بيير ماريو موروزينى لاعب خط الوسط فى فريق كرة القدم الإيطالى ليفورنو. اسم انفجر فى رسائل إعلام العالم هذا الأسبوع. قفز فى الهواء وهو فى كامل لياقته ليختطف برأسه كرة عرضية محاولا تسجيل هدف لكنه سقط مكوما على أرض ملعب استاد الأدرياتيكو على مرأى من آلاف المشجعين ليلفظ أنفاسه الأخيرة لحظة صادمة هزت كل زملائه والفريق المنافس وأبكت المدرجات. لم يكن موروزينى حالة فريدة. فقط كان آخر من لقوا ذلك المصير الفاجع فى قائمة طويلة من لاعبى الكرة تضم لاعب الأهلى محمد عبدالوهاب.
قدر مدفون فى القلب الرياضى يتحين لحظة فارقة تنبض فيها الشرايين بكل قوتها وينتفض فيها الجسد فى عافية وعنفوان ليباغته بمخالف ذئب ضارٍ تنهش روحه وتأتى على حياته.
عام 490 قبل الميلاد حمل شاب يونانى يدعى فيدبيدس Phidippides بشارة انتصار بلاده على قوات الفرس فى رسالة. ظل يجرى من ماراثون إلى آثينا العاصمة على مدى ستة وعشرين ميلا لم يتوقف فيها لحظة واحدة. حينما أتم مهمته وسلم الرسالة سقط على الأرض مسلما الروح. ربما كانت تلك أول حالة يتم رصدها فى التاريخ للوفاة المفاجئة نتيجة بذل جهد فوق احتمال القلب والدورة الدموية.
أسماء عديدة لنجوم من الرياضيين ستظل فى الأذهان مرتبطة بحوادث «الموت المفاجئ» الذى اختطفهم وهم فى أوج شبابهم وتألقهم. قد يكون أكثرهم من لاعبى كرة القدم الشباب أيضا كرة السلة لكن القائمة أيضا تضم جيم فاكس Jim Fixx (1984) الفائز بالعديد من سباقات الماراثون، نجم الكرة الطائر الأوليمبى Flo Human (1986) نجم كرة السلة Hank Gather (1990) ونجم الرقص على الجليد Sergei Grinkov وغيرهم ممن رحلوا فجأة كالشهب اللامعة التى تعبر السماء بسرعة خاطفة فلا تتوقف حتى لتحية الأرض.
رغم أن نسبة موت الرياضيين المفاجئ لا تتعدى 12 لكل 200.000 رياضى غالبا من الرجال إلا أن الحدث ذاته صادم ألم يترك فى النفوس مرارة تبقى كثيرا.
القلب الرياضى: ماذا وراء الموت المفاجئ؟
بداية يجب أن ندرك الفارق بين النوبة القلبية وتوقف القلب، النوبة القلبية Heart Attack هى التطور الطبيعى لتراكم المواد الدهنية خاصة الكولستيرول الردىء وما قد يعلق بها من ذرات كالسيوم وخلايا بيضاء ميتة، الأمر الذى معه قد تنفجر تلك التراكمات محدثة انسدادا فى مجرى تيار الدم السارى فى الشرايين التاجية التى تغذى عضلة القلب. إذن هو عطل فى عمل الشرايين ناشئ عن انسدادها أما توقف القلب Cardiac Arrest فهو عطل كهربى.
السيال الكهربى للقلب هو المسئول عن انقباض وانبساط عضلة القلب بمعنى آخر كل نبض تصور عن القلب لتمكنه من استقبال الدم القادم من الرئة وأعضاء الجسم المختلفة ودفع الدم فى شريان الأورطى محملا بالأكسجين إلى الدورة الدموية الكبرى ومنها لكل أنحاء الجسم البعيدة والأطراف.
توقف القلب هو سبب الموت المفاجئ الأكثر شيوعا بين الرياضيين خاصة حديثى السن منهم. توقف السيال الكهربائى يوقف تماما عمل الدورة الدموية فلا دم يندفع باتجاه المخ ولا الأطراف.
وقد يكون الخلل فى صورة نبضات كهربية غير منتظمة شديدة السرعة تتسبب فى انتفاضات متتالية سريعة للبطين الأيسر والأيمن Ventriculas Fibrilla Tion تفسد عملها تماما فتصبح غير قادرة على ضخ الدم بصورة طبيعية الأمر الذى يؤدى لنفس النتيجة هبوط حاد فى عمل الدورة الدموية ينتج عنه الموت السريع المفاجئ.
