التنسيقة تؤكد أهمية تمكين مندوبي المرشحين من الحصول عل الوثائق الرسمية بحصر الأصوات    تعيين اللواء أحمد سعيد عرفة رئيسا لشركة مياه الشرب والصرف الصحي في الأقصر    وزيرة التضامن ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروع خدمة المرأة العاملة بالحادقة    نتنياهو خلال محاكمته بقضية فساد: المدعية العسكرية الإسرائيلية تلقت هدايا بعشرات آلاف الدولارات ولم تحققوا معها    جامعة المنصورة تواصل دعم المناطق الحدودية خلال فعاليات اليوم الأول لقافلة "جسور الخير 23" بشلاتين    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    حزب الأحرار يثمن توجيهات الرئيس السيسى للهيئة الوطنية بشأن الانتخابات    مبعوث واشنطن السابق لإيران: ضربات إسرائيل وأمريكا على مواقع طهران عواقبها ستطول المنطقة    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    تقرير: هاوسن سليم وجاهز لمواجهة إلتشي    كاف يعتمد استاد برج العرب رسميًا لاستضافة المباريات الأفريقية والدولية    ضبط 3 طلاب تعدوا على زميلهم بالضرب أمام المدرسة بأسيوط    القبض على المتهم بإطلاق النار على سائق لشكه بإقامة علاقة مع طليقته بالهرم    طقس الغد.. تغيرات في درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 26    انهيار وصراخ ورفض أدلة.. ماذا جرى في جلسة محاكمة سارة خليفة؟    الأطباء أوصوه بالحصول على فترة راحة.. تحسن ملحوظ في الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    متحف شرم الشيخ ينظم ورشة «حماة التراث» بمشاركة مصريين وأجانب    لا تُجيد القراءة والكتابة.. الحاجة فاطمة تحفظ القرآن كاملًا في عمر ال80 بقنا: "دخلت محو الأمية علشان أعرف أحفظه"    بعد بيان السيسي.. مرشح واقعة فتح صناديق الانتخابات قبل انتهاء التصويت: سنقدم الطعون ونسبة تفاؤلي ارتفعت من 50 ل 90%    الصحة تعلن نتائج حملة قلبك أمانة للكشف المبكر عن أمراض القلب بشراكة مع شركة باير لصحة المستهلك    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    شيخ الأزهر يستقبل وزير التعليم العالي التشادي ويناقشان تعزيز التعاون الدعوي والعلمي    تشكيل منتخب مصر المشارك في كأس العرب لودية الجزائر    تعرف على حورات أجراها وزير التعليم مع المعلمين والطلاب بمدارس كفر الشيخ    من هو إبراهيما كاظم موهبة الأهلي بعدما سجل ثنائية فى الزمالك بدوري الجمهورية ؟    أهالي قرية ببني سويف يطالبون بتعزيز من «الإسكان» قبل غرق منازلهم في الصرف الصحي    وكيل تعليم بني سويف تتابع انتظام الدراسة بمدارس المحافظة    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    القاهرة الإخبارية: اللجنة المصرية بغزة أقامت بمفردها 15 مخيما لمساعدة أهالي القطاع    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    هيئة الدواء: توفر علاج قصور عضلة القلب بكميات تكفي احتياجات المرضي    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    جولة مفاجئة لوزيرالتعليم في مدارس كفر الشيخ    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    انتخابات النواب 2025| مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة وطن» بالغربية    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    شريهان تدعم عمر خيرت بعد أزمته الصحية: «سلامتك يا مبدع يا عظيم»    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    أسعار الدواجن والبيض في مصر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 بأسواق المنيا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    هاني ميلاد: أسعار الذهب تتأثر بالبورصة العالمية.. ومُتوقع تسجيل أرقام قياسية جديدة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راشد الغنوشى يتحدث عن حلم الحرية والمرأة فى دولة الإسلام (1 – 3)
الإسلام لا يتناقض مع الديمقراطية
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 02 - 2012

الحيرة التى تنتاب الواحد أثناء الكتابة فى أمور كهذه كبيرة.

