من غير الواضح إذا كانت لجنة الأوراق المالية والبورصات سوف تتمكن من الفوز على مؤسسة جولدمان ساكس فى المحكمة أم لا. فالتزامات جولدمان ساكس مبهمة فى تلك الصفقة المعقدة والمتنازع بشأنها. ولكن أيّا ما كان سيحدث فى المحكمة، تعتبر الشكوى ضد جولدمان ساكس ت نقطة تحول. حيث تمثل تحديّا لتحول أخلاقى فى وول ستريت قدم المبرر لسلوك قد يراه معظم الناس مخادعا أو يفتقر إلى الأمانة. فقد كان قادة وول ستريت يرون أنفسهم ذات يوم باعتبارهم جهة تحكيم لرأس المال يساعدون فى توجيه مدخرات المجتمع نحو استخدامات إنتاجية. وعلى النقيض من ذلك، ترى الشركات الكبرى فى وول ستريت نفسها الآن باعتبارها قباطنة «السوق»، يبحرون فيه لمصلحتهم وأحيانا لمصلحة زبائنهم لأجل تحقيق أقصى مكسب. وهناك فارق بين الأمرين. فوول ستريت باعتبارها جهة تحكيم مالية، كانت تتلقى رسوما مقابل إصدارها أحكاما، حيث كانت ترشد المستثمرين، وتنصح الشركات بشأن الاندماجات التى يجب أن تسعى إليها، كما كانت تحدد أى الشركات تستحق المزيد من رأس المال عبر بيع أسهم وسندات جديدة للمستثمرين (اكتتاب). وكانت وول ستريت تحقق إيرادات عن طريق الرسوم والعمولات. والآن، أصبح النموذج السائد مختلفا تماما. فما زالت شركات وول ستريت تقدم النصائح وتكسب الرسوم. لكن نشاطها الأساسى أصبح القيام بالتعاملات لحسابها الخاص، وخلق فرص التداول للعملاء. ومن قبيل المصادفة، أكد تقرير أرباح جولدمان ساكس الصادر مؤخرا حجم التحول الذى وقع. ففى الربع الأول من 2010، جاء نحو 80% من أرباح جولدمان ساكس البالغة 12.8 مليار دولار من التعاملات التجارية وحسابات الاستثمار العقارى. وجاءت بقية الأرباح من ضمان الاكتتاب وتقديم الاستشارات المالية وإدارتها. غير أن الطمع وقصر النظر لم يظهرا بالأمس فقط، حيث كان النموذج القديم لوول ستريت يفرز انتهاكات. فقد كان الوسطاء يضخمون حسابات العملاء من أجل توليد عمولات. وكسبت بنوك الاستثمار رسوما عبر إجازة اندماجات مشكوك فيها. وقامت شركات ضمان الاكتتاب بدعم الشركات التى تدار بصورة سيئة، أو تلك التى ليس لها نشاط حقيقى (تذكروا فقاعة الدوت كوم). كما وقعت عمليات نصب. ذلك أنه قبل فترة طويلة من قضية بيرنى مادوف، حُكم على ريتشارد ويتنى، رئيس بورصة نيويورك فى الثلاثينيات، بالسجن بسبب الاختلاس. لكن فى ظل النموذج القديم، كان عادة ما يتم الإقرار بالسقطات ولو متأخرا باعتبارها فشلا أخلاقيّا وماليّا. فقد كانت بمثابة «انحراف». غير أن النموذج الجديد أكثر تساهلا. ولنتأمل شكوى لجنة الأوراق المالية والبورصات ضد جولدمان ساكس. ففى أوائل 2007، بناء على طلب صندوق التحوط، الذى يديره جون بولسون ليس له علاقة بوزير الخزانة السابق هنرى بولسون أنشأ جولدمان سندات مضمونة برهون عقارية أباكوس 2007 إيه سى 1 وهى لم تكن ورقة مالية استثمارية بطبيعتها، بل كان أداة للمراهنة على سوق العقارات. وقد ارتبطت قيمة السند بسلسلة من سندات الرهون. وإذا تراجعت سندات الرهون فإن مجموعة من المستثمرين (متخذى مراكز البيع على المكشوف)، سوف تربح. وإذا ارتفعت سندات الرهون فإن مجموعة أخرى (متخذى مراكز الشراء) سوف تربح. وقد أخبر بولسون جولدمان أنه سوف يبيع على المكشوف. واقترح صندوق التحوط الذى يديره أن يحول 123 من الرهون العقارية إلى سندات دين مضمونة بالرهن العقارى. لكن من أجل زيادة جاذبية سندات الدين المضمون بالرهون فى عيون المستثمرين، أراد جولدمان تعيين طرف ثالث لاختيار سندات الرهن. واختار لهذا الغرض إيه سى إيه مانجمانت، وهى شركة متخصصة فى أسواق الرهن. واستمرت المفاوضات بين إيه سى إيه وبولسون. ورفضت إيه سى إيه 68 من سندات بولسون الأصلية وعددها 123. وفى نهاية المطاف، وافقت على 90 من أوراق الرهون. ولا توضح الشكوى ما عدد الأوراق التى اقترحها بولسون. وقالت لجنة الأوراق المالية والبورصات إن جولدمان لم يكشف لإيه سى إيه أو المستثمرين قط أن بولسون سوف يبيع على المكشوف. وادعت لجنة الأوراق المالية والبورصات أن ذلك كان الإهمال «الجسيم»، الذى نتج عنه خديعة المستثمرين. وسرعان ما فقدت سندات الرهون قيمتها. وقالت لجنة الأوراق المالية والبورصات إن بولسون كسب نحو مليار دولار، بينما خسر المستثمرون الآخرون مليارا. وكان رد فعل شركة جولدمان متحديّا. فقد كان الجميع يعلمون أن السندات المضمونة بالرهون العقارية لها جانبان، «البائع» و«الشارى». وكان المستثمرون «متخذو مراكز الشراء طويلة الأجل» يعتبرون «من بين أكثر مستثمرى الرهون تمرسا فى العالم». وكسبت جولدمان بالفعل 15 مليون دولار فى صورة رسوم من بولسون، نظير إصدارها السندات المضمونة بالرهون العقارية. لكنها احتفظت بمركز شراء «طويل الأجل» تقول إنها كبدتها خسائر تزيد على 100 مليون دولار (صافى الخسارة يبلغ نحو 85 مليون دولار) وباعتباره جولدمان وسيطا، لا يجب أن تكشف هوية البائعين والمشترين لبعضهم البعض. ومن المفترض أن تصدر المحكمة قرارها بشأن الأمور القانونية. غير أن المسألة الأخلاقية تعتبر أكثر إلحاحا. لقد تنازلت جولدمان عن جزء من دور وول ستريت كمحكم لرأس المال، يقرر ما الذى يجب تمويله وتداوله. وتبنت معايير سوقية صارمة، تتمثل فى أنه إذا كان من الممكن إيجاد بائعين ومشترين، فإننا سوف نخلق كل شىء تقريبا ونتاجر فيه، أيّا كانت الريبة التى تكتنف ذلك. وقد بررت هذه العقلية تحديدا وضع الرهون العقارية المغامرة والاحتيالية مع الأوراق المالية فى حزمة واحدة. ولم تتعرض قيمة القروض المتضمنَة للمساءلة. لقد غاب التقييم. وأدت عوامل عديدة إلى انتقال وول ستريت من النموذج القديم إلى الجديد: وقف العمل بنظام العمولات الثابتة على التعاملات عام 1975، وهو ما أدى إلى تقليص الإيرادات، وتكنولوجيا الكمبيوتر التى جعلت التعاملات السريعة والأدوات المالية المسمومة ممكنة، وإحلال الشركات المساهمة العامة محل الشراكات بين الأشخاص. وعندما كان الشركاء مسئولين بشكل فردى عن خسائر وأخطاء الشركة، أحجموا عن الإفراط فى المجازفة. ولا يمكن العودة عن هذه التغيرات. لكن إذا عجزت وول ستريت عن السيطرة على نفسها، فإن طرفا آخر سوف يتولى ذلك. Washington post writers group