فتيات وسيدات فى مقتبل العمر يدخلن بيوتنا، ولا همَّ لهن سوى التعرف على أدق أسرار حياتنا. قد تسألك واحدة منهن عن عدد الأرغفة التى تستهلكها أنت وأسرتك فى اليوم، وما إذا كان الخبز عاديا، أو محسنا، أو افرنجيا، وهل يدخل البتى فور، والبيتزا، والسمبوسك البيت، أم هى من الكماليات التى تفتقر إليها العائلة. وقبل أن تزول علامات الدهشة من على وجهك تكون جاهزة بالسؤال التالى حول المكان الذى تتحصل منه على أكلك وشربك، وما إذا كان من دكان عادى، أو سوبر ماركت، أو سوق أسبوعية، أو باعة جائلين.. وقد تخجل حين تضطر أن تسألك عما إذا كنت تستخدم حماما مشتركا، أو خاصا، أو أنه لا يوجد لديك حمام على الإطلاق. ولكنها تفعل مع سكان العشوائيات بعد أن تكون قد قدمت لهم مبررات السؤال. ولكن بعد عدد من اللقاءات تكون قد عرفت ما إذا كانت الأسرة تملك سيارة أو أكثر، وعدد الموبايلات التى لدى افرادها، ويصبح الحديث عن البوتاجاز، أو المكنسة الكهربائية أو التليفزيون ونوعه أبيض واسود أم ألوان، وكاميرا العائلة ما إذا كانت عادية أم ديجيتال يصبح السؤال عنهما هو الأسهل. وكذلك يبدو الأمر هينا عندما يحين وقت جمع البيانات عن تكلفة الدروس الخصوصية، ومصاريف المدرسة. وربما لا يصبح بعد ذلك الاستفسار عن كميات اللحمة، والهامبورجر، والهوت دوج، أو أحشاء الفراخ أو الأجنحة لدى بعض الأسر سؤالا عسيرا. أو ما إذا كانت الأسرة تعتمد على المياه المعدنية، والمشروبات الغازية، على مائدة طعامها كمادة أساسية أم أنها من مستلزمات الضيوف فقط. وتصبح الدردشة حول قيمة المنفق على المطاعم والمقاهى والوجبات الجاهزة من ساندوتش الفول والطعمية، وحتى الكباب والكفتة، وأجر الحلاق، والباديكيير، والمانييكير، وحمامات الساونا، والمساج، ونظارات الشمس، وما عساها أن تدفعه الأسرة فى الحفلات والمآتم تصبح الدردشة حولهما ممتعة، وليست مهمة عمل.
هؤلاء ببساطة هن موظفات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى مهمة رسمية لدق أبواب بيوت المصريين، هدفها معرفة أدق أسرار حياتهم. لكى يخرجن لنا بأهم إصدار لهذا الجهاز وهو ما يعرف ببحث (الدخل والإنفاق والاستهلاك) وهو يضم كل ماتنفقه الأسرة على الطعام والشراب والتعليم والصحة والملابس والترفيه والانتقالات والاتصالات.. أى يقول لنا بدقة: كيف يعيش المصريون؟..
وهو سؤال هذا الحوار: لأن مهمة دخول البيوت من أبوابها هى وظيفتهن التى تدربن عليها معا فلا يبدو الخلاف كثيرا بين ما تقوله كل واحدة من الثلاث باحثات فى جهاز التعبئة والإحصاء عن طبيعة المهمة. ولذلك لايبدو مهما على الإطلاق أن نذكر أسماء الباحثات، أو أماكن البيوت التى دخلوها، أو عنوان الشوارع التى يقطن فيها المبحوثون، ولا يجدى كثيرا الحديث عن أوصاف الناس الذين سألوهم. ولكن الأهم حقيقة ما رأته كل واحدة منهن، وسمعته، ودونته فى دفاترها عن معيشة المصريين.
باستئذان رسمى يتمثل فى كارنيه جهاز الإحصاء، وباستئذان شخصى عبر ابتسامة خجول تكسر الإحساس بالخوف من اجتياز غرباء لأبواب البيوت تدخل الباحثة لبيوت بعضها فى أحياء شعبية أو فى عشوائيات وأخرى فى مناطق راقية ومنتجعات جديدة. ولكل بيت طقوسه.
تقول باحثة الجهاز لما أروح جاردن سيتى لازم أتشيك على الآخر، ولما أروح أطفيح مثلا لازم أقعد مع الناس على الأرض لأنهم لو أحسوا أن مستواى الاجتماعى أعلى منهم لن يتكلموا معى، وسوف ينقطع بيننا التواصل تماما. هذا ما تعلمته واكتسبته عبر رحلة سنوات عشر عملت خلالها فى جمع بيانات دخل الأسر المصرية وإنفاقها.