خاصة إذا كنت محسوبا على التيار الليبرالى، ثم تحاول التعرض بموضوعية إلى مفكر إسلامى. وأنت تعرف أن الموضوعية فخ، والحياد وهم. لكن المهم فى المسألة أن تكون صادقا.

هل تعرف راشد الغنوشى رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية؟

نعم.

طيب.. هل قرأت له كتابا؟ لا.

إذا، ليس بوسع أحد، ولا يليق، أن يقترح على آخر ماذا عليه أن يقرأ. ولكن هذا لا يمنع فى أحيان كثيرة، وفقا لوظيفة الصحفى، أن يكتب عن كتب، لكى يقرأها قارئ ما، وهى فرصة يجدها هذا الصحفى، مجدية لكى يخرج كل ما يفكر فيه، أو بالأحرى ما يقلقه. وأقصد مسألة «الدولة الإسلامية».


(1)

كثيرون يكتبون عن هذه الدولة، فيتسللون سرا للآخر متحدثين عن تسامح الإسلام وقيام دولته، وفى الخفاء ينقضون ذلك.

والحديث عن كتب الغنوشى مثل: «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» فى جزءين، و«المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» يجرنا نحو هذا الهاجس الذى أتى للبعض بعد سيطرة الإسلاميين على ثورات الربيع العربى، فى تونس ومصر.

فريق يقول إنه لا خوف من الدولة الإسلامية.. فهل يخاف الناس من دينهم؟ وفريق آخر يرد أن الخوف ليس من الدين نفسه، بل من الذين يفسرون الدين، ويلبسونه قميصا على ذوقهم، فينزلون الدين إلى منزلة أقل، حيث اختلاط كلام الله بكلام الناس.

وفى كتب الغنوشى، الصادرة عن الشروق، تبشير بأفكاره الإسلامية، التى رغم بعض الملاحظات التى سنتعرض لها، إلا أنه يظل أكثر تطورا بفكره الإسلامى عن نظرائه المصريين. وتجربة تونس واضحة للعيان، كيف تعامل الإسلاميون بقيادة الغنوشى مع الليببرالية، وموقفهم المتقدم من قضية المرأة. ولعل هذا يعود إلى تلقى التونسيين قسطا هائلا من التعليم، المرتبط بشكل ما بالغرب. وعلى القارئ بعض الجهد فى الرجوع إلى مقالين د.سعد الدين إبراهيم فى المصرى اليوم، ود. نيفين مسعد فى الشروق لبيان انطباعهما عن الغنوشى فى جلسة جمعتهم، حيث جلس بين النساء على مائدة واحدة.

فى كتابه «المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» كثير من الفكر المتطور، الذى يبدو بعيدا عن تجربة الإسلاميين فى مصر.

هو قال: «والنتيجة أنه ليس هناك فى الإسلام ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاء أو إمارة»، مستشهدا بآراء الشيخ المصرى الغزالى.

وهو أيضا فى هذا الكتاب يكتب، وكأنه من كبار دعاة العلمانية عن الجمود المحافظ فى مسألة المرأة فيراه لا يزال الغالب المسيطر على أمتنا، إسلاميوها وعلمانيوها، بما يمثل إعاقة كبرى لتنوير أو إصلاح.

ومن الملاحظات التى تحدثنا عنها، أنه إذا كان هذا ما يقوله صوت إسلامى محترم، فلماذا لا يُنفذ، على أرض الواقع، إضافة إلى أنه هو نفسه فى وضع المسئولية؟. هل هناك قوة كبرى أكبر من كلام العلماء تمنع تنفيذه، أم أن هذا كلام يُكتب للنخبة فى كتب لا يقرأها العامة؟.


