تواصل «الشروق» نشر التحقيقات القضائية فى أحداث «مجلس الوزراء»، التى راح ضحيتها 18 شهيدا إثر إصابتهم بطلقات نارية «رصاص حى»، حسبما أكد الطب الشرعى ومئات المصابين، فى اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين، وقوات الجيش المكلفة بتأمين محيط مجلس الوزراء وميدان التحرير، فى 16 ديسمبر الماضى. وبحسب مصدر قضائى فإن التحقيقات فى الأحداث تم تقسيمها إلى جزأين، الأول ما انتهت منه الجهات القضائية وأحالته إلى محكمة الجنايات، وهو خاص باتهام 293 متهما بإتلاف الممتلكات العامة، وحرق المجمع العلمى، والتعدى على قوات الجيش، والتجمهر، وتعطيل المرور، أما الجزء الثانى فهو يتعلق باتهام قوات الجيش بارتكاب جرائم ومخالفات فى حق المتظاهرين، وهو الجزء الذى مازالت التحقيقات فيه جارية، حسبما قال المصدر.
ومن بين عشرات البلاغات التى وضعت أمام قضاة التحقيق، ولم تنته فيها التحقيقات، البلاغ المقدم من 3 باحثات من مجلس الشعب، ضد المستشار سامى مهران، أمين عام مجلس الشعب، وعدد من أعضاء الأمانة العامة للمجلس، يتهمنهم فيه بتسهيل اعتلاء عاملين سطح مبنى مجلس الشعب صباح الجمعة، وقت اندلاع الأحداث، وإلقاء الطوب والحجارة، وكسر الرخام على المعتصمين، وهو ما نشرته «الشروق» فى حلقة أمس، وهى الاتهامات التى يستمع بشأنها قضاة التحقيق لأقوال العاملين بمجلس الشعب، وبحسب المصدر القضائى فإن تحريات المباحث حول البلاغ المتهم فيه مهران لم ترد إلى قضاة التحقيق حتى الآن رغم مرور، نحو 5 شهور على الأحداث.
ويأتى الجزء الثانى من التحقيقات والخاص بوقائع البلاغات المقدمة ضد قوات الجيش من عدد من أعضاء مجلس الشعب، النواب عمرو حمزاوى، وزياد العليمى، ومحمد أبوحامد، والإعلامى حمدى قنديل، والمحامى أمير سالم، وزعيم حزب غد الثورة أيمن نور، والناشط السياسى جورج إسحاق، والنائب محمد البلتاجى، وبلاغ مقدم من جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر.
وأيضا يحقق القضاة المنتدبون من وزارة العدل فى البلاغ المقدم من عدد من محامى المتهمين فى القضية ضد قوات الضبط من القوات المسلحة، الذين قاموا بعمليات القبض على المتهمين خلال الأحداث، يتهمونهم فيه بالتعدى بالضرب المبرح على المتهمين أثناء القبض عليهم، واحتجازهم فى أماكن غير مؤهلة للحجز، وهو مجلس الشعب، وجراجات مجلس الوزراء، بما يعد مخالفة صريحة للقانون.
وكانت جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر، المتطوعة بالدفاع عن المقبوض عليهم، على خلفية الأحداث تقدمت ببلاغ للنائب العام للتحقيق فى وقائع التعدى على المقبوض عليهم أثناء ضبطهم وبعده، وذلك من قبل قوات الضبط من القوات المسلحة، التى كانت مكلفة آنذاك بتأمين ميدان التحرير والمنطقة المحيطة، واحتجازهم لعدة ساعات فى أماكن غير مؤهلة للحجز، وهى جراجات مجلس الشعب، ومجلس الوزراء.
وطالبت بضم دفاتر المأموريات التابعة للقوات المسلحة والتى يسجل فيها أسماء وأعداد القوات التى خرجت فى ذلك اليوم لتأمين ميدان التحرير، والذين قاموا بالقبض على المتهمين.
«القوات غير المسلحة»
وفيما لم يذهب نواب الشعب إلى التحقيق، استمعت النيابة إلى أقوال عدد من الشخصيات السياسية الذين شاركوهم فى البلاغات، وبناء على أقوال هذه الشخصيات، استمع قضاة التحقيق إلى أقوال مساعد قائد القوات المنطقة المركزية، والذى نفى أى صلة له وقوات المنطقة المركزية بأحداث مجلس الوزراء، مشيرا إلى أن قوات الجيش التى كانت تؤمن ميدان التحرير تابعة لقوات المظلات.
