جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    البنك الزراعي يدعم جهود التنمية الزراعية وتحفيز الاستثمار بالقطاعات الإنتاجية في الغربية    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    الاحتلال ينسف مباني في حي الشجاعية شرق غزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي الأوضاع في غزة والسودان    بيراميدز يعلن موعد المؤتمر الصحفي لفريق ريفرز يونايتد النيجيري    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    أولوية المرور تشعل مشاجرة بين قائدي سيارتين في أكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين قائدى سيارتين ملاكى بالجيزة    محمد حفظي: الفيلم الذي لا يعكس الواقع لن يصل للعالمية (صور)    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    محافظ المنوفية يشهد فعاليات افتتاح المعمل الرقمي «سطر برايل الالكتروني» بمدرسة النور للمكفوفين    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    البيئة تنظم مؤتمر الصناعة الخضراء الأحد المقبل بالعاصمة الإدارية الجديدة    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    موعد مباراة بيراميدز القادمة.. والقنوات الناقلة    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة طابا ظهرت قبيل 25 أبريل 1982 وهو الموعد الذى تقرر لانسحاب إسرائيل من سيناء بالكامل
قراءات فى مذكرات نبيل العربى «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل»
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 01 - 2012

«أوراق طابا.. النزاع فالتفاوض فالتحكيم» هو الخط العريض للفصل السابع والثامن من كتاب نبيل العربى «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» الصادر عن دار الشروق الواقع فى عشرة فصول تتصدرها مقدمة ثم خاتمة فى صياغة محكمة لعمل دبلوماسى

هو فى كثير منه سياسى وقانونى.

العربى عنون الفصل الثامن بكل بساطة ومباشرة «طابا (1983 1989)، وصدر هذا الفصل بالقول القاطع «لا شك أن النجاح فى مسئولية ملف استعادة طابا (من الاحتلال الإسرائيلى إلى السيادة المصرية) يمثل اهم إنجاز فى حياتى المهنية».

العربى أمضى خمس سنوات كاملة مسئولا عن هذا الملف، وفى تلك السنوات الخمسة التى بدأها فى 1983 وصولا إلى 1988، وبالتحديد يوم صدور الحكم لصالح الجانب المصرى فى 29 سبتمبر كان العربى يسخر القانون والدبلوماسية والسياسة وفى احيانا كثيرة الصبر وضبط النفس لضمان استعادة مصر لطابا.

«أزمة طابا إن صح هذا التعبير ظهرت قبيل 25 أبريل 1982 وهو الموعد الذى كان قد تقرر لانسحاب إسرائيل من سنياء بالكامل»، حسبما يقول العربى.

أما تدخله فى التعامل المباشر وصولا للإشراف على إدارة مصر لهذه الازمة فقد جاء مع نهاية عام 1984 عندما طلب إليه وزير الخارجية المصرى فى حينه عصمت عبدالمجيد الانضمام لمجموعة عمل رفيعة ضمن من كان فيها عبدالعزيز حجازى رئيس وزراء مصر الأسبق.

وبدأت الاجتماعات فى فندق سونستا، شرق القاهرة، وبعد يومين لم تفض إلى شىء لأن إسرائيل لم تكن تتحرك فى الاتجاه السليم ولأن حجازى، الذى يصفه العربى بالامانة والوطنية، لم يكن ليقبل بما تريده إسرائيل.

ويوضح العربى «لم يعرف طبيعة الخلاف حول طابا أنه مرتبط بنقاط ترسيم الحدود بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وهى النقاط التى تلاعبت فيها إسرائيل بعد احتلالها للاراضى الفلسطينية شرق مصر ولسيناء فى هزيمة 1967 التى كان العربى قد وصفها فى مطلع كتابه «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» بأنها غيرت طبيعة الصراع العربى الإسرائيلى من نزاع على وجود إلى نزاع على حدود.

