مثلما عاش إبراهيم أصلان ملهما لقرائه ومريديه، كان أدبه ملهما لصناع السينما، فمن «مالك الحزين» إلى «عصافير النيل» إلى «حجرتان وصالة» خرجت أعمال سينمائية خاصة ومتفردة كأعمال الراحل العظيم، يحدثنا داوود عبدالسيد عن رحلته مع أدب أصلان عامة وعن كيفيه اختياره لمالك الحزين لتكون احد أهم محطاته السينمائية فيقول: بدأت علاقتى بإبراهيم أصلان كقارئ قبل أن تبدأ على المستوى الشخصى، وبدأت أقرأ له بعض الكتابات فى مشروع مجلة صدرت عام 1968 باسم «جاليرى 68» وظللت أقرأ له ما يكتبه حتى قرأت ذات يوم «مالك الحزين» واتخذت قرارا بتحويلها إلى نص سينمائى فور انتهائى منها، واذكر أنى بعد انتهائى من آخر صفحة فى العمل عدت فورا إلى الصفحة الأولى واعدت قراءتها من جديد وصفحة بعد صفحة بدا التصور السينمائى يتشكل وينمو فى مخيلتى، إلى أن انتهيت وبدأت فى كتابة السيناريو فورا قبل حتى استئذانه، وهو ما تم فيما بعد بالطبع، ولم يبد أصلان أى اعتراض وحتى عندما أرسلت له السيناريو فيما بعد ليقرأه لم يبد أى اعتراض عليه. وعن تعامله مع «مالك الحزين» عند تحويلها إلى نص سينمائى يتذكر عبدالسيد: أبدع ما فى كتابة أصلان انه يكتب فوتوغرافيا وكأنما يحمل كاميرته الخاصة ويسجل بها الأشخاص وحياتهم، وخلف تلك الكاميرا يقف أصلان «بصنعة» نادرة، وكان صاحب أسلوب دقيق فى الوصف والتسجيل وهذا فى اعتبارى الفن الحقيقى صاحب التأثير الطاغى وهو ما سنفتقده الآن بعد رحيله، وأتذكر جملة كتبها الراحل فى روايته مالك الحزين: «أوصيك بالدقة وليس بالوضوح» وهذا يحلل كثيرا من شخصية وكتابة أصلان..
ويضيف داوود: تعاملت فى تحويل نص مالك الحزين بطريقة «الافتراس»، فأنا دائما أرى أنه عند تحويل أية رواية إلى نص سينمائى لابد أن يفترسها كاتب العمل ويهضمها ليخرج بالرواية فى القالب الجديد وهو الفيلم، وكل ما فى الفيلم من الرواية وليس العكس.. فمالك الحزين كانت بانوراما كبيرة لمصر وبمثابة لوحة موزاييك مكونة من عشرات القطع الصغيرة، لذا يكون تحويلها كاملة أمرا صعبا، ولكنها كانت بمثابة منبع ويمكن لمن يريد ان يغترف منها وأعتقد انها ما زالت تحتمل العديد والعديد من الأفلام غير الكيت كات.. وهو ما يؤكد عليه الروائى والسيناريست الموهوب محمد صلاح العزب والذى فاز منذ ايام بجائزة ساويرس عن سيناريو «اوضتين وصالة» والمأخوذ من رواية «حجرتان وصالة» لإبراهيم أصلان، حيث يرى الكاتب الشاب أن كتابات أصلان نهر جار، وأن القصة الواحدة بإمكانها أن تلهم العديد من صناع السينما، وكانت مفارقة موجعة له أن ينال الجائزة عن السيناريو يوم عشية تلقيه خبر رحيل أصلان والذى كتب على صفحته على الفيس بوك وقتها «مات أبويا إبراهيم أصلان». يقول العزب عن هذا اليوم وعن قصة تحويله الرواية لاوضتين وصالة: كانت لحظة صعبة جدا على تلقى خبر رحيل عم إبراهيم، ثم بعدها بساعات اعلم بفوزى بالجائزة وكنت وقتها أتمنى الاتصال به وأن أخبره بفوزى ولكن للأسف سبقنى القدر إليه وكانت لحظة مريرة لن أنساها..
أما عن العمل نفسه فيتكرر ما حدث لعبدالسيد مع مالك الحزين فيقول العزب: فور انتهائى من قراءة الرواية كنت أراها امامى تدور كسينما وليس كأى شكل فنى آخر، لذا قررت تحويلها على الفور وكتبت معظم السيناريو قبل إخباره أو استئذانه، واذكر أنى قبل انتهائى من الكتابة أخبرته بما أفعل وهو يعلم أنى كاتب روائى ولا علاقة لى بالسيناريو وقال لى وقتها فلتنته منه ونقراه، وبالفعل أرسلته له وقرأه بعد إتمامه، وكان رد فعله ايجابيا جدا وكتب لى موافقة على تقديم العمل لجائزة ساويرس ولكن للأسف لم يبقِ لأحتفل معه.