واستدعت هيئة التحقيق مساعد قائد قوات المظلات بالجيش بعد شهادة مساعد قائد المنطقة المركزية، وبمواجهته بالتهم التى نسبت إلى قوات المظلات أثناء الأحداث، نفى تورط قوات المظلات فى ارتكاب أية مخالفات، وأكد أنه لم يكن هناك اعتداء من قبل قوات المظلات، التى كانت تؤمن ميدان التحرير، وقت اندلاع الأحداث، مشيرا إلى أن هذه القوات لم يكن بحوزتها أى أسلحة نارية على الإطلاق، لكنها كانت مزودة بالعصى الخشبية والدروع فقط، وأنها لم تعتد على أى من المتظاهرين.
لجنة فنية لفحص الفيديوهات
وخلال التحقيقات طلب القضاة من اتحاد الإذاعة والتليفزيون تشكيل لجنة فنية مختصة تعرض عليها جميع مقاطع الفيديو الخاصة بالأحداث، والتى تم تحريزها من قبل النيابة العامة أو تم الحصول عليها عن طريق مواطنين عاديين، والتى توضح الاشتباكات منذ بداية اندلاعها أمام البوابة الرئيسية لمجلس الوزراء، مرورا بالصور التى التقطت لاقتحام قوات الجيش لميدان التحرير واللقطات الخاصة بوقائع التعدى الخاصة بالفتاة المسحولة المعروفة إعلاميا ب«ست البنات»، ولم تنته اللجنة من كتابة تقريرها الخاص بمقاطع الفيديو، وهذه التقارير سوف يتم إدراجها مع أوراق القضية فى جزئها الثانى الثانى الخاص بوقائع الاعتداء على المتظاهرين وبلاغات النواب.
غادة كمال: تعرضت للضرب المبرح والتهديد بالتحرش
استمع قضاة التحقيق لأقوال الدكتور غادة كمال، طبيبة صيدلانية، والناشطة السياسية، التى تعرضت للاعتداء عليها، فى الأحداث، وتم احتجازها لساعات داخل مبنى مجلس الشعب، هى وعدد كبير من المصابين والمتهمين.
وروت غادة ما تعرضت له من اعتداء أدى إلى إصابتها بإصابات بالغة، حيث أكدت أنها تعرضت للسحل، من قبل أحد الجنود الذى اقتادها من شعرها، وهو يكيل وزملاؤه لها الشتائم، والسباب بأقذع الألفاظ، وأنها تعرضت أثناء الاحتجاز داخل مبنى مجلس الشعب للضرب والتهديدات بالتحرش الجنسى.
وتم عرض غادة كمال على الطب الشرعى، الذى أكد فى تقريره أنه بعد توقيع الكشف الطبى الظاهرى، وعن طريق الأشعة، تبين أن غادة مصابة بإصابة رضية فى فروة الرأس، أدت إلى وجود جرح بسيط فى الرأس، ولم تؤثر على عظام الجمجمة، بأى كسور أو شروخ.
وأوضح التقرير أنها مصابة بعدة كدمات بالفخذين اليمنى واليسرى، والوجه، والعين اليسرى مع إحمرار حول العينين نتيجة الكدمات، مع وجود كدمات شديدة فى الظهر، وسحجات بالذراع اليمنى، وأن هذه الإصابات جاءت نتيجة الضرب المبرح بالعصا.
وأفاد التقرير أن هذه الإصابات الواردة فى التقرير جائزة الحدوث حسب رواية التعدى عليها التى ذكرتها فى مذكرة التحقيقات الخاصة بها، والتى تم عرضها على الطب الشرعى لمطابقة مدى الإصابات برواية المصاب والتعدى عليه فى الأحداث، وأكد التقرير الطبى أن هذه الإصابات سيتم الشفاء منها وأن غادة تتماثل للشفاء من إصابتها خلال 20 يوما من وقت الإصابة.