نقوم بزيارة الأسرة خمس مرات. كل مرة منها تبعد عن الأخرى ب15 يوما. أول مرة نتعرف على أفرادها، والمرة الثانية نأخذ البيانات عنها. ثم نبدأ فى جمع كل ما يتعلق بدخل الأسرة، وكيفية إنفاق هذا الدخل على كل بند من البنود المختلفة، من مأكل، وملبس، وتعليم، وصحة، وسكن، وشراء السلع المعمرة، ومناسبات اجتماعية.
ولكن إلى أى مدى تستشعر كل واحدة أن مهمتها صعبة. فكيف يمكن التطرق إلى تفاصيل دقيقة للحياة الخاصة تبدو لدى الناس حشر أنف الحكومة فى حياتهم، بينما بالنسبة لها من صميم العمل. فكيف تستطيع كل واحدة أن تفسر للناس أهمية الإجابة عن سؤال مثل ما إذا كانت العائلة تستخدم وابور الكيروسين، ام فرن المايكروويف. وما تصرفه بعض الأسر على الخدم، والطباخين، والسفرجية، ومربيات الأطفال، والجناينية، والسكرتيرات، والسائقين. أو الاستفسار حول من فى الأسرة من مدمنى المخدرات، أو كم عدد أفرادها الذين يدخنون السجائر، ونوعيتها هل هى مستوردة أو دخان لف أو ورق بفرة؟وكم من المبررات تضطر إلى تقديمه قبل السؤال عن نوعية السجائر مستوردة، أم هى دخان لف، أو ورق بفرة أم معسل.
أكثر الموضوعات التى يستشعر الجميع حرجا عند الحديث حولها هو الأكل والشرب تقول الباحثة ان عائلات كثيرة تشعر بنوع من الاستفزاز عندما نسألها عن أكلها وشربها. لأنها تعتبر أن هذه الأمور من خصوصيات الأسرة التى يجب ألا يعرفها أحد وبالتالى هو الموضوع الذى تحرص الأغلبية على إخفائه، ويفضلون تجنب الحديث حوله. فهم يعتبرون الحديث عنه عيبا كبيرا. وعادة ما يخجلون من الحديث إذا كان الأمر يتعلق بأكل العدس، والفول، والباذنجان والبصارة. وعندما نحاول أن نقنعهم أن هذا الموضوع متعلق بموضوع رصد استهلاك الأسر المصرية كلها من أجل اتخاذ قرارات اقتصادية واجتماعية على أساس هذه الإحصاءات فإننا نجد تفاهما من بعض الفئات المتعلمة وتواجهه صعوبات من بعض الفئات الأخرى.
وبالطبع هؤلاء الناس يحتاجون منا إلى مجهود كبير لإقناعهم بقول الحقيقة بدقة دون إخفاء.
الأغنياء يخفون أكثر
وغالبا ما يخفيه سكان الأحياء الراقية من الأغنياء أكثر بكثير مما يخفيه الفقراء. لأن الفقير عادة ليس لديه ما يخفيه، أو يخاف عليه. أما الميسورون فهم عادة لا يقولون مثلا ان لديهم شاليها فى الساحل الشمالى، أو أنهم يتملكون عقارا آخر لا يعرفه أحد، ولا يجدون ضرورة من أن يذكروا أنهم من أصحاب الأراضى الزراعية. أو أن لديهم دخلا إضافيا غير رواتبهم. فهم يميلون إلى إخفاء بعض الحقائق من باب الاحتياط.
أما الأسر التى تسكن العشوائيات فلها ما يميز سلوكها. فمن المؤكد أن سلوك تلك الأسرة التى تعيش فى غرفة واحدة، ويتجاورون مع جيران يشتركون معا فى حمام مشترك، دون أن يستطيع رب العائلة أن يغلق على أولاده باب الشقة مثل غيره ممن يعيشون فى شقق مستقلة، مهما كانت متواضعة، سلوك هذه الأسر يصبح مختلفا. فغالبا هؤلاء لا يخجلون كثيرا من اشياء قد تخجل منها بقية الأسر. لأن سلوك الخجل قد ضعف كثيرا لديهم من كثرة الاختلاط مع العائلات التى تجاورهم فى السكن. وبدا الأمر وكأن شيئا عاديا أن يعرف الكل أسرار بعضهم نتيجة للتلاصق المكانى.
