أسلحة الدمار الشامل الأمريكية ليس المقصود هنا ترسانة الأسلحة الأمريكية، نووية كانت أو كيماوية أو جرثومية. ولا هو ذلك السراب الذي بررت به أمريكا غزو العراق في 20 مارس 2003- منذ سبع سنوات عجاف علي العراق الشقيق. المقصود هو المشتقات المالية. وهي نوع من المنتجات المالية شديدة الخطورة لدرجة أن وارين بافيت، أحد جهابذة المال في أمريكا، صنفها ضمن أسلحة الدمار الشامل . وكما سنري في السطور التالية، فالقول بأن المشتقات المالية هي أسلحة دمار شامل ليس مجازا بل هو تعبير دقيق عن الحقيقة الفاجعة لصناعة المال في ظل العولمة. وهذا ما يؤكده تقرير الخبير أنطون فالوكاس في قضية إفلاس بنك ليمان براذرز. فمعروف أن ذلك البنك العتيد الذي كان قطبا في عالم المال لأكثر من 160 عاما، أعلن في 14 سبتمبر 2008 أنه سيتقدم لمحكمة الإفلاس بعد أن عجز عن سداد ديونه. كان سقوط البنك هو أكبر انهيار في عالم الشركات علي امتداد التاريخ الأمريكي. وهو الشرارة التي فجرت الأزمة العالمية الطاحنة والركود العظيم الذي يعيشه العالم حتي الآن. والآن، انكشف المستور بصدور تقرير الخبير الذي عينته محكمة الإفلاس في نيويورك والذي ناهز 2200 صفحة، موضحا مدي الإنهيار الأخلاقي والمهني الذي أصاب مجتمع الأعمال الأمريكي. فقد جاء في التقرير أن إدارة بنك ليمان براذرز اعتادت علي مدي سنوات أن تكذب لتتجمل! فكيف كان ما كان؟ وماذا كانت النتيجة؟ طبقا لتقرير فالوكاس، استخدم ليمان براذرز أحدث مخترعاته في مجال المشتقات واسمه ريبو 105. فقبل أيام من موعد بيان نتائج الأعمال ربع السنوي، كان البنك يبادل ما يعادل حوالي 50 مليار دولار من أصوله المالية الرديئة بسيولة نقدية ويستخدم السيولة في سداد جزء من ديونه. ورغم أن العملية اقتراض بضمان أصول طبقا للقواعد ، فإن البنك يسجلها في دفاتره علي أنها مبيعات أصول. وبعد أيام من نشر بيان الأعمال راسما صورة وردية للمستثمرين ووكالات التقييم بالمخالفة للحقيقة، يقوم البنك بعكس العملية. واتهم تقرير فالوكاس رئيس البنك آنذاك ريتشارد فولد ب "الإهمال الجسيم" علي أقل تقدير، كما وصم شركة إرنست آند يونج مراقب حسابات البنك ب "الانحراف المهني ". وتساءل مستنكرا: من الذي كان يراقب ليمان براذرز؟ جميل، لكن ما علاقة ذلك بأسلحة الدمار الشامل؟ حسنا، تأمل معي عزيزي القارئ، ثم تدبر. إخترع ليمان براذرز الريبو 105 وهو من المشتقات المالية. وبسببها، انهار البنك في لحظة فارقة (عندما تقصم القشة ظهر البعير). ثم كان انهياره هو المفجر للأزمة المالية في منتصف سبتمبر 2008. ثم انتقلت الأزمة من وول ستريت إلي كافة أرجاء المعمورة. ثم تحورت إلي الركود العظيم، الذي نشر البطالة والفقر والجوع ثم الموت في كل مكان. مثلا: خسر حوالي 10 ملايين أمريكي وظائفهم، ومئات الآلاف فقدوا منازلهم ( نسبة المشردين في نيويورك مركز الأزمة زادت بنسبة 34% خلأل 2009)، والتحق بصفوف المتعطلين علي مستوي العالم حوالي 100 مليون. قارن ذلك بضحايا الهجوم الأمريكي بالقنابل النووية علي هيروشيما ونجازاكي في 14/8/1945 وعددهم حوالي 200 ألف. النتيجة: ضحايا المشتقات المالية حوالي 500 ضعف ضحايا القنابل النووية! فأيهما أكثر تدميرا؟