«ست البنات».. المسحولة فى الميدان غائبة عن التحقيقات
لم تشمل التحقيقات أقوال «ست البنات»، المعروفة إعلاميا ب«الفتاة المسحولة»، التى تم سحلها داخل ميدان التحرير، ولم يتم التعرف على هويتها، وذلك بناء على طلبها، وأيضا لم يتم عرض الفتاة على مصلحة الطب الشرعى لتوقيع الكشف الطبى عليها، لمعرفة ما بها من إصابات نتيجة سحلها فى الميدان.
بينما استمعت نيابة جنوبالقاهرة الكلية، وهى النيابة التى تعاون قضاة التحقيق فى سماع أقوال الشهود والمصابين فى الأحداث، إلى أقوال الصحفى إيهاب أشعية، وعزة هلال، المعروفة إعلاميا ب«ذات الرداء الأحمر»، فى البلاغات التى تقدما بها ضد رجال القوات المسلحة المكلفين بتأمين ميدان التحرير وقت اندلاع حريق المجمع العلمى، يتهمونهم بالتعدى عليهما بالضرب وإصابتهما بإصابات بالغة. وذكرت عزة هلال أنها كانت متواجدة فى ميدان التحرير وقت اندلاع حريق المجمع العلمى، وشاهدت عددا من رجال الجيش يعتدون بالضرب المبرح على شاب وفتاة، وتبين فيما بعد أنها الفتاة «الفتاة المسحولة» المعروفة إعلاميا ب «ست البنات»، وذلك بالقرب من المجمع، فذهبت عزة تجاههم لمحاولة إنقاذ الفتاة وقالت لهم «ليه بتعملوا كدا»، ففوجئت ببعض رجال الجيش يعتدون عليها بالضرب بالعصى حتى سقطت على الأرض، وأصيبت بكسر فى الجمجمة، وكدمات وسحجات وإصابات رضية بجميع أجزاء الجسم، وتم نقلها بعد ذلك إلى مستشفى قصر العينى، وأثناء وجودها بالمستشفى حرر شقيقها المحضر واتهم ضباط الجيش بالتعدى على شقيقته.
وقدمت عزة خلال التحقيقات أسطوانة «سى دى» مدمجة عليها مقاطع فيديو تعرض وقت الاعتداء عليها، وهى المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى و«يوتيوب»، والتى تعرض الاعتداء على الفتاة المسحولة والتى تمت تعريتها، والمقاطع تظهر الاعتداء على عزة.
وأضافت عزة أنها أثناء التحقيق معها اتهمت بعض قوات الجيش فى الميدان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة «الذى أعطى لهم الأمر» على حسب وصفها فى أقوالها، بالتعدى عليها وإصابتها بكسر فى الجمجمة.
وخلال التحقيقات استمعت النيابة أيضا لأقوال إيهاب أشعيه، صحفى، والذى كان موجودا بجانب عزة داخل ميدان التحرير، والذى أراد إنقاذها من يد رجال القوات المسلحة أثناء الاعتداء عليها، فتعرض هو الآخر للضرب وأصيب بطلق نارى فى الركبة، أدى إلى كسر فى الغضروف، وأجرى عددا كبيرا من العمليات الجراحية ومازال يعالج من الإصابة.
أبوالحسن.. شاهد ومتهم ومجنى عليه
سجلت التحقيقات شهادة أبوالحسن طلعت، مصور صحفى، الذى اعتبر فى التحقيقات متهما وشاهدا، ومصابا، فى الوقت نفسه، حيث أكد أنه كان يتابع الأحداث بحكم عمله داخل ميدان التحرير ومحيط مجلس الوزراء، لأنه كان مكلفا من قبل جهة عمله بتصوير الأحداث لحظة بلحظة. وأثناء قيامه بالتغطية فوجئ بشخص يأتى إليه من ناحية قوات الجيش «كان يلبس لباسا مدنيا»، ويقول له «ممنوع التصوير»، فاستفسر منه «ممنوع ليه؟»، وكان السؤال الأخير، فى اللحظة الفارقة، حيث رد عليه هذا الشخص قائلا «ممنوع ليه طب تعالى معايا»، وسحبه إلى مجلس الشعب.
وعند مجلس الشعب استلمه عدد من جنود الشرطة العسكرية «وبدأوا يضربونى ضربا شديدا، ولما خلصوا ضرب، شدونى وروحت على مجموعة عساكر تانيين، انهالوا على بالضرب مرة تانية».
