«جو مسمم ومدمر»، هكذا وصف جريج سميث، الذى كان يعمل مديرا فى مجال بيع المشتقات المالية ببنك جولدمان ساكس، أجواء العمل فى البنك الأمريكى الشهير، فى مقال له الأسبوع الماضى بصحيفة النيويورك تايمز، والذى تزامن مع تقديم استقالته بعد 12 سنة من العمل بالبنك، وهو المقال الذى اثار الخلاف بين المحللين الأمريكيين حول صحة تقييم سميث للمصرف الأمريكى البارز بأنه يطبق سياسات تحقق أرباحا بطرق غير نزيهة. واهتم الرأى العام بهذا الجدل المحموم لأن دافعى الضرائب هم من ممولى خطة إنقاذ البنوك الأمريكية المتعثرة فى الازمة المالية والتى كان جولدمان ساكس من أبرزها. انتقاد سميث جاء من منطلق رؤيته لتلاعب البنك بعملائه، والذين يشاع وصفهم داخل البنك ب «العرائس»، ويبيع لهم البنك أسهما أو منتجات مالية أخرى يحاول التخلص منها لأنها لن تحقق أى أرباح، بحسب سميث.
رأى سميث والذى أبرز تعارض المصالح بين دور البنك كمستثمر وناصح للمستثمرين، اعتبرته صحيفة الاندبندنت «تصريحا جريئا»، فى تقرير كان عنوانه «جولدمان ساكس كنموذج معيب»، وحلل التقرير السياق التاريخى لهذا النمط من الاستثمارات المعيبة، فبالرغم من صدور تشريعات أمريكية فى عام 1933، عقب ازمة الكساد الكبير، تحد من هذا النمط من تعارض المصالح، تمت مقاومة تلك التشريعات فى مرحلة التسعينيات التى تتسم بإطلاق قوى التحرر الاقتصادى، وهى الفترة التى جمعت بنوك الاستثمار فيها بين نشاطى التداول وتقديم النصائح للمتداولين. وشهدت ايضا تلك الفترة فضائح مالية تكشف ممارسات بنوك استثمار تصدر بحوثا تخدم نشاطها فى بيع الاسهم، وفقا للاندبندنت»، وتزامن مع تلك التحولات شيوع الثقافة الاستثمارية التى تركز على استهداف الأرباح قصيرة الأجل «الصفقات والارباح اصبحت على حساب مصالح العملاء والعلاقات طويلة الأجل».
وبالرغم من كل الاتهامات التى لاحقت بنوك الاستثمار بعد احداث انهيار الاقتصاد الامريكى فى 2008، حول مسئوليتها عن تلك الأزمة لم تكن التعديلات التشريعية المطبقة ملائمة لمواجهة هذا النمط من تعارض المصالح وذلك بفضل ضغوط لوبى البنوك الأمريكى الذى قاوم تلك الاصلاحات، كما تضيف الصحيفة.
فى المقابل لذلك دافع رجل الاعمال الشهير وعمدة نيويورك ميشيل بلومبرج بشدة عن موقف جولدمان ساكس واصفا إياها ب«الشركة العظيمة»، معتبرا مقال سميث «خطابا قذرا من موظف»، بحسب تقرير لوكالة رويترز، الذى أشار ايضا الى ان بلومبرج بدأ مشواره نحو الثورة عن طريق تحقيق الملايين من المضاربة فى بورصة وول ستريت، قبل ان ينميها إلى مليارات الدولارات من خلال استثماراته فى وكالة الأنباء المعروفة باسمه. وامتد انتقاد بلومبرج الى النيويورك تايمز ذاتها الذى اعتبر انه لم يكن ينبغى أن تنشر المقال، وإلى بعض أشكال التغطية الصحفية لتلك الواقعة واصفا إياها ب«السخيفة»، معلقا على الانتقادات الموجهة للمصرف الأمريكى بتعبير ساخر «مفاجأة.. مفاجأة، إنها ليست مؤسسة لتحقيق الأمنيات، إنها شركة مؤسسة بهدف تحقيق الأرباح، هذا هو ما يقومون به».
إلا أن جولدمان ساكس قد لا يرى نفسه بهذه الصورة المثالية التى تبدو فى تصريحات بلومبرج حيث يسعى خلال الفترة القادمة لإجراء بعض الإصلاحات الخاصة بشفافية تعاملاته، فبحسب وول ستريت جورنال فإن البنك، وبعض البنوك الأخرى المناظرة له، تقوم بدراسة كيفية تقديم بيانات أكثر شفافية عن المصالح المالية لمصرفييه الذين تعتمد عليهم الشركات فى اخذ النصائح قبل عقد الصفقات.
وفى كل الأحوال قد تتكشف حقائق أكثر عن البنك الأمريكى فى حال نشر سميث كتابا يضم تفاصيل أكثر عن الحقائق التى كشفها، ووفقا لوكالة بلومبرج فإن سميث يراوغ العديد من الناشرين الذين ينصحونه بذلك ويعدونه بتحقيق أرباح كبيرة من ورائه.