جلست منعزلة، فى ركن الغرفة، بعد أن أوصدت الباب عليها بمقر عملها وهى فى حالة نفسية سيئة. كانت تريد أن تتوارى عن أعين الناس لتلعق جراحها بعدما انتهكت كرامتها.. ظلام الغرفة وحده كفيل بأن يخفى أحزانها، بينما جلست منحنية على الورق لتكتب تحقيقها الصحفى على ضوء الكمبيوتر الخافت. لم تكن يوما من الثوار بل على العكس كان موقفها من الثورة دائما يشوبه الحياد، لكن وجودها فى ساحة المعركة كان جزءا من مهمتها الصحفية لتغطية الأحداث بعيدا عن معطيات اللعبة السياسية. وكان الثمن باهظا. فلم يعد فى جسدها مكان لم تلونه الدوائر الزرقاء الناجمة عن أثر أحذية الجنود، بحسب عبير السعدى، وكيلة نقابة الصحفيين التى تهرول منذ الاعتداء على الزميلة الصحفية بين المؤسسة التى تعمل بها وبيت أسرتها لتجنبها مزيدا من الضغوط. تلك الحالة، التى رصدتها النقابة لإحدى الصحفيات التى تعمل بمؤسسة قومية والتى تم الاعتداء عليها أثناء تغطيتها لأحداث مجلس الوزراء الأخيرة، هى واحدة ضمن نحو 10 صحفيات تعرضن مؤخرا للاعتداء البدنى والتحرش الجنسى على يد قوات الأمن أو الجيش أو من قبل بلطجية يرتدون زيا مدنيا، وفقا لأرقام نقابة الصحفيين.
تقول عبير السعدى: «تبدو الأرقام رغم أهميتها غير معبرة بشكل دقيق عن الواقع، خاصة وأنه فى كل تظاهرة نالت الصحفيات نصيبا من العنف، من أحداث الثورة فى ميدان التحرير مرورا بتظاهرات 6 أبريل فى العباسية وأحداث شارع محمد محمود وأخيرا اعتداءات مجلس الوزراء. لكن المشكلة أن كثيرات من الصحفيات لا تقمن بإبلاغ النقابة خوفا من الضغوط التى قد يمارسها عليها المجتمع المحيط، فالآلام الناجمة عن تلك الضغوط المجتمعية قد تكون أكثر إيلاما من الركلات».
تعيد هذه المشاهد إلى الأذهان انتهاكات أخرى كانت قد تكبدتها الصحفيات نساء فى ظل النظام السابق، فقد تعرضت أربعة مهن: الراحلة نوال على، أسماء حريز من جريدة الكرامة، شيماء أبوالخير وعبير العسكرى من جريدة الدستور، للاعتداء وتمزيق الملابس أثناء تغطيتهن لأحداث الاستفتاء على الرئاسة عام 2005 وما تلاه من مسيرات نظمتها حركة كفاية احتجاجا على ذلك، وهو اليوم الذى أشتهر فى أروقة العمل الصحفى بيوم الأربعاء الأسود.. واعتبرت نقابة الصحفيين ومنظمات الدفاع عن حرية التعبير 2005 عام الاعتداء على الصحفيات.
وأمام هذا الاستهداف الصريح، أصدرت منظمة «صحفيون بلا حدود» بيانا تناشد فيه مجالس التحرير حول العالم إرسال الرجال لتغطية الأحداث فى مصر. «إيفاد الصحفيات إلى ميدان التحرير بشكل حقيقى، لابد وأن تضعه المؤسسات الصحفية فى الاعتبار»، مما أثار جدلا واسعا على صفحات مجلة «لوبوان» الفرنسية (فى عددها الصادر يوم 25 نوفمبر الماضى) حول ضرورة وجود صيغة تضمن عدم التمييز المهنى بين الجنسين مع الحفاظ على سلامة النساء. يأتى هذا البيان فى أعقاب ما تعرضت له الصحفية الفرنسية كارولين سنز من قناة «فرانس 3» من اعتداءات وتحرشات جنسية فى ميدان التحرير على يد مدنيين، وكذلك ما تعرضت له الصحفية المصرية الأمريكية منى الطحاوى من تحرش وتعذيب على أيدى قوات الشرطة داخل وزارة الداخلية. وتروى هذه الأخيرة على حسابها الشخصى بموقع تويتر: «ضباط الداخلية احتجزونى لمدة 12 ساعة، ضربونى وأحدثوا كدمات بيدى.. تعرضت لمضايقات أسوأ من أى وقت مضى.. ووصلت المضايقات إلى التحرش بطرق مشينة».