● توقف القلب المفاجئ متعدد الأسباب: مجموعة من اضطرابات القلب الكهربية الموروثة خلقيا، تضخم عضلة القلب الوراثى Arrhylh Mogenic Right Ventricular Cardiomyopathuy & Hypertrophic Cardiomyo Path
الواقع أن تشخيص تلك الحالات أمر بالغ الصعوبة يحتاج لتقنيات حديثة ومتابعة مستمرة ودراسات مستفيضة لتاريخ العائلة الوراثى الأمر الذى لا يتم دائما بصورة كاملة تسمح باكتشاف المرض. لذا فإن القلب يحمل فى طياته ما يمكنه أن يخدع به المريض والطبيب معا.
● أهم ثانى سبب لموت الرياضيين المفاجئ هو العيوب الخلقية فى شرايين القلب التاجية. شرايين القلب التاجية تخرج مباشرة من شريان الأورطى فى صورة تسمح للدم بالسريان فى فترة انبساط عضلة القلب لتغذيتها بينما تفرغ حينما تنقبض عضلة القلب أثناء دفع الدم من البطين الأيسر لشريان الأورطى. العيوب الخلقية للشرايين التاجية لا تسمح بكم كاف من الأكسجين لعضلة القلب خاصة أثناء أداء الرياضة العنيفة الأمر الذى تسبب فى انحسار تيار الدم السارى لها.
● العيوب الخلقية فى صمامات القلب أو الضفيرة العصبية الممتدة داخله أو انفجار شريان الأورطى فجأة كلها أيضا أسباب محتملة للموت المفاجئ للرياضيين.
● ظاهرة مارفان Marfan Syndron وهى حالة طبية وراثية تصيب الأنسجة الضامة التى تدخل فى تركيب صمامات القلب والشرايين وغيرها من أعضاء الجسم. تعطى للمريض بها ملمحا خاصة فهو دائما طويل، رفيع، مرن المفاصل. من أشهر الأمثلة لاعب الكرة الطائرة الأوليمبى Flo Hyman الذى كان مصابا بها وتوفى أثناء اللعب.
● الموت المفاجئ للرياضيين ممن تعدوا الثلاثين غالبا ما يجىء نتيجة نوبة قلبية خاصة إذا كانوا مدخنين أو يعانون من أى أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرضى السكر أو من يعانون من ارتفاع نسب الدهون. العامل الوراثى أيضا يلعب دورا بالغ الأهمية.
● صدمة الصدر أو ارتجاج القلب Cardiac Cancussion آخر أسباب الموت المفاجئ الذى لا يمت للقلب بصلة. كرة تنس أو هوكى أو بيسبول سريعة يمكنها أن تتسبب فى موت مفاجئ إذا ما استهدفت مركز الصدر خاصة لدى الأطفال وحديثى السن.
● من الحوادث المؤلمة أيضا الموت المفاجئ نتيجة توجيه ضربة فى ألعاب الكراتيه.
الفحص الطبى العادى للأسف لا يمكن معه اكتشاف العديد من الأسباب التى تسبب فى الموت المفاجئ.
الرياضيون ممن يسجل تاريخ عائلتهم المرضى حالات موت مفاجئ والمصابون بمارفان أو الذين تكرر إصابتهم بالإغماء يجب فحصهم لدى أخصائى أمراض قلب مع إجراء فحوص شاملة ربما شملت الأشعة المقطعية.
هل من أعراض يمكن منها توقع الحدث؟
ألم الصدر المتكرر، الإغماء دون مبرر واضح، تسارع دقات القلب واختلال إيقاعها، الإحساس بالإجهاد، صعوبات التنفس كلها أعراض يمكن اعتبارها عادية خاصة عند ممارسة الرياضات العنيفة لذا يجب مراجعة الطبيب عند الإحساس بأيها، ربما كانت مفتاح التشخيص.
هل يدفعنا الخوف من الموت المفاجئ للتوقف عن الرياضة؟
للرياضة أثر إيجابى لا يخطئه أحد على صحة الإنسان. الجهد البدنى المنتظم الملائم للعمر يسهم فى تنظيم نسبة السكر فى الدم والهبوط بنسبة الكولستيرول والدهون أيضا ضغط الدم إلى جانب أثره على حالة الإنسان الذهنية والنفسية.
بالفعل أثر الموت المفاجئ فى الملاعب على الرياضيين وكل المشاهدين قائم شديد المرارة لكنه فى المقابل أمر نادر الحدوث.
إذا كنتم ممن تخطوا الثلاثين فلا تتردد فى البدء فى ممارسة الرياضة لكنك يجب أن تلجأ لمختص لتقييم حالتك الجسدية واختيار كم ونوع الجهد الذى يجب أن تمارسه. يجب ألا تغفل أيضا الفحوص الطبية الكافية.
توقف عن التدخين إن كنت مدخنا، اشرب الكافى من المياه دائما، تعلم كيف تقيس ضغطك ونبضك وراقبهما قبل وبعد الرياضة، ولا تنس تمارين الشد على بساطتها قبل وبعد الرياضة.