يبقى الفنان محمود ياسين أحد النجوم الذين لم يسمحوا للزمن أن يقطع همزة الوصل بينهم وبين دنيا الفن.. ففى الوقت الذى ابتعد أبناء جيله عن السينما التى فتحت ذراعيها إلى جيل الشباب، ذهب هو إليهم وشاركهم أحلامهم ليواصل مشوارا طويلا امتد نصف قرن قدم خلاله عشرات الأفلام الناجحة التى شكل بعضها علامات فى تاريخ الفن السابع فى مصر.. حاليا، يخوض محمود ياسين تجربة سينمائية جديدة بعد نجاح «الجزيرة»، حيث يشارك فى بطولة فيلم «عزبة آدم»، كما قارب على الانتهاء من مسلسل «وعد ومش مكتوب»، الذى يواصل به تألقه فى الدراما التلفزيونية. * نجاحك فى فيلم «الجزيرة».. هل فتح شهيتك على «عزبة آدم»؟ بدأنا التصوير منذ ثلاثة أشهر.. وهو فيلم إنسانى يرصد حياة البسطاء من البشر مثل الصيادين فى ظل التغيرات الكثيرة والتى تؤثر على رزقهم وعلاقتهم بمافيا هذه المهنة، والفيلم إنتاج كريم السبكى وهو شاب أتوسم فيه الكثير، ويخرجه محمود كامل وهو مخرج متميز وحقق نجاحا جيدا وكشف فى فيلم «ميكانو» عن أنه يتمتع بأسلوب مختلف فعليا، ومبدع حقيقى يمتلك رؤية للعمل وكل هذا شجعنى على الاشتراك فى الفيلم. * لكن الفيلم يواجه مشكلات رقابية؟ يتردد كلام من هذا النوع، لكن هناك من يميل إلى تضخيم الأمور قليلا، وفى رأيى، الفيلم السينمائى يختلف عن المقال الصحفى فى التأثير، فالفيلم يمتلك مساحة انتشار ضخمة فلذلك يجب أن يخضع لمعايير مختلفة رقابيا، وكون الفيلم أكثر انتشارا بين الجمهور فمن الوارد أن تطلب الداخلية رؤيته قبل عرضه، وأنا شخصيا ضد الرقابة ولكن ينبغى التحوط فى بعض الأمور، لكى نحمى صناعة وحقوق أناس، وأحيانا لابد أن نحمى الكاتب من نفسه فليس كل ما يكتب يعرض على الناس. وأضاف: أرى أن الأهم أن تراقب الداخلية أفلامنا فى أمريكا وقارات العالم التى تعرض فيها دون أن نتمكن من تحصيل حقوق استغلالها فى الوقت الذى وقع فيه العرب جميعا على قانون حماية الفيلم الأمريكى فى بلادهم وقد وقع عليه من عندنا رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقى. * ألا ترى أن رقابة الداخلية على الأفلام شىء غير مألوف فنيا؟ دائما هناك أناس تتشدق بحرية التعبير ولكنى أحيانا أسمع منهم آراء يمكن وصفها بالضحالة لأنهم يحملون الأمور أكثر مما ينبغى، وأحيانا يكون هناك مبرر لدى الأجهزة الرقابية لكى تشعر بالقلق. والقضية هى مدى منطقية ما يدعيه كاتب العمل، ولذلك لا ينبغى الدفاع عن أى شىء باسم حرية التعبير. * وهل الأزمة الرقابية التى تواجه «عزبة آدم» تصب فى مصلحته؟ فى النهاية، أنا لا أريد أن أحرم الفيلم من بعض الجماهيرية، لأن كل ذلك يدخل فى رصيد الدعاية،وأنا بحكم عملى كممثل كنت بعيدا عن هذه المشكلات لذلك لا أعرف عنها الكثير. * غيابك عن أدوار البطولة المطلقة كما اعتدت فى الماضى ألا يضايقك؟ أنا مؤمن أن السينما فن شاب فى جميع عناصره، كما أننى «عملت سينما كتير» وفى فترة كان 85% من الأفلام يعرض على واحد من ثلاثة محمود ياسين وحسين فهمى ونور الشريف، وقبل فيلم «الجزيرة» كنت قدمت 170 فيلما وأعتز بها جميعا، عدا فيلم واحد أو اثنين فقط لظروف خاصة بتمويل الفيلم نفسه، وأنا أستطيع أن ادعى بكامل الثقة أن جميع أفلامى لها ثقل ولا يستطيع أحد أن يرفضها بشكل كامل حتى لو أختلف معها وكنت أحصل على أفضل ما يوجد على الساحة وهذا استمر لمدة 15 أو 20 سنة، ولذلك أنا أقول دائما أنا أخذت الكتير وشبعت سينما. * ولكن البعض استمر بالبطولة رغم كبر سنه؟ هذه استثناءات.. والسينما فن شاب تماما، وصلاح أبوسيف وشاهين والشيخ قدما أهم أفلامهم فى سن الشباب، فالسينما نهرها نهر الشباب تبدأ من العشرينيات حتى الأربعينيات ولا تمشى إلا فى ركاب الشباب، وأنا قدمت أهم أفلامى فى هذه السن وشبعت بطولات وتطورت تطورا طبيعيا جدا، ولا أرى أحدا اشتغل مع هذا العدد من عظماء السينما سواء مخرجين أو ممثلين إلا محمود ياسين وفريد شوقى، واعترف بأننى أخذت فى السينما حظا لم يأخذ أحد مثله. * وكيف واجهت المرحلة الانتقالية بعد تجاوزك مرحلة الشباب؟ أريد أن أقول لك شيئا: السينما بعد جيلى توقفت تماما، وهذا يقوله التاريخ، ففى عام 89 بدأ الإنتاج السينمائى يقل ويخفت شيئا فشيئا حتى عام 1999، وكان إنتاجنا فيلما واحدا فقط فى العام، نتيجة لظروف عديدة مرت بها السينما سياسية واقتصادية ومالية أحيانا، منها مثلا التحول من نظام الاشتراكية إلى الانفتاح ثم الاقتصاد الحر وتحول كل شىء من يد الدولة إلى الأفراد بعد أن رفعت الدولة يدها عن السينما تماما، ولم يتبق من الأنشطة السينمائية فى يدها إلا المهرجانات ومنها مهرجان القاهرة، الذى يعد حتى الآن، واحدا من أهم عشرة مهرجانات على مستوى العالم، ولم يتبق فى يد الدولة إلا المسرح. * وهل تؤيد رفع يد الدولة عن السينما؟ لسنا هنا فى مجال تقييم تجربة تدخل الدولة فى الانتاج السينمائى ولكن قديما، مثلا عندما كان يحدث خلاف بين صناع الأفلام ودور العرض كنا نحتكم لوزير الثقافة وإداراته. وكل ما كان يحزننى فى فترة توقف السينما تلك هو أن هناك أجيالا من الشباب تعثرت ولم تستطع أن تبنى لها تاريخا مثل جيلى الذى حقق رصيدا ضخما جدا من الأفلام. * أراك فخورا للغاية بتراثنا السينمائى.. فكيف تنظر إلى بيع أغلبه إلى القنوات الخليجية؟ بالطبع هذا شىء سلبى وأنا مستاء من أسلوب التليفزيون المصرى.. فمثلا أنا أنتجت فيلما اسمه «مع تحياتى إلى أستاذى العزيز»، وبعته للتليفزيون المصرى مرتين مدة كل عقد خمس سنوات، ولم يجدد التلفزيون العقد ولكن فوجئت به يعرضه ولا أعرف حتى الآن من المسئول عن ذلك، ولا أدرى كيف تدار الأمور فى التلفزيون الآن. * أفلام العشوائيات كما يطلق عليها أخذت فى الانتشار أخيرا.. فهل تراها تعبيرا عن الواقع؟ بالفعل أصبحت كثيرة.. ولكنى أرى ذلك شيئا جيدا لأن السينما فن الالتقاط، وليس فن كتابة الروايات، وتعتمد على كيفية التقاط الموقف أو الحدث الذى يشغل الجمهور ويثير حوارا بينهم حول الفيلم لأن الفيلم ليس رواية، ولذلك قال نجيب محفوظ: أنا لست مسئولا عن السيناريو الخاص بروايتى، فمثلا وضعت أفيهات فجة فى ثلاثية نجيب محفوظ لا يسأل عنها نجيب بل يسأل عنها أصحاب العمل السينمائى. وأضاف: السينما ليست للتسلية، ولكنها تقدم قضايا عقلية مهمة وفكرية، ولا ضير أن تكون التسلية فى هذا الإطار، ولكن لابد أن يتم ذلك بعيدا عن إطار النصيحة لأن المبدع لا يقدم حلولا لقضايا وإن حدث «حيروح فى داهية» ولا ينبغى أن يتخيل أى مبدع نفسه واقفا على منبر مسجد، لأن الفن يناقش رؤى فقط، ويأتى دور العلماء والمفكرين فى حل هذه القضايا. * دائما ما تجد نفسك محاصرا بسؤال توريث الفن لعمل أولادك بالتمثيل؟ أنا مكتبى موجود داخل منزلى وممتلئ بالكتب الفنية والمتعلقة بالتمثيل كما أن زوجتى ممثلة، ومنذ أن خرج أولادى للنور لا يسمعون شيئا إلا مفردات متعلقة بالتمثيل والفن وكواليس العمل الفنى. فطبيعى جدا أن يتشربوا الفن منى ومن زوجتى، ودائما كنت أصطحبهم معى فى البروفات والتصوير، فكيف لا يصبحون فنانين، ولو كنت أنا وزوجتى موسيقيين لكان من الطبيعى أن يصبحوا موسيقيين، أولادى تربوا فى البلاتوهات معى ومن يشعر بالضيق كون أبناء الفنانين دخلوا المجال أقول لهم إنه من الطبيعى أن يمثلوا، «لأنهم ولدوا فى المكان ده وفى البيئة دى». * وهل ترى مبدأ التوريث ينطبق على رئاسة الدولة؟ هذه فطرة فطرنا الله عليها ولا ينبغى الوقوف أمامها.. وهى قاعدة عامة على الناس رغما عنهم جميعا، وهذا ما تعلمه جمال مبارك وما أكسبته إياه الحياة، وينطبق عليه ما ينطبق على أولاد الممثلين حيث تربى فى بيئة سياسية فى بيت الحكم وتعلم السياسة منذ طفولته، وأنا شخصيا أرى أننا بحاجة إلى طاقة شابة تتولى الحكم بكل هذه الذخيرة التى تسلح بها فى نشأته ببيت سياسى، شريطة أن يدخل بالشكل الديمقراطى الطبيعى للوصول لمثل هذا المنصب. * ماذا عن مسلسل «وعد ومش مكتوب»؟ أحداث المسلسل تدور حول رجل يتولى رئاسة إحدى الهيئات الحكومية وقضى فترة طويلة من حياته بها وهو يعانى من السلبية، ولكنه يتعرض لموقف يحتاج منه إلى مراجعة النفس ويحاول تصحيح تلك الحياة السلبية الطويلة، وتقريبا انتهينا من تصوير ثلث المسلسل وننتظر الانتهاء منه فى شهر يوليو المقبل. * يتردد أنك ستقدم جزءا ثانيا من مسلسل «غدا تتفتح الزهور»؟ بالفعل، كلمتنى سميرة أحمد منذ أربعة أشهر، وأبلغتنى أنها تفكر فى تقديم جزء ثانٍ من المسلسل، وهو عمل له ذكرى شديدة النقاء، والذى كتبه يوسف عوف، رحمة الله، ويعمل على كتابته الآن يوسف معاطى. * وهل من الممكن أن تقدم أغنية أخرى مثل «حلوة يا زوبة» التى قدمتها بالجزء الأول وحققت نجاحا كبيرا؟ فى الواقع أنا مكنتش عايز أغنى ولكن جاءنى «أبوالإقناع» عمار الشريعى، وقال «لى متخافش مش حتغنى إحنا حنجرب وإنت قلدنى وحنشوف»، وبالفعل ذهبنا إلى الأستوديو ووضعت الميكروفون وبدأ هو فى تكرار الكلمات مثل «حلوة يا زوبة».. وظللت أردد خلفة الجمل على أساس أننى أتدرب وفجأة وجدته يقول لى خلاص شكرا سجلنا، ووجدت نفسى قدمت أغنية دون أن أشعر والحمد لله حققت نجاحا مبهرا.