ويصر العربى بكلمات تعبر عن جدية طبعه ودقة مقاصده التى يعرفها من التقاه ولو لمرات قليلة أن استعادة طابا لم تكن مرتبطة فقط فى الذهنية الدبلوماسية والسياسية القانونية المصرية برفض التفريط فى تراب الوطن ولكن بتأكيد ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى المحتلة كافة حسب قرار 242 الذى دار خلاف حول تفسيره بين من يرى أن الانسحاب يجب أن يتم من كافة الاراضى التى احتلتها إسرائيل فى 1967 أو من أراضى ليست بالضرورة كاملة حسب النص الإنجليزى المراوغ للقرار ذاته.

وفى سعيه الدائم نحو الإنصاف يذكر العربى أن وثيقة كامب ديفيد التى كان قد أسهب فى توضيح تحفظاته عليها كانت قد أقرت هذا المبدأ وانسحابه على الأراضى المصرية المحتلة فى 1967 وغيرها من الأراضى العربية المحتلة «فى الجزء 2 من الإطار (الخاص بالاتفاقية) والذى كان عنوانه المبادئ المشتركة».

قصة العلامة 91

العلامة 91، كيفما يوضح العربى فى الصفحة 150 من كتابه، «هى آخر علامة لخط الحدود بين مصر وفلسطين تحت الانتداب طبقا لاتفاقية 1906، وهذه العلامة تقع فوق هضبة شرق وادى طابا وتطل على خليج العقبة، وبدأ ترقيم علامات الحدود عام 1906 من رفح فى الشمال انتهاء برأس طابا فى الجنوب على خليج العقبة».

ويشير العربى إلى محاولات إسرائيل تضليل الرأى العام العالمى بل وربما المصرى بالقول إن العلامات التى تم الاتفاق عليها فى 1906 تم تعديلها فى 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطانى الذى كان له دور فى الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما يشير كذلك إلى ما قامت به إسرائيل من إزالة لمعالم العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها لايهام مصر بإنها العلامة 91.

ويقول العربى إن إسرائيل اخفت عن عمد ما قامت به من إزالة جزء من هضبة شرق وادى طابا سرا لتشق طريقا يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلى من الحدود مع مصر، رغم علم مصر بقيام إسرائيل بشق هذا الطريق وببناء فندق هناك فهى لم تكن تعلم بمسألة إزالة العلامة.

غير أن التحكيم فى النهاية، حسب الرواية المفصلة للعربى، شمل إلى جانب العلامة 91 إثنى عشر علامة أخرى.

رحلة التحكيم

ويقول العربى إن إسرائيل لم تكن فقط ترفض الانسحاب من طابا بل كانت أيضا ترفض اللجوء للتحكيم الدولى وأنها سعت لأن يكون حسم مصير الخلاف حول طابا من خلال التفاوض الهادف للتوفيق، مشيرا إلى أن أحد المقترحات التى طرحت فى هذا الشأن فى إطار البحث عن التوفيق كان قبول إسرائيل الموقف المصرى كاملا حول طابا على أن تقوم مصر بالموافقة على تأجير طابا والفندق الذى كانت إسرائيل قد بنته عليها للحكومة الإسرائيلية لمدة 99 عاما «وهو الاقتراح الذى رفضته فورا ودون الرجوع إلى القاهرة لأن مبدأ التأجير يتعارض مع سيادة مصر من جهة وتخوفا من الانزلاق إلى هاوية المساومة حول مدة التأجير بالرغم من الإغراء الظاهرى بأن العرض ينطوى عى الاعتراف بموقع العلامة المصرية».

ويقول العربى إن من ضمن أسباب الصعوبات التى واجهت الفريق المصرى والذى كان يضم إلى جانب الساسة والقانونيين، الذى لا يتردد العربى فى ذكر اسم كل واحد منهم مع الكثير من التقدير، خبراء فى المساحة والخرائط يرجع إلى أن هذا الجزء من الأراضى المصرية كان موقعا للقوات الدولية فى مرحلة ما بعد العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 «فالقوات المسلحة المصرية لم تطأ أقدامها الشريط الحدودى على الجانب المصرى منذ عام 1956 وكانت المعلومات المتوفرة لديها ضئيلة ولم يتم تحديثها» وهو ما تطلب البحث عن الضباط الذين عملوا فى ذلك الوقت فى إطار القوات الدولية وكان من بينهم ضباط من الدانمارك التى لم تتعاون مع مصر كثيرا فى سعيها لاثبات حقها ومن يوغسلافيا التى أبدت التعاون مع مصر من خلال شهادة ثلاثة أكدوا موقع العلامات المرسمة للحدود الدولية بين مصر فلسطين تحت الانتداب «وكان لشهادتهم تأثير واضح على هيئة التحكيم التى أكدوا أمامها فى شهادة مشتركة أن مهمة الكتيبة اليوغسلافية لمدة عشر سنوات كانت القيام بدوريات غرب الهضبة وأن خرائطهم الرسمية تؤكد أن خط الحدود يمر على (هضبة طابا) وليس فى وادى طابا كما تدعى إسرائيل».

