في أمريكا: « وول ستريت» ضد «داير الناحية» كل الأنظار هنا في أمريكا مركزة علي وول ستريت، حيث تتوالي حلقات مسلسل الفضائح والجرائم المالية. فبعد قضية إفلاس بنك ليمان براذرز، التي كتبت عنها من قبل هنا في «لقطات» والمنظورة حاليا أمام المحكمة في نيويورك، تحقق السلطات في فضيحة جولدمان ساكس. والبقية تأتي. بنك ليمان براذرز كذب لكي يتجمل لخداع الجمهور، تماما كما تفعل المرأة القبيحة عندما تفرط في استخدام المساحيق لغواية البلهاء من الرجال. وبنك جولدمان ساكس خدع عملاءه بأن باع لهم أوراقا «مضروبة» اسمها "التزامات ديون بضمانات - سي دي أو" يعرف البنك أنها ديون مشكوك في تحصيلها، ثم اشتري مشتقات مالية أخري اسمها "مبادلات تعثر الديون- سي دي إس" للمراهنة علي تعثر تلك الديون . والنتيجة: خسر المستثمرون البلايين وتضخمت أرباح «جولدمان ساكس» في المقابل. «وول ستريت» هو شارع صغير جنوب مانهاتن في نيويورك. فيه توجد بورصة نيويورك للأوراق المالية، كما توجد البورصة الأمريكية. إنه مركز صناعة المال في امريكا، بل هوالقلب المالي والعصب الاقتصادي للعالم. إنه قدس الأقداس للنظام الرأسمالي. كان انهيار بنك ليمان براذرز هنا في سبتمبر 2008، هو الشرارة التي فجرت الأزمة المالية العالمية. أما «داير الناحية» فهو ما يطلقون عليه وول ستريت يرمز للصفوة من رجال المال والبنوك، وداير الناحية .Main Street في أمريكا يرمز إلي عامة الشعب الأمريكي ممن يكدون ويكدحون. وبين وول ستريت ومين ستريت تدور أم المعارك في أمريكا الآن حول قضية الإصلاح المالي. مين ستريت يضغط لتقليم أظافر المؤسسات المالية، و وول ستريت يقاوم وضع أي قيود تحد من عربدة تلك المؤسسات. ووسط حالة الاستقطاب التي تجتاح المجتمع الأمريكي، انقسمت الطبقة السياسية انقساما حادا. فالديمقراطيون يضغطون للإصلاح المالي، والجمهوريون يعارضون. وبطبيعة الحال تلعب تبرعات وول ستريت لأعضاء الحزب الجمهوري دورا خطيرا في المعركة. ففي الأسبوع الماضي وقف أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين صفا واحدا ضد مشروع القانون الذي تقدم به الديمقراطيون للإصلاح المالي. ولم تشفع جهود الرئيس أوباما الذي كان قد زار وول ستريت منذ أسبوعين، وخاطب رؤساء البنوك والمؤسسات المالية الكبري، موضحا ضرورة الإصلاح. بل إنه هدد لوبي المال في وول ستريت من عرقلة جهود الإصلاح قائلا بطريقة لفتت أنظار المراقبين: "إذا كانوا (يقصد أقطاب وول ستريت) يريدون معركة، فأنا علي إستعداد"! وبعد ما يقرب من عامين علي الأزمة، ما زالت جهود الإصلاح تراوح مكانها وسط دوامة الصراع والاستقطاب غير المسبوق في الساحة السياسية الأمريكية. فالديمقراطيون يريدون وضع إشراف أكبر علي نشاط المؤسسات المالية حتي لا تبالغ في ارتياد الأنشطة عالية المخاطر. ويريدون تنظيم التعامل في المشتقات، بل منع التعامل مع الأنواع المعقدة منها. ويريدون وضع حد أقصي لحجم المؤسسات المالية، وتقسيم الكبير منها إلي عدة وحدات، وفصل نشاط البنوك عن أعمال الاستثمار . كما يريدون فرض ضريبة علي المؤسسات المالية لتمويل صندوق لمعالجة حالات التعثر. ووسط حالة الشلل هذه، تهب رياح أزمة اليونان عبر الأطلنطي لكي تزيد من القلق مما قد يحمله الغد.