وإذا كانت الصحفية الفرنسية قد تلقت مكالمة هاتفية من الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى على سبيل الدعم المعنوى بمجرد أن وطئت قدماها الأراضى الفرنسية، فلا عزاء للصحفيات المصريات اللائى تنطلقن لعملهن دون حماية تذكر.
تؤكد المحررة حنان فكرى أن هناك هجمة شرسة على الصحفيات تتأرجح بين التشويه والتخويف، فعندما تعرضت حنان للضرب لمدة ربع ساعة من أحد البلطجية على بعد خطوات من قوات الجيش خلال تغطيتها لمسيرة حركة 6 أبريل، كانت حجة الشارع أنها قد تكون إسرائيلية وتقوم بتوزيع منشورات لإثارة الناس.. وتضيف: «رغم أن ملامحى مصرية خالصة! كما ادعى البعض أننى ذهبت خصيصا إلى موقع الحدث طلبا فى بطولة زائفة، وقد ارتديت ملابس غير مناسبة مع أن ملابسى كانت عادية جدا. واستخدمت هذه الحجج ضدى للإساءة خلال ترشحى لمجلس النقابة خلال الانتخابات الماضية». حنان دشنت بعدها على موقع فيس بوك الاجتماعى حملة بعنوان «نساء الثورة» من خلال منظمة وطن واحد للتنمية والحريات التى تهدف إلى إلقاء الضوء على نساء الثورة المصرية منذ يوم 25 يناير وحتى الآن، كما تحاول تقديم الدعم القانونى من خلال الوحدة القانونية بالمؤسسة لرد الاعتبار لكل من تم الاعتداء عليهن خلال الأحداث، مع حصر كل من تعرضن للإيذاء.
وما يزيد الأمر سوءا هو وجود لهجة تحريضية ضد الصحافة فى خطاب المسئولين كما تقول عبير السعدى: « عندما يخرج الدكتور كمال الجنزورى بعد صمت إزاء ما تتعرض له النساء فى ميدان التحرير ليعلق الأمور على شماعة الصحافة، فهو بذلك يريد أن يجعل من الصحفيين كبش فداء لما يحدث». من ناحية أخرى عندما يقوم أحد أفراد المجلس العسكرى بتهديد صحفية بالطرد من مؤتمر صحفى عقد مؤخرا، فهذا يعد إهانة تستوجب الاعتذار لكل أفراد الجماعة الصحفية، طبقا لمصدر رفض ذكر اسمه.
هذه النبرة التحريضية إزاء الكاميرا والقلم استشعرتها أيضا مى المغربى، الصحفية الثلاثينية بجريدة الأهرام، التى تعرضت للاحتجاز والعبث بمقتنياتها الخاصة من قبل قوات الجيش خلال الأحداث الأخيرة. وتقول: « شعرت أننى أعامل كتاجرة مخدرات، وعندما قلت للضابط أننى صحفية محترمة أجابنى: «طالما أنتى محترمة، ماذا جاء بك إلى هنا؟، بل ونصحنى أن أغير مجال عملى فأكتب فى صفحة المرأة أو أخبار المجتمع، وذلك بعد ساعات من الاحتجاز والترويع». هذه النصيحة التى أعطاها الضابط لمى المغربى كان لها وقعها على إحدى زميلاتها التى امتنعت عن النزول للميدان بعد أن تعرضت لشكل من أشكال التحرش الجنسى وهى فى صحبة زوجها، فضلت هذه الأخيرة أن تضحى بالعمل الميدانى لترتضى بالأعمال المكتبية، خوفا من أن تتعرض لتجربة أخرى مماثلة: «كتمت السر عن زوجى الذى لم يلاحظ ما تعرضت له، لكننى لا أستطيع أن أغامر بجسدى».