"هنريك إبسن" ليس مجرد كاتب مسرحي "نرويجي" مهم .فقد أصبحت أعماله الأدبية إرثاً مشتركاً للبشرية بأسرها، ولذلك ليس غريبا أن تشارك مصر في الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام علي رحيل هذا الكاتب العبقري. وقد جاءت هذه المشاركة المصرية رصينة، أمتزج فيها إعادة عرض بعض مسرحياته بالندوات وحلقات النقاش التي حاولت إلقاء أضواء مجددة علي القضايا الجوهرية التي عبر عنها مسرح إبسن، فضلاً عن إعادة "أكتشاف" شخصية "إبسن" ومراحل حياته وعلاقته بمصر. وكان من أبرز هذه الندوات تلك الندوة التي نظمها المجلس الأعلي للثقافة، والاحتفالية التي احتضنتها مكتبة الاسكندرية. وقد أعجبني في تلك الاحتفالية الأخيرة عدة أمور، من بينها استغلال مئوية إبسن لمناقشة مفهوم الإبداع عموماً، مع نماذج تطبيقية لعدد من الفتيان والفتيات الموهوبين والموهوبات. وفي الحفل الموسيقي الذي نظمته مكتبة الاسكندرية - بمناسبة مئوية إبسن - فاجأنا المايسترو المتألق شريف محيي الدين بتقديم ثلاث قصائد للشاعر المصري الكبير أمل دنقل ، أختارها بعناية من مراحل مختلفة من حياة أمل دنقل، وقام بتلحينها، وقامت ثلاث زهرات من المواهب التي ترعاها مكتبة الاسكندرية بغنائها باللغة العربية، بينما تمت ترجمة كلمات القصائد الثلاث إلي اللغة الانجليزية، ترجمة جميلة أعتقد أنها وصلت إلي الضيوف النرويجيين ومست شفاف قلوبهم، مثلما أثرت فينا أعمال هنريك إبسن. هذا التزاوج بين "إبسن" و"دنقل" .. كان لفتة ذكية يستحق الشكر عليها الدكتور إسماعيل سراج الدين والدكتور محسن يوسف والمايسترو يوسف محيي الدين. وقد أعجبني كذلك أن النرويجيين يبدون اهتماماً حميماً بأديبهم الكبير، ولا يكتفون بكلمات التمجيد لهنريك إبسن، بل يترجمون ذلك إلي أنشطة إبداعية، منها علي سبيل المثال فكرة جميلة حيث قام أحد كبار النحاتين النرويجيين بتجسيد شخصيات مسرحيات إبسن إلي أعمال نحتية وتماثيل برونزية. وهي فكرة جديرة بأن نستلهمها، فلماذا لا تقوم وزارة الثقافة - مثلاً - بتخصيص نسبة معتبرة من منح التفرغ للنحاتين والرسامين المصريين لتجسيد شخصيات أدبائنا الكبار مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وطه حسين وغيرهم! كما أن السيدة أنا ستينهامر نائبة وزير الخارجية التي رأست الوفد النرويجي الذي شارك في احتفالية مكتبة الاسكندرية لم تكتف بكلمات بروتوكولية في هذه المناسبة، بل أن كلمتها التي ألقتها في حفل العشاء تضمنت إضاءات مهمة لرحلة إبسن الابداعية، ومعلومات طريفة غير معروفة منها مثلاً أن نهاية مسرحية "بيت الدمية" كانت محل جدل كبير، وان هذا الجدل وصل إلي منزل إبسن نفسه، ووصل إلي حد تهديد زوجته سوزانا له بأنه إذا لم يجعل بطلة مسرحيته "نورا" ترحل من بيت الدمية (في المسرحية) فإنها ستترك له بيت الزوجية وترحل هي الآخري!.