لم يكد العام الجديد يسقط أوراقه الأولى حتى انفجرت فضيحة أدبية وفنية خطيرة فى النرويج وتطايرت شظاياها عبر الدول الاسكندنافية المجاورة فى شمال أوروبا لتشكل قضية يتابعها الرأى العام فى هذه الدول. فقد قام كاتب وممثل نرويجى بتزوير واختلاق أعمال أدبية نسبها لأهم كاتبين فى تاريخ النرويج وهما هنريك أبسن وكنوت هامسون، وباع هذه الأعمال المختلقة بمبالغ كبيرة لأشخاص، بل وجهات عامة فى مقددمتها دار الكتب النرويجية .
وتقول صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية إن قضية الانتحال الغريبة أمسكت بخناق الدول الاسكندتافية كلها التى تعتز بابسن على وجه الخصوص ولم تكن قاصرة فى شمال أوروبا على النرويج .أما خبراء الأدب فى النرويج فيشعرون بالحيرة والحرج بعد أن تبين أنهم ابتلعوا الطعم واعتقدوا أن هذه الأعمال المنتحلة والمزورة هى أعمال حقيقية، لكنها مجهولة لأهم أديبين فى تاريخ بلادهم .
وتكتسب الفضيحة المزيد من الخطورة والإثارة لأن بطلها جيير أوف كفالهايم هو كاتب وممثل نرويجى، فيما يجرى حاليا تكييف الاتهامات التى ستوجه له رسميا لمحاكمته فى شهر ابريل القادم .
وبدأت القضية الخطيرة عندما زعم جيير كفالهايم أنه عثر على أوراق لمسرحية مجهولة كتبها أبسن وعنوانها "إله الشمس" وذهب إلى أن هذه "الخبيئة الأدبية" التى اكتشفها ستغير وجه الأدب النرويجى وتاريخه .
وتشعر النخب الثقافية والفنية الاسكندنافية على وجه الخصوص بحالة من الارتباك بقدر ما تشكل القضية اختبارا لأبرز خبراء الأدب فى النرويج، فيما سيكون على محققين فى فرع مكافحة الجرائم الاقتصادية بالشرطة النرويجية أن يواصلوا خلال الأشهر القليلة القادمة حملة تمشيط وبحث عن المقتنيات والرسائل التى زعم أنها تخص الكاتب المسرحى هنريك أبسن، فضلا عن الأديب النرويجى كنوت هامسون الحاصل على جائزة نوبل وصاحب رائعة "وأخضرت الأرض" وهو الأديب الذى عرف بتعاطفه مع الأفكار النازية .
ويقول لارس فرود لارسن الخبير فى أدب كنوت هامسون، والذى كان فى طليعة الخبراء الذين استشعروا وجود محاولات للتزوير والتزييف والاختلاق: "إن هذه القضية هى الأخطر والأشنع فى تاريخ تزوير الكتابات منذ ظهور مذكرات هتلر المزورة ويومياته المختلقة عام 1983".
ويتفق مع هذا الرأى رولف فاريندورف المتخصص فى الوثائق التاريخية والذى يمتلك مكتبة فى أوسلو لبيع الكتب القديمة، فيما يستمطر اللعنات على جيير كفالهايم الذى بلغ من اتقانه للعبة التزوير أنه خدع فاريندوف ذاته واستغل مكتبته لبيع بعض الأعمال المختلقة والمنسوبة زورا وبهتانا لأبسن وهامسون وترويجها فى السوق .
والطريف أن دار الكتب النرويجية ذاتها ابتلعت الطعم ودفعت مايعادل 75 ألف جنيه استرلينى لشراء أعمال لابسن وهامسون على أنها أعمال أصيلة لهما ثم تبين أنها مختلقة ومزورة . غير أن يورجين كابلين وهو بدوره خبير فى الوثائق والكتب القديمة ويمتلك متجرا لبيعها يؤكد أنه استشعر منذ عام 2006 وجود خدعة فى الأمر ورائحة غير مريحة حتى أنه رفض حينئذ عرض جيير كفالهايم لشراء مسرحية "إله الشمس" التى زعم أن أبسن هو كاتبها .
لكن كفالهايم نجح فى بيع ما لا يقل عن 13 عملا مزورا ومختلقا بمبالغ كبيرة لأشخاص اقتنعوا بأنها أعمال تخص أهم كاتبين فى تاريخ النرويج، وهما هنريك أبسن وكنوت هامسون، فيما يعتقد أن عدد الأعمال المزورة أكبر بكثير من تلك التى اعترف هذا النصاب ببيعها بالفعل .
ومن هنا يقول رولف فاريندورف صاحب مكتبة الكتب القديمة فى اوسلو :"لقد كان كفالهايم نشطا للغاية فى السوق الخاصة وأظن أن ما تكشف من أعمال مزورة باعها لايمثل إلا جزءا بسيطا مما باعه بالفعل".
وحسب القانون النرويجى فإنه فى حالة إدانة جيير كفالهايم فى الاتهامات المنسوبة له باختلاق أعمال منسوبة لأبسن وهامسون وبيعها على أنها أعمال حقيقية لهذين الأديبين الكبيرين، فإن العقوبة لن تزيد عن السجن لمدة ستة أعوام . والحقيقة أن القضية فى أحد أبعادها تتمثل فى محاولة البعض استغلال الهوس الدائم لدى كثير من الناس بكل مايمت بصلة للمشاهير والنجوم اللامعة فى مجالات متعددة من بينها الأدب والفن .