تحديد احتياجاته وأولوياته طبقا للموازنة المتاحة مشيرا إلى أنه هذا المبدأ تم الاتجاه فعليا بمصر خلال وضع الخطة الخمسية للتنمية لعام 2007/2012، للتعرف على احتياجات المحافظات ووضع أليات لتفيذها.
ليست مراجعة فقط
واستنكر عبدالوهاب البرنامج الانتخابى الذى طرح من قبل المرشح حمدين صباحى الذى اكتفى فيه ب«مراجعة قانون الحكم المحلى لتفعيل نظام اللا مركزية فى محافظات مصر»، لافتا إلى أن القانون الحالى لا يصلح على الاطلاق، ولا يمكن مراجعته، «فالمراجعة تعنى أنه صالح ولكن تنقصه بعض النقاط، وهذا غير صحيح فالقانون بأكمله لا يصلح ويجب إعادة النظر فيه كليا»، حسب رأيه، مؤكدا أن هذا يدل على «عدم وعى المرشح بحجم القضية التى أغفلها بشكل كبير خلال برنامجه الانتخابى».
ولم يعلق خبير المحليات على برنامجى كل من المرشحين الرئاسيين أحمد شفيق ومحمد مرسى سوى بعبارة واحدة «برامج لا تتناول قضايا جدية بشأن المحليات وتعكس عدم وجود رؤية واضحة لديهم».