(2)

العفيف الأخضر المفكر التونسى، الذى كان على خلاف شديد مع الغنوشى، قال: «راشد يتكلم بلطف.. والغنوشى يرفع العصا الغليظة».. هكذا يتعامل المختلفون مع الغنوشى. وللأسف كان العفيف مع الرئيس الهارب بن على؛ لأنه كان ضد الإسلاميين. لكن هذا لا يستدعى التعاطف الكامل مع الغنوشى، وهو الذى دافع عن القذافى، فكل النخب السياسية والدينية كانت مرتبكة تجاه الثورات الشعبية التى أسقطت الأنظمة العربية، فى أول الأمر.

يتعامل الغنوشى مع الديمقراطية، حسب كتبه، بشكل غريب. يعتبرها غربية، لا تصلح بالكامل فى الشرق المسلم: «لا تتجاوز كونها ممكنا من الممكنات، وإن الإسلام لا يتناقض معها ضرورة، بل إن بينهما تداخلا واشتراكا عظيمين، كما أن التباين والاستدراك عليهما واردان».

ويكمل الفكرة د.سليم العوا فى تقديمه لكتاب الغنوشى: «والتفرقة بين الوسائل والإجراءات، وبين المبادئ والقيم والأفكار، حيث يجوز دائما الإفادة من حصيلة البشر من دون النظر لعقائدهم ومللهم فى الأولى (أى فى الوسائل والإجراءات)، ويمتنع دائما التقليد المفضى إلى مخالفة أحكام الدين ومبادئه ومقاصده وقيمه، فى الثانية (أى فى المبادئ والقيم والأفكار) هذه التفرقة واضحة تمام الوضوح».

هكذا يقول الغنوشى، ويدافع عن هذا القول العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، وهو الذى له كتاب «فى النظام السياسى للدولة الإسلامية». وهكذا يبشر الغنوشى بأفكاره الإسلامية عن «الديمقراطية». هذه الكلمة التى تتكرر على مسامع الناس، حتى أصبحت مجردة عن معناها الصحيح، كما يقول بعض الفلاسفة، والذين يحصرون الديمقراطية فى مكونات أربعة، بدونها لا تقوم لها «قومة». هذه المكونات بالترتيب: العلمانية «أى التفكير النسبى»، التسامح، التنوير «أى سلطان العقل»، الليبرالية «أى الحرية». أى لا يجوز الحديث عن الديمقراطية بدون تحقيق العلمانية والتسامح والتنوير والليبرالية، وكلها مصطلحات ومفاهيم يتم تكفيرها فى البلاد العربية، رغم أنها بعيدة عن هذا التشويه المتعمد باعتبارها ضد الدين.


(3)

وفى السطور التالية، نبدأ بالكتاب الأول «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» الجزء الأول.

يشعرك الكتاب بعمق تفكير الغنوشى، أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب «الإسلام السياسى»، فلو أردت التعرف على هذا الإسلام، يحبذ أن تقرأ هذا الكتاب الذى يلخص الغنوشى رؤيته عن طبيعة الحكم الإسلامى: «يشعر المرء بنوع من القرف من استمرار هذا العفن قائما فى تراثنا الدينى وفكرنا السياسى، إذ يضع يده مباشرة على هذه الألغام التى قوضت حضارة الإسلام وأسلمتنا إلى الانحطاط. إنه من غير ثورة شاملة تطيح بهذه السموم التى لا تزال تجرى فى دماء الأمة وتشل طاقاتها عن الانطلاق، وتجهض انتفاضاتها، وتحبط أحلام نهضتها، فلا أمل فى انطلاقة متينة قوية قاصدة قمينة بإنتاج الحضارة من جديد فى أمتنا. إذ لا يزال شطر كبير من جهودنا يضيع، لا فى مقاومة الغزو الفكرى ونشر الإسلام وبناء مؤسسات النهضة، بل فى اجترار الانحطاط وإعادة إنتاجه، وفى أفضل الأحوال فى مقاومته بمنطقه نفسه. إن أقلامنا لا تزال منغمسة فى المداد المسموم، ومع ذلك نطمع فى أن نكتب بها تاريخا جديدا للإسلام، ولا يزال قسم من الأمة يتحدث عن العصمة وإجهاد نفسه فى التنظير لها، بينما شطر آخر لا يزال يجتر فى غير خجل حديثا عن قيادة لا تستشير إلا لمجرد الاستئناس، إذ الشورى بحسب فهمه السقيم معلمة، وليست ملزمة! وآخرون يرددون فى غير حياء أن رئيس الدولة هو الدولة، «كما ورد عند الشيخ النبهانى فى دستور حزب التحرير»، وكأن ما استند إليه كل ذلك شىء مذكور يستحق مجرد الالتفات إليه، فضلا على الوقوف لمناقشته وكأنه أمر جاد، ولكن ماذا نفعل وصواعق الإجماع تهبط كالمصائب على رءوسنا: إن المسلمين أجمعوا على صحة الاستخلاف أو التوريث أو الإمام الوصى أى أجمعوا على مصادرة حرياتنا وحقوقنا فى أن نختار الخادم الذى نوظفه فى خدمتنا والأجير الذى يعمل لنا تحت رقابتنا وبشروطنا ونصرفه متى شئنا؟».