ونتيجة الضرب على رأسه أصيب أبوالحسن بحالة إغماء وفقد الوعى، وبعد وقت لم يحدده فاق من غيبوبته ووجد نفسه مازال محجوزا داخل مجلس الشعب. وذكر أبوالحسن فى شهادته أنه فى فجر يوم الأحد 18 ديسمبر الماضى، أى بعد اندلاع الأحداث ب 48 ساعة، تم ترحيله إلى النيابة العسكرية، «وهناك رفض الطبيب استقبالى نظرا لسوء حالتى الصحية، حيث كنت مصابا بشرخ فى الذراع اليسرى وما بعد الارتجاج فى المخ وكدمات وسحجات متفرقة فى أنحاء الجسم كله».
وشهد أبوالحسن أنه تم نقله إلى المجمع الطبى للقوات المسلحة بكوبرى القبة، وهناك أجريت له عدة إشاعات على جسمه «لكن رفضوا يسلموهاله».
وهناك أخبره القائمون على الرعاية داخل المستشفى أن المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة موجود، وكان وقتها قد دخل فى إضراب عن الطعام، احتجاجا على ضربه والاستيلاء على الكاميرا الخاصة به، وجهاز اللاب توب، والهاتف المحمول، الخاصين به. وذكر أبوالحسن أنه بعد قضاء يوم فى مستشفى المجمع الطبى للقوات المسلحة بكوبرى القبة، تم نقله إلى مستشفى سيد جلال، وهناك تم تقييده ب«كلابشات حديدية» مع مصاب آخر خلال الأحداث، ومن هنا أصبح أبوالحسن متهما فى القضية.
وكشف خلال التحقيقات أنه كان يعامل وباقى المصابين الذين تم تحويلهم إلى مستشفى سيد جلال معاملة سيئة جدا، «الكلابش كان فى ايدنا على طول وإحنا أصلا مصابين، لدرجة إنى كنت بدخل الحمام ومعايا زميلى المتكلبش معايا». وذكر أبوالحسن أنه بعد نقله إلى مستشفى سيد جلال وجد أن هناك عددا كبيرا من المصابين موجودون هناك، وجميعهم يعالج من إصابتهم وكانت «إصابات جسيمة، وكان كل 2 من المصابين بيناموا على سرير واحد متكلبشين».
وتهمة أبوالحسن التى جاءت فى المحضر الذى تمت كتابته فى مستشفى سيد جلال، هى التعدى على السلطات، والتجمهر، وتعطيل حركة المرور، والإتلاف العمدى للممتلكات العامة والخاصة.
وخلال التحقيق الذى استمر معه لأكثر من 8 ساعات متواصلة، سلم أبوالحسن قضاة التحقيق أسطوانة مدمجة «سى دى»، عليها مشاهد لعدد من الجنود وهم يلقون الحجارة على المتظاهرين أثناء الاشتباكات، وعند بناء الجدار الإسمتنى للفصل بين المتظاهرين وقوات الجيش.
كما سلم أسطوانة مدمجة أخرى عليها مشاهد لعدد من «البلطجية» كما وصفهم أبوالحسن بأنهم كانوا «مندسين داخل الثوار»، وهم من كانوا يقومون بإلقاء الطوب والحجارة وزجاجات المولوتوف على قوات الشرطة العسكرية المكلفة بتأمين ميدان التحرير وقت الأحداث.
ومن ضمن الأدلة المدعمة لشهادة أبوالحسن، عدد كبير من الصور الفوتوغرافية للمتتهمين بحرق مبنى هيئة الطرق والكبارى، الملحق بمبنى مجلس الشعب، والذى تم إشعال النيران فيه أثناء الأحداث وقبل حريق المجمع العلمى والذى ظلت النيران تلتهمه ليلة كاملة.
وأثناء التحقيق مع أبوالحسن قدم بنفسه بلاغات إلى قضاة التحقيق اتهم فيه رجال القوات المسلحة المكلفين بتأمين ميدان التحرير صباح يوم السبت17 ديسمبر الماضى، وقت اندلاع الأحداث، بالشروع فى قتله بالتعدى عليه بالضرب واحتجازه داخل مبنى مجلس الشعب، ما أدى لإصابته بإصابات متفرقة وارتجاج فى المخ.