قدم الشرق للعالم أفكارا وفلسفات عديدة غلبت عليها النزعة الإنسانية والرغبة فى التسامى بالروح عاليا بعيدا عن رغبات الجسد. تفتحت مدارك الغرب الذى ضاق بعض من أهله بثقافتهم وحضارتهم التى أعلت من شأن المادة على حساب الروح فأنسوا لمفردات جديدة من حضارة الشرق حملت الكثير من ملامح صفائه لفلسفة اليوجا ورياضتها الذهنية والبدنية، لحظات التأمل العميقة التى تنأى بالإنسان عن كل ما حوله فيتوحد مع نفسه حتى يصبح نادرا على التحكم فى نبض وضغط دمه وحركة أمعائه. أيضا فلسفة النباتية التى مع اعتناقها يختار الإنسان أن ينحاز للنبات ويسقط من حساباته تماما كل أنواع اللحوم وينسى رائحة الشواء. يدعم العلم اليوم اختيار من انحازوا للنبات فى دراسة حديثة أعلنت نتائجها هذا الشهر. فهل بالفعل فاز النباتيون بالحكمة والصحة دون الآخرين؟
زهد فى الطعام أم انحياز للنبات؟
النباتيون عامة يواجهون خطرا أقل فى مواجهة الأمراض السرطانية إذا ما قورنوا بمن يأكلون اللحوم لكن تلك النتيجة لا تنسحب على كل أنواع السرطان.
كانت تلك النتيجة الهامة هى حصيلة دراسة هامة أتمها فريق بحث علمى ضم مجموعة ضخمة من باحثين وعلماء من جامعات إنجلترا ونيوزلندا.
الدراسة شملت رصد العادات الغذائية وتفاصيل أنواع وأنماط الغذاء لدى 61.566 رجل وامرأة فى بريطانيا. كان من ذلك العدد من البشر من يأكلون اللحوم بأنواعها ومن يكتفون بالأسماك دون اللحوم ومن يمتنعون تماما عن اللحوم والأسماك.
كأنت النتائج النهائية للدراسة لتؤكد أن هناك بعضا من أنواع النشاط السرطانى يقل حدوثها نسبيا بين النباتين بل يندر:
● سرطان المعدة (Stomoch)
● سرطان المثانة (Bladeler)
● الليمفوما (Non - Hodgkin)
● الميولوما المتعددة (Multiplemyeloma)
قدم الباحثون نتائج أخرى لا تقل أهمية وإن لم يقدموا لها بعد تفسيرات علمية مقنعة ووعدوا بمتابعة البحث للتعرف على أسبابها الحقيقية.
تصيب الميولما (سرطان نادر للنخاخ الشوكى) النباتيين بنسبة تقل 75٪ عن آكلى اللحوم بينما فى سرطان الدم والجهاز الليمفاوى تصل النسبة إلى 50٪.
أما عن سرطان المعدة للنباتين ومنهم آكلو السمك فقد بقيت نسبة الإصابة به عند حدود 30٪ مقارنة بآكلى اللحوم طازجة كانت أو سابقة التجهيز. وقد أضاف الباحثين شرحا من دراسة سابقة تؤيد ارتفاع نسبة سرطان المعدة لدى آكلى اللحوم خاصة المصنعة منها (اللانشون، البسطرمة، السلامى، السجق) نظرا لإضافة مركبات الحفظ (N - nitroso) والتى يعتقد أنها ذات تأثير ضار على حمص د.ن.إيه (DNA) إلى جانب استخدام الحرارة المرتفعة فى تحضيرها.
بينما سجل النباتيون ارتفاعا وإن كان غير ذى قيمة فى نسبة الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.
الواقع أن تلك الدراسة أثارت جدلا واسعا فى الأوساط العلمية والدوائر الطبية المهتمة بالسرطان وإن اتفق الجميع على أن الإنسان بالفعل ما يأكل وأن العلاقة بين الإصابة بالسرطان والتغذية علاقة قائمة وإن كانت علاقة معقدة وحمالة أوجه وتحتاج لجهود أكبر لشرحها وفهم كل حقائقها وتفاصيلها العلمية.