هكذا يدعو الغنوشى إلى قيام دولة الإسلام، ولكن بشروط تبدو متقدمة، ومتوافقة مع أساليب العصر المتطور الذى نعيشه، انظر مثلا حديثه فى الفصل الثالث عن المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطى، وحديثه عن أهمية التقدم العلمى، والتشجيع على تذوق الأدب.

ومن المفيد قراءة كتبه كلها فى «سلة واحدة»، فلا نفصل كاتبا عن آخر، حيث يشير كثيرا الغنوشى فى كتبه إلى طبيعة الحكم الإسلامى. ففى الجزء الثانى من هذا الكتاب، الذى نقدمه للقارئ فى حلقة أخرى، يقول الغنوشى بصراحة، دون لف ودوران: «لئن كانت إقامة الحكم الإسلامى الهدف القريب أو البعيد لكل جماعة إسلامية إنفاذا لأمر الله وتحقيقا لمصالح العباد، فإن الشريعة تضع أمام المسلم، فردا وجماعات، إذا تعذر ذلك الهدف، إمكانات بديلة لمعالجة الحالات الاستثنائية، كالتحالف مع جماعات غير إسلامية من أجل إقامة حكم تعددى تكون السلطة فيه للحزب الفائز بالأغلبية، أو كالتحالف من أجل دفع عدو خارجى أو دكتاتور شرط ألا يتضمن ذلك التحالف التزاما يضر برسالة الإسلام أو يغل يد الدعاة عن الصدع بالحق والسعى إلى إقامة حكم الإسلام ولو بعد حين، وكل ذلك تأسيسا على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والنظر فى المآلات، ومبدأ الضرورة، وغيرها.

المهم أن يظل المؤمن أبدا إيجابيا عاملا على إقامة حكم الله، كليا كان أو جزئيا، حسب المستطاع.. ومن حكم الله بل جوهر حكم الله إقامة العدل، فإنما من أجل ذلك أرسل الله الرسل كلهم».


(4)

الكتاب يسأل عدة أسئلة من قبيل: هل هناك مفهوم لحقوق الإنسان فى الإسلام؟ ما سنده الفلسفى إن وجد؟ ما العلاقة بينه وبين الإعلانات الحديثة؟ هل هناك أساس مفهومى للدولة فى الإسلام، وإن وجد، فما العلاقة بينه وبين مفاهيم الدولة الغربية الحديثة؟ وما الأبعاد السياسية والاقتصادية والتربوية للشورى؟ وما ضمانات الحرية فى الدولة الإسلامية ضد الجور.

وهذه الأسئلة يجيب عنها الغنوشى إجمالا برؤية تبدو واضحة بالنسبة إليه، وإلى تجربته الإسلامية، وهى أن «الإسلام إنما جاء لمصلحة البشرية، وأنه يستوعب كل إنجازاتها الخيرة، مثل التقدم العلمى والديمقراطية وحقوق الأفراد والشعوب والأقليات والنساء، على أساس المساواة»، مستفيدا من بحوث الآخرين فى توصيل رؤيته، أمثال فهمى هويدى فى «القرآن والسلطان»، ومحمد طه بدوى فى «بحث فى النظام السياسى الإسلامى»، وصبحى عبده سعيد فى «الحكم وأصول الحكم فى النظام الإسلامى»، وسيد قطب فى «ظلال القرآن»، وعباس العقاد فى «الديمقراطية فى الإسلام»، وغيرها من الكتب الكثيرة التى سيجىء ذكرها فى حلقة أخرى من عرضنا لكتب الغنوشى.

اللافت للنظر فى كتاب الغنوشى أنه يتحدث كثيرا إلى غير المسلمين، كأنه يود جلب السلام إلى أنفسهم، وطرد الخوف لديهم من إقامة دولة إسلامية: «إقامة دولة الإسلام الشورية الديمقراطية، دولة الأمة، لا تمثل حاجة للمسلمين فحسب، وإنما هى حاجة للبشرية قاطبة».

ولعل هذه النقطة، تشغل بال كل المصريين فى هذا الوقت الحرج الذى نعيشه من سيطرة الإسلاميين على أغلبية البرلمان، والتوقعات بأن يتولوا الحكم قريبا، رغم أن الصوت الواضح فى الإعلام وبين النخبة، هو رفض الحكم الدينى، لعدة أسباب، أولها أن التجارب كارثية حين تولى الإسلاميون أى حكم، ثانيا أن الخريطة المصرية متنوعة ومتداخلة بفضل وجود الأقباط، الذين يخوفون من سيطرة الإسلاميين.

ولعله من المفيد تقديم رؤية هؤلاء الإسلاميين لطبيعة الحكم، ومنهم الغنوشى، إضافة إلى عرض بعض وجهات النظر لدى بعض المسيحيين المهتمين بالتراث المسيحى العربى، مثل الأب سمير خليل اليسوعى الذى يرى أنه بدلا من الخوف من الصعود الإسلامى، يجب على المسيحيين أن يساهموا فى بناء حضارة عربية أخرى، كالتى شارك فيها بقوة أسلافهم من المسيحيين مثل قسطا بن لوقا، وهو أول من كتب عن العناية الطبية بالحج فى «الرسالة فى تدبير الحج»، ولكن ذلك بما لا يتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، مسلمين ومسيحيين. وألا تكون كتب الغنوشى، وغيره من الإسلاميين ذوى الطابع التنويرى، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية للنخبة فقط، ولا تصل للعامة؟!

اقرأ مثلا رؤيته لرسالة الإسلام، فى فصله الرابع عن المبادئ الأساسية للحكم الإسلامى، حيث يقول عن النقطة التى يتخوف منها الناس، وهى الشريعة الإسلامية. بالطبع لا أدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر، ولكنى أود أن أكون منصفا فى نقل كلام الغنوشى المتطور فى فهمه والمتسامح مع المسلمين وغير المسلمين، حيث يقول إن الشريعة الإسلامية ظلت تمثل المشروعية العليا حتى فى حالات انحراف الحكم فى التاريخ الإسلامى، وتعتبر الدولة التى أنشأها الرسول من وجهة النظر الدستورية أقدم صورة للدولة كتنظيم للاجتماع السياسى، ذلك أنه تقرر فيها لأول مرة مبدأ الشرعية وخضوع الدولة للقانون، فالأحكام الشرعية التى جاء بها القرآن والسنة هى أحكام صادرة عن سلطة أعلى من سلطات الدولة جميعا، ولأول مرة فى التاريخ يتم الفصل بين إرادة الحاكم وبين القانون.

ويضيف أن دستور المدينة (الصحيفة) حدد فئات الدولة من مسلمين ويهود ومشركين، ونص عليهم قبيلة قبيلة، حيث يكونون جميعهم أمة من دون الناس، ونصت الصحيفة على حقوقهم وواجباتهم باعتبارهم مواطنين، وبينت حدود إقليم الدولة (يثرب). وتُعد هذه الوظيفة فى نظر فقهاء القانون الدستورى سبقا دستوريا تعرّضت لأهم قضايا الدولة كالمواطنة وشروطها، وهى مقدّمة لكل من طلبها، والتحق بإقليم الدولة مهما كان دينه، ومن يرفض ذلك ولو كان مسلما فليس له حق المواطنة.


الكتب نوعان

كتب عادية وهى الغالبة، تصدر ثم يواريها التراب على رفوف المكتبات، ثم تنسى، وأخرى استثنائية وهى قليلة، تصلح قدر المستطاع لكل زمان ومكان. وكتب الغنوشى أقرب إلى الفئة الثانية، خاصة كتابه «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية»، حيث إن الحرية مطلب ملح، لن يضع أحد تعريفا لها جامعا شاملا، وهى لن تتحقق بالكامل حتى الآن، كما أن الدولة الإسلامية دعوة يحلم بها بعض الناس، وهى أيضا مفهوما لن يضع أحد حتى الآن معاييره أو ملامحه، كما لم يجب أحد أيضا على أسئلة من قبيل مدى تعارض واتفاق هذا المفهوم مع دولة الحريات.


راشد الغنوشى

هو رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية ونائب رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. يعتبر الشيخ راشد أحد أبرز المفكرين الإسلاميين فى العصر الحديث وأحد ألمع قيادات العمل الإسلامى. وتعتبر هذه الشخصية بمثابة بوصلة الحركات الإسلامية المعاصرة فى فكرها وتوجهها وخطابها ومشروعها. درس العلوم الشرعية فى جامع الزيتونة بتونس، ثم انتقل إلى جامعة دمشق ليدرس الفلسفة، ومنها إلى باريس حيث سجل لنيل درجة الماجستير فى الفلسفة بجامعة السوربون. أسس حركة الاتجاه الإسلامى فى تونس سنة 1981 التى غيرت اسمها سنة 1988 إلى حركة النهضة. كان أبرز المعارضين لنظامى بورقيبة وبن على، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عدة مرات فى العهدين، وقضى عدة سنوات فى السجن. بعد خروجه من السجن لجأ إلى الجزائر وبقى فيها إلى أن دخلت مرحلة الاضطراب، وطلب بعد ذلك اللجوء السياسى فى بريطانيا. بعد ثورة 14 يناير 2011 عاد راشد الغنوشى إلى تونس بعد أكثر من 22 عاما فى المنفى، واستقبله بمطار تونس قرطاج عشرات الآلاف. قاد حزب حركة النهضة إلى الفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية والتحالف مع أحزاب علمانية لتكوين أول حكومة منتخبة فى تاريخ تونس.

يعتبر الشيخ راشد الغنوشى أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب«الإسلام السياسى» و«الفكر الإسلامى المعتدل». وقد أسهمت كتاباته فى إحداث تطور فى فكر وخطاب التيار الإسلامى وفى مراجعة وتغيير مفهوم حركات الإسلام السياسى بشأن عدد من القضايا المهمة ومنها: الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية ودخول العملية السياسية والمشاركة فى الانتخابات والبرلمانات والحكومات ونبذ العنف، والحريات الخاصة والعامة. ومن الأحزاب التى تأثرت بفكرة حزب العدالة والتنمية بقيادة طيب أردوغان فى تركيا.

له كثر من المؤلفات من أهمها: الحريات العامة فى الدولة الإسلامية،المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، حقوق المواطنة فى الدولة الإسلامية، مقاربات فى العلمانية والمجتمع المدنى، الحركة الإسلامية ومسألة التغيير، نحن والغرب.. إلخ. وقد ترجمت مؤلفاته إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والتركية والفارسية والأردية، إلا أنها كانت ممنوعة فى معظم البلدان العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.