ومن خلال الخبرة العملية اكتشفنا أن الزوجة أكثر رفضا من زوجها للحديث عن أحوال الأسرة. فهى تتحرج عندما تتحدث عن أحوال الأسرة. وفى كثير من الأحيان تريد أن تختصر فى إعطاء البيانات. بعكس زوجها الذى يبدو أكثر ودا وتفهما لطبيعة عملنا.
ومن المؤكد أن سكان الأحيان الشعبية هم الأكثر مصداقية وغالبا لا يكذبون ويقولون الحقيقة دون مواربة، وهم الأكثر تعاونا مع مهمتنا. وعادة لا يغيرون كلامهم، ولا نرصد فى أحاديثهم كثيرا من التناقضات. بل على العكس معلوماتهم أكثر جودة وتطابقا مع الواقع.
ونحن اعتدنا دائما أن يقلل الناس ما يتقاضونه من راتب. بأن يقولوا مثلا رقم الراتب الأساسى، ويخفون المكافآت والحوافز. وغالبا ما يخفى الجميع وجود أى دخل إضافى من ريع اراض، أو عمارات، أو أرباح بنوك مثلا. فمثلا نجد أحد كبار السن على المعاش ومع ذلك تجد مصاريف علاجه مثلا تفوق الدخل الذى ذكره لنا فلا نجد بدا من ان نسأله كيف حدث ذلك. فيضطر للرد بالحقيقة أن له دخلا إضافيا محاولا إقناعنا بأنه قد نسى أن يذكره.
وعادة يتكلم الأميون بصراحة أكثر من المثقفين من الطبقة المتوسطة عموما فهم لا يخفون شيئًا ولا يخبئون أية معلومة نسأل عنها. ربما لأنه ليس لديهم ما يخفونه. نسبة الفقراء الذين يكذبون أقل من الأغنياء. ولكن هذا لا يمنع من أن الفقير فى بعض الأحيان يشعر بالخجل من فقره. أما الطبقة المتوسطة فهى غالبا ما تخفى بعض الأشياء المتعلقة بالحيازات، وما إذا كانوا يملكون أسهما أوارصدة فى البنوك. فهم مثلا يميلون نحو التقليل من المستوى الاجتماعى مثل أن يذكروا أن الشقة التى يسكنون فيها ليست تمليكا، ولكنها إيجار على عكس الحقيقة. وربما يرجع ذلك إلى الخوف، أو التهرب من الضريبة العقارية.
الستات تخفين الحقائق
وعموما الستات تخفين الحقائق أكثر من الرجال. ولذلك قد نضطر فى بعض الأحيان إلى الاستعانة بالجيران للتعرف على بعض جوانب الحقيقة، أو الوصول إلى المعلومة الصحيحة. أو ربما نتأكد من بعض المعلومات. وفى حالات أخرى يكون أحوال العمارة فى ذاتها دليلا على بعض المؤشرات.
وبالطبع نحن نمارس أنماطا عديدة فى المعاملة تتلاءم كل واحدة مع الشرائح المختلفة. فهناك مدخل للتعامل مع شرائح الفقراء، تختلف عن الشرائح الغنية.
الحقيقة هى مهنة مجهدة جدا بالرغم من أنها ممتعة لأنها تتيح لنا التعرف على جميع شرائح المصريين الغنية منها والفقيرة.
درسنا وتدربنا وتعودنا على أن نستمع لساعات طويلة للبشر، دون أن نفقد حماسنا أو اهتمامنا. ومن أدق مهامنا أن نستمع لهمومهم، ومشاكلهم حتى لو لم تكن لها أدنى علاقة بما نقوم به من جمع للبيانات التى نريد الحصول عليها. لأن هذه المهمة الإنسانية تساعدنا كثيرا فى الوصول إلى اكتساب ثقة هؤلاء الناس مما يجعلهم بعدها يبوحون لنا بالحقيقة دون مواربة. وفى بعض الأحيان تتطرق الأحاديث لمشاكل العلاقات الزوجية، والتوتر بين افراد الأسرة، وحتى خناقات الجيران تصبح موضوعا للحوار بيننا وبين الناس الذين ندخل بيوتهم. وكثيرا ما تطورت العلاقة بيننا وبين كثير من هؤلاء الناس لدرجة أن نصبح أصدقاء لبعض العائلات بعد انتهاء الاستبيان. بالرغم من أن هذا ليس من صميم عملنا. ولكن هذا يجعلنا نؤدى أعمالنا على أفضل وجه.
ولكن ما الذى تسشعره كل واحدة منهن عندما تنفجر