صورة الشابة المصرية التى انحسر رداؤها كاملا بفعل وحشية قوات القمع أثناء أحداث مجلس الوزراء التى تناقلتها وسائل الإعلام بكثافة أعادت تصدير فكرة «قدسية» الجسد من جديد، هذا الكيان المادى الممثل لإنسانية الإنسان وهويته ووجوده. هل كانت الإشكالية فى كونه جسد امرأة؟ أم فى انتهاك حرمة وخصوصية الجسد وتعريته وسحله، لأنثى كان أو لذكر، لطفلة كان أو لطفل؟ إلى من ينتمى الجسد؟ ومن يحق له التحكم فيه، وبالتالى كيف تحترم خصوصيته ويجرم انتهاكه؟
حول هذه الأسئلة التى تتخذ من الجسد وسيلة للتعبير عن الابداع الأدبى والفنى يتناول مهرجان القاهرة الأدبى والمتوسطى هذا العام فى دورته الثالثة «الجسد» ليكون محوره الرئيسى تحت عنوان «الأدب والجسد» ويمتد المهرجان فى الفترة من 17 إلى 21 مايو برعاية قاعة مشربية للفن، بالتعاون مع المراكز الثقافية الفرنسى والإيطالى والإسبانى والألمانى والقنصلية البريطانية.
تؤكد رئيسة المهرجان وصاحبة فكرته، ستيفانيا أنجرانو، فى حديثها ل«الشروق»، على الجانب السياسى والفلسفى والاجتماعى فى اختيار موضوع الجسد محورا: «بعيدا عن الهوس بالمعنى الحسى أو الايروتيكى للجسد، نسعى لتناول الجسد كوسيلة وأداة نتعرف بها على العالم ونواجه بها العالم الخارجى ونفرض احترامها ونشعر بقيمتها، فهو موضوع حقوقى وفلسفى فى المقام الأول، فقد فتحت الثورة الطريق لمناقشة كل ما كان مسكوت عنه فيما قبل». حيث ترى أنجرانو، وهى التى تعنى بالفن المعاصر من خلال إدارتها لقاعة مشربية منذ أكثر من عشرين عاما، أنه يتم اليوم استهلاك الثورة فى عمل موضوعات لا تتجاوز ردود الأفعال المباشرة، وأن اللحظة تحتم العمل بروح الثورة والطاقة التى ولدتها لفتح الملفات المسكوت عنها ومنها الجانب المعرفى للجسد وتمثلاته وحقوقه.
وتتكامل عناصر البرنامج بين الأدبى والتشكيلى والموسيقى وبين ضيوف من بلدان المتوسط للتأكيد على علاقة الأدب بالجسد، ألم يتمحور تاريخ الفن التشكيلى حول الجسد منذ عصر النهضة وتبنى فكرة جمال الجسد كمثال لجمال الخلق؟ وألم تكن «الكلمة» فى معناها المجازى هى جسد النص الأدبى؟ فيقدم الفيلسوف الفرنسى جيل ليبوفتسكى محاضرة بالمعهد الفرنسى بالمنيرة بعنوان «طقس الجمال الأنثوى» الذى يتناول فيها الحقوق الفردية وصورة الفرد وهو الذى كتب «المرأة الثالثة» والذى ستصدر ترجمته العربية عن المركز القومى للترجمة أثناء زيارته للقاهرة. بينما تتناول الكاتبة الإيطالية سيمونيتا أنيلو هورنبى العلاقة بين الغذاء اليومى والجسم الإنسانى، وهى محامية ناشطة انشغلت بموضوع التعدى الجسدى على الأطفال القصر. وفى مجال الفن التشكيلى يقدم المهرجان أعمال الفنانة مروة عادل التى تحتفى بجمال الجسم الإنسانى وتعتمد على الفوتوغرافية المعالجة تشكيليا تعرض فى المعهد الفرنسى، بينما يقدم كل من الفنانين السودانى صلاح المر والمصرية سعاد عبدالرسول، بقاعة مشربية، معرض «معجزة الخرائط» وتتكامل فيه التجربتين رغم اختلافهما، ويحاولا استنفاذ المعانى المختلفة التى يثيرها الجسم الإنسانى من ألم ومتعة وأمومة وعودة لأصول الأولى، إلى الحنين لجسم الطفل وارتباطه العضوى بالجسم الأنثوى أى الأم، أو من خلال مجموعة لوحات تقدم لألعاب الطفولة القديمة.
وفضلا عن عرض فريق أسفلت الموسيقى، يقدم المهرجان شرائط سينمائية مثل الفيلم الإيطالى الذى تدور أحداثه فى إيران حول الأطفال الذين ينتظرون أحكاما بالإعدام لاتهامهم بتهمة المثلية، أو فيلم دنيا الذى يتناول الفتاة التى تحلم أن تكون راقصة ويعرض الفيلم فى المعهد الإيطالى بحضور مخرجته اللبنانية جوسلين صعب