مع وصول أحزاب إسلامية إلى الحكم في المنطقة، وبدء تنامي ظهور خطاب الإسلام السياسي، أعادت دار "التنوير" اللبنانية طبع كتاب "السلطة في الإسلام" للمفكر المصري عبد الجواد ياسين. الطبعة الجديدة تتسم بطابعها الشعبي وتشمل جزئي الكتاب:"العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ"، و"نقد النظرية السياسية". قدم الكتاب في جزئه الأول قراءة للسلطة على ضوء التاريخ، ناقش خلالها جدل النص مع الواقع التاريخي الذي فرضه الصراع السياسي بخلفياته الاجتماعية، وهو الجدل الذي انتهى بطغيان الواقع على النص، ليس فقط إلى درجة انفراد الواقع دون النص بإملاء النظرية السياسية، بل إلى درجة إنشاء النص، أي اختلاقه كي يتوافق مع الواقع كما هو، أو كما تريد أن تقرأه كل فرقة من الفرق السياسية.
وهو ما أسماه المؤلف ظاهرة "التنصيص السياسي" التي أدت إلى تديين الحوادث التاريخية اللاحقة على النص. أما الجزء الثاني، فيقدم قراءة للسلطة في التاريخ، أي تاريخ النظرية السياسية، بالتوازي مع تاريخ الصراع السياسي موضوعا في محيطه الاجتماعي العام.
يناقش من خلالها جدل النظرية السياسية مع الواقع السلفي الذي نشأت فيه وصدرت عنه. وكيف كانت تتكون عبر مراحل تطورها كسلسلة من ردود الأفعال لتداعيات العلاقة بين أطراف الثالوث السياسي الأول المكون تقليديا من حكومة (سنية) وتيارين معارضين (شيعة وخوارج).
يهدف الكاتب باطنيا من قراءته إلى تحفيز جدل النظرية - الجاري حاليا- مع الواقع الإسلامي الحاضر، الذي يعكس حالة بؤس سياسي واجتماعي مزمنة من ناحية، ومع مباديء الحداثة السياسية التي صارت جزءا من ثقافة الواقع الحاضر دون أن تفلح في تغييره. وهو الجدل الذي يحتدم بقوة داخل العقل السياسي المعاصر بين مكوناته السلفية العاجزة عن التعاطي مع مشاكل الواقع والاستجابة لثقافة العصر وبين مثيراته الحداثية التي تسهم في التضخيم من إحساسه بالمأزق دون أن تساهم في إخراجه منه.
لا يفوت الكتاب أن يشير إلى أن العقل الشائع لكتلة العوام الشعبية الأكثر التصاقا بمفهوم الواقع هو عقل سلبي تكونت "ثقافته" السياسية عبر تاريخ طويل من القهر الذي ظل يجمع على الدوام بين قمع النظرية السياسية وتسلط التراث الفقهي الموازي لها.