ليست هذه إشارة لاسلكية كإشارات مناطق تمركز الجيش أو الشرطة، إنما هى إشارة تحويل للمساعدات والتبرعات التى يقدمها شعب مصر لأبنائه المعتصمين فى التحرير.
فى البداية بدأ الطريق إلى مقر مركز هشام مبارك فى الدور الخامس بالعقار رقم 1 شارع سوق التوفيقية، هادئا أكثر من اللازم.
السلالم كانت نظيفة وخالية من آثار تدل على أن أقدام تعاقبت عليها قبل قليل. المشهد فسرته مها مؤمن إحدى الناشطات بالمركز. «لما الأمور استقرت نوعا ما فى الميدان بقينا نحول كل المساعدات لمسجد عمر مكرم أو قصر الدوبارة».
وتحكى كيف بدأ المركز استقبال المساعدات السبت الماضى بشكل تلقائى، «لأن الناس كانوا متعودين يبعتوا الحاجات أيام الثورة على المركز أو على مركز النديم».
كانت المساعدات تصل إليهم فينقلونها للميدان فى أوقات المعارك، ولأن أغلب مقدمى تلك المساعدات كانت تمنعهم ظروفهم من النزول، أو حتى خوفهم على حد قول مها، كان المركز قبل يومين بمثابة وزارة تموين وإعاشة الميدان.
ولأن مها ورفاقها فى مركز هشام مبارك لا ينامون قبل ساعات الصباح الأولى، عندما تهدأ غارات الشرطة على المعتصمين نوعا ما، فإن المركز يغلق أبوابه ويبقى شخص واحد مستيقظا لإرشاد الناس للطريق الجديد للإمدادات.
ربع ساعة تقريبا يستغرقها المشوار من شارع التوفيقية، حتى ميدان التحرير، حيث تفتح اللجان الشعبية الطريق أمام المساعدات فورا ودون تفكير، لأن الأنباء وصلت إليهم بأن المستشفيات الميدانية تحتاج كل الدعم.
أمام المسجد الأثرى، مشاهد متعددة ومرتبطة ببعضها.
سيارتان للتبرع بالدم، وأمامها مجموعات مختلفة من الشباب والرجال والنساء يجرون اختبارات لفحص عينة الدم قبل التبرع.
سيارات الإسعاف متراصة ومتلاصقة على أهبة الاستعداد لنقل حالة حرجة من المستشفى الميدانى على أبواب المسجد إلى خارج الميدان.
3 مصابين على البطاطين حملتهم دراجة بخارية من شارع محمد محمود، بعد أن أعيتهم غازات الداخلية.
«الإيبولايز هنا يا دكتور»، تخبر طبيبة شابة زميلها بمكان المحلول الملحى اللازم لعلاج الحالات المصابة، فى حين تساعدها أخرى فى ترتيب الإمدادات الطبية التى يقدمها لهم المواطنون.
أحمد سمير دكتور الطوارئ أكد أن «المساعدات تأتى قبل ما نطلبها، وإذا حصل عجز فى حاجة معينة الرسائل على فيس بوك وتويتر تبلغ الناس فيبعتوها»، ويشير فى كلامه إلى أن الوضع مختلف نوعا ما عن أيام الثورة.
«أيامها كانت الإصابات أقل واستجابة الناس وتعاونهم كان متأخر شوية لأنهم لم يدركوا الثورة واحتياجاتها إلا بعد جمعة الغضب».
تقطع كلامه سيدة تحمل أكياسا بها شاش وقطن وأنواع مختلفة من الأدوية، تسأله «ادى الحاجات دى لمين؟»، وبإشارة من يده تجد طريقها إلى حيث تراصت باقى المساعدات أمام مدخل المسجد.
على الجانب الآخر من الرصيف، يصرخ أحد المتظاهرين لزميله فى هاتفه المحمول، «محتاجين بطاطين»، وبنظرة سريعة إلى مكان تجمع المساعدات تدرك ان البطاطين التى يستخدمها الأطباء بدل الأسرة، ويحتمى بها المعتصمون من برد الليل، تعانى نقصا شديدا.
«الناس العادية هى اللى بتجيب المساعدات، مفيش جهات معينة ولا أحزاب أو تيارات سياسية، المصرى العادى وبس»، عبارة توضيحية يقولها أحمد عبدالفتاح طبيب الميدان، عندما يدخل مربع الإعاشة شابان يحمل أحدهما كيسا كبيرا من الخبز البلدى، ويحمل الآخر كرتونة جبنة بيضاء، ويقرر الأول مصير العيش والجبنة فورا، «تعالى نوزعها على الناس».