هل فكرت يوما أن تتحول للنباتية؟
اختيار أن تكون نباتيا لا يخضعك لأن تمتنع تماما عن تناول ما هو من أصل حيوانى. أن تكون نباتيا هو اختيار مبدئى يتبعه اختيار آخر بين ثلاثة أنواع يمكنك أن تختار منها:
● الاختيار الأول: أن تكون نباتيا فقط فيما يتعلق باللحوم فلك أن تأكل كل أصناف الفاكهة والخضراوات الطازجة والمطهوة مضيفا إليها الأسماك والدواجن والطيور ممتنعا تماما عن أكل لحوم الحيوانات لكنك فى ذلك الموقع لن تحظى بإعجاب المجتمع النباتى إذ يرونك غير جاد فى مشروعك.
● الاختيار الثانى: أن تكون نباتيا بمعنى أن تأكل كل أنواع الفاكهة والخضراوات ولا تقرب اللحوم والأسماك والدواجن والطيور وإن كان يمكنك تناول البيض ومنتجات الألبان.
● الاختيار الثالث: أن تكون نباتيا فى المطلق فلا تتناول إلا الخضراوات والفاكهة ولا تقرب على وجه الإطلاق طعاما من أصل حيوانى.
فأى الاختيارات لك؟
الواقع أن هناك العديد من الفوائد التى تعود على الإنسان من تناول الفاكهة والخضراوات الطازجة والحبوب والمكسرات التى لم يتم تدمير مكوناتها الطبيعية بحرارة الطهى أو معالجتها لخفظها بطرق عديدة منها التجميد والتسكير والتمليح فتظل تلك الأطعمة محتفظة بالطاقة التى اكتسبتها من الأرض والشمس.
لكن التنوع فى الواقع أفيد بدلا من الاقتصار على الأطعمة النبتة.
الألياف تحتاج للماء فالطهى يجعلها لينة سهلة يمكن الاستفادة منها. أيضا الطهى قد يزيد من المواد الغذائية التى يحتويها الطعام كما أن تناوله ساخنا فى الشتاء يمد الجسم بطاقة لا غنى عنها.
لذا فالتوازن مطلوب بين تناول الطعام نيئا وتناوله مطهوا.
إذا اخترت أن تكون نباتيا
إذا اخترت أن تتحول للنباتية فاعلم أن البروتين هو أهم المواد الغذائية التى ستنقصك لذا فالنباتيون يحرصون على تناول الجبن بقدر متفاوت.
لكن الأفضل إضافة منتجات الصويا والفول والعدس أو البيض الذى يعد أيضا مصدرا للحديد وغيره من المواد الغذائية الهامة. أما فيما يتعلق بالأحماض الدهنية المهمة التى يحتاجها الجسم فإذا اخترت أن تكون نباتيا متشددا لا تتناول الأسماك فلك أن تتناول يوميا ملعقة صغيرة من زيت بذر الكتان (الزيت الحار) وأن تلجأ لتعويض النقص فى فيتامين ب12 الذى لا يوجد إلا فى المنتجات الحيوانية فقط بالأقراص أو الحقن بصورة دائمة ومستمرة.
ماذا إذا أصابتك أنيميا نقص الحديد نتيجة لتحولك للنظام الغذائى النباتى؟
أنت بحاجة إلى 15 25 مليجراما من الحديد يوميا لنتفادى إصابتك بأنيميا نقص الحديد لذا عليك أن تبحث عن الحديد فى مصادره النباتية المهمة أفضل من تناوله كأقراص تحتار فى اختيارها إذ إنها تتباين فى طرق امتصاصها فى الأمعاء وفقا لنوعها وطريقة تحضيرها.
أهم مصادر الحديد فى الخضراوات تبدأ بالملوخية والسبانخ واللوز وبذر القرع العسلى والفواكه مثل البرقون والزبيب والمكسرات عامة ثم البيض.
مع مراعاة تأجيل فنجان شاى بعد الغداء لساعتين حتى تضمن امتصاص الحديد كاملا كما أن المزج بين مصادر الحديد والفواكه المحتوية على فيتامين ج مثل البرتقال، الكيوى، اليوسفى أو الفراولة يدعم سرعة امتصاص الحديد فى كميات وافرة.
التحول للنباتية خاصة ما يمكنك فيها من أكل البيض والسمك ومنتجات الألبان قليلة الدسم فكرة أظنها بمثابة هديدة للعام الجديد تحمل معنى الود والمحبة والرغبة فى أن ألقاك دائما عزيزى قارئ صحة وتغذية فى صورة بهية وصحة وعافية دائمة إن شاء الله. فهل تقبلها منى؟