وفى معرض سرده للعمل القانونى والسياسى والدبلوماسى المكثف والشاق لاستعادة طابا من خلال التحكيم الدولى يشير العربى إلى الاهتمام المباشر للرئيس حسنى مبارك بذلك الملف وحرصه على متابعة تفاصيله بكل دقة، ويقول إن هذه المتابعة كانت لها «آثار حميدة طوال مراحل النزاع مع إسرائيل حول طابا»، سواء المفاوضات التى جرت قبل قبول إسرائيل اللجوء للتحكيم أو خلال مرحلة التحكيم، بما فى ذلك لقاءاته المباشرة مع المسئولين الإسرائيليين المعنيين بالملف واللغة الحاسمة التى تحدث بها معهم حول إصرار مصر استعادة طابا وكذلك ما يتعلق بالتصريحات والمواقف السياسية الحاسمة التى اتخذها مبارك فى العلن ووراء الأبواب المغلقة فى هذا الشأن ومن ذلك رفضه إعادة السفير المصرى إلى إسرائيل بعد سحبه جراء العدوان الإسرائيلى على لبنان فى عام 1982 قبل الانتهاء من أزمة طابا وهو ما دفع إسرائيل للتحرك نحو انهاء المماطلة التى شملت حججا من نوع أن «هناك أفرادا بينهم أطفال صغار قد اعتادوا الذهاب إلى منطقة طابا للاستجمام والاستحمام ولا يجوز التفكير فى حرمانهم من هذه الحقوق المكتسبة»، خاصة أن مصر حسبما قال أعضاء الوفد الإسرائيلى المكلف ملف طابا «لها سواحل ممتدة على شاطئ البحر الابيض وشاطئ البحر الأحمر».

فى الوقت نفسه فإن العربى الذى كثيرا ما يشير فى كتابه إلى أهمية العمل الجماعى وضرورة الاستفادة من خبرات المتخصصين وبناء القرارات على أساس من المعلومات والتحليل يشيد أيضا بالتنسيق الواضح والجيد رغم بعض الحساسيات والصعوبات التى يعطف عليها أحيانا بعبارات مقتضبة.

ويبدو العربى فى سرده لتفاصيل التنسيق بين الجهات الرسمية المصرية فى التعامل مع أزمة طابا واضعا، عن غير قصد ربما، صورة معكوسة لما كان الحال عليه فى أروقة الحكم المصرى إبان وبعد هزيمة 1967 والتى تحدث فى الفصل الأول من «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» عن تفاصيل التخبط والتردد التى أحاطت بها أو فى سرده لكيفية التفاوض من أجل السلام بدءا من مبادرة السادات وصولا إلى كامب ديفيد وهى المرحلة التى لم يكن فيها لقول الفنيين والمتخصصين قولا يسمع بالضرورة لدى القيادة السياسية التى انفردت تقريبا بالقرار.

الوصول إلى الحق المصرى من خلال التحكيم الدولى، حسب رواية العربى، لم يكن قاصرا على تجميع الخرائط والمستندات السليمة وهو الأمر الذى يضطر معه العربى للإشارة إلى أن مستوى حفظ المستندات والوثائق فى مصر يحتاج لكثير من المراجعة والتشاور حول الحجج القانونية وحسب ولكنه ارتبط كذلك باستغلال جميع الموارد البشرية المتاحة، سواء المصرى منها أو الاجنبى، لتقديم ملف مصرى محكم الصياغة وقوى الحج ومدعم بالأدلة الكاملة التى تمكنت من ضحد الأحاجى الإسرائيلية والمحاولات الأمريكية لاختراق عمل المحكمة الدولية من خلال تقديم عروض سياسية توفيقية بين الموقفين المصرى والاسرائيلى رفضتها مصر على الفور، كما رفضت عروضا إسرائيلية طرحت فى مراحل مختلفة أن تشترك إسرائيل مع مصر فى إقامة مشروعات مشتركة فى المنطقة من بينها بناء مستشفيات متخصصة ومنشآت سياحية تدر دخلا كبيرا للدولتين.

إسرائيل تناور ثم تعود لتناور

وبعد أن رضخت إسرائيل للقبول بالتحكيم حاولت التلاعب فى مشاطرة التحكيم لاستدراج المحكمة لابداء رأى فى العلامات المحددة للحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب بدلا من تقرير مكان هذه العلامات بما لا يجعلها ملزمة بالمكان السابق للعلامات التى كانت قائمة بمعنى أن تأخذ به أو لا تأخذ.

لكن الجهد المصرى نجح فى ان يقتصر السؤال فى مشارطة التحكيم على أن «تقرر المحكمة مكان علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب»، بدلا مما كانت تسعى إليه إسرائيل من «أين المكان الصحيح لعلامات الحدود» وهو ما تم بعد تسعة أشهر سعت خلالها إسرائيل عبر الولايات المتحدة الامريكية لتغيير دفة الأمور كما سعت من خلال القيادة السياسية المصرية لنفس الأمر ثم حاولت استخدام علاقات لها فى مصر، كتلك التى تربطها بمصطفى خليل، للتأثير على فريق العمل الذى رأسه العربى.

«فى أحد الأيام اتصل بى الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق وطلب أن أحضر إلى مكتبه فى المصرف العربى الدولى وأثناء المقابلة تحدث معى عن أهمية المرونة فى التفاوض وإن مصر لها مصلحة حقيقية فى أن يستقر ويزدهر السلام»، يروى العربى قبل أن يضيف أن الشرح الذى قدمه لخليل وللصفات الوطنية التى أصبغها عليه حالت دون عودته لمفاتحته فى الأمر.

ويتذكر العربى أن تشكيل هيئة التحكيم كان مثار مناقشات طويلة وخلافات عميقة بين مصر وإسرائيل استغرقت عدة شهور، فالقواعد المتعارف عليها لتشكيل هيئات التحكيم هى أن يختار كل طرف محكما عنه ثم يتفق الطرفان على أسماء المحكمين المحايدين الثلاثة وهو الأمر الذى كان مثار خلاف كبير «حيث دأبت إسرائيل على رفض كل الأسماء التى (كان الوفد المصرى) يتقدم بها وبالمثل استمرت مصر فى رفض قبول الأسماء التى اقترحتها إسرائيل» حتى وصل أعداد الاسماء المروفوضة من الطرفين إلى 44 اسما على مدى ستة أشهر، إلى أن قام المحكمان المتفق عليهما بتسليم الجانبين ورقة عليها أسماء سبعة محكمين ليقرر كل طرف على حدة الأسماء التى يقبلها، ليتم الاتفاق على هيئة التحكيم.

عقب ذلك يروى العربى تفاصيل بدء مرحلة أعداد المذكرات التى يتم عرضها من قبل الجانبين المصرى والاسرائيلى على المحكمة التى اطلعت على المذكرات واستمتع إلى المرافعات الشفوية وقامت باستجواب الشهود الذين كان من بينهم كمال حسن على الذى أدلى بشهادته حول زيارته مع آرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق للهضبة الشرقية، وإسماعيل شيرين وزير الحربية فى عهد ملك فاروق الذى كان قد بادر للاتصال بالعربى وأصر على تقديم شهادته من المستشفى بعد أن أصابته أزمة قلبية قبيل ذهابه للمحكمة واللواء عبدالحميد حمدى مساعد سابق لوزير الدفاع والذى كان ملازما فى الجيش المصرى عام 1950 وقضى ثلاثة أشهر مع وحدته التى كانت تعسكر فى وادى طابا لحماية الحدود المصرية واللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية السابق والدكتور يوسف أبوحجاج المسؤل عن الجوانب الجغرافية.

واستمرت أعمال التحكيم بما أتت به من خلافات مستمرة بين الجانبين المصرى والإسرائيلى حول جميع التفاصيل بما فى ذلك الخرائط المعتمدة للحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.

تنفيذ الحكم

بدأت الصعوبات فور النطق بالحكم، الذى جاء إجمالا لصالح مصر بعد أن خسرت مصر بضعة مواقع علامات شمالية فى مواقع رملية لا تعد أن تكون أمتارا معدودة، أما إسرائيل فقد خسرت موقع العلامة الخاصة برأس النقب وباقى المواقع المهمة. ومع هذه الخسارة، يروى العربى، بدأت إسرائيل فى رفض تنفيذ الحكم.

ويتذكر العربى الغضب الذى أصابه عندما سأله أحد الصحفيين «وماذا الآن؟ لقد حكمت المحكمة لصالح مصر ولكن تنفيذ الحكم يقتضى موافقة إسرائيل، فماذا سوف تفعل مصر؟» ليأتى رد العربى واضحا إن إسرائيل إذا ما حاولت عدم تنفيذ الحكم ستكون دولة خارجة عن الشرعية ومنبوذة.

ويقر العربى إن «النظام القضائى الدولى ملىء بثغرات واسعة، وإجبار دولة على احترام حكم قضائى سواء صدر عن محكمة العدل الدولية أو من هيئة تحكيمية يقتضى الالتجاء إلى مجلس الأمن واستصدار قرار ملزم، طبقا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بالنسبة لاحكام محكمة العدل الدولية» وهو الأمر الذى تبقى إسرائيل حصينة فى وجهه. ويضيف «لذلك لم يكن أمام مصر سوى الاستمرار فى ممارسة الضغط على إسرائيل لتنفيذ الحكم واستمرت إسرائيل فى التهرب من تحديد موعد للتنفيذ».

وبعد مفاوضات ومحاولات مصرية قابلتها إسرائيل بالتعنت الشديد قرر رئيس الجمهورية، حسبما يروى العربى، الادلاء بتصريح شدد اللهجة يطالب إسرائيل بالانسحاب الفورى ويعلن فيه فيه أن مصر لن تقبل استمرار المماطلات والمناورات الاسرائيلية وانها قد تلجأ إلى التخلص من جميع المنشآت فى طابا.

الفصل الأخير

فى الفصل الأخير من قصته الطويلة مع طابا يتذكر العربى دعوة من رئاسة الجمهورية للمشاركة مع باقى أعضاء وفد الدفاع الذى شارك فى جلسات هيئة التحكيم للتوجه إلى طابا للمشاركة فى الاحتفال برفع رئيس الجمهورية لعلم مصر فى أرض طابا يوم 19 مارس 1989 بعد أربعة أيام من الانسحاب الإسرائيلى.

ذهب الجميع بالطائرة الرئاسية، يتذكر العربى ويضيف «وبعد أن رفع رئيس الجمهورية العلم إعلانا باستعادة طابا اغرورقت عيناى بالدموع وأنا أنظر إلى الوراء وأتذكر المشاكل والمتاعب التى مررت بها خلال السنوات السابقة. وقفنا جميعا بانتظار أن يتكرم رئيس الجمهورية بتحيتنا وشكرنا ولكن بعد أن حيا سيادته بعض الشخصيات غادر الاحتفال، وعدنا بعد ذلك إلى القاهرة» بعد إسدال الستارة على قضية طابا.



تذكير

* نشرنا فى أعداد سابقة، جزءين من عرض هذا الكتاب المهم «طابا كامب ديفيد الجدار العازل» للدكتور نبيل العربى الصادر عن دار الشروق وكانت أبرز ما جاء بهما:

وصف كامب ديفيد بأنه بدء مسلسل تنازلات عن ثوابت القضية الفلسطينية، غير دقيق.

السادات لم يدرس بعناية توجههه إلى الكامب رغم عدم وجود ضمانات أمريكية.

يجب التفرقة بين وثيقة كامب ديفيد ومعاهدة السلام.

شرخ فى العالم العربى وعزل مصر وافتراض حسن النية لإسرائيل.. سلبيات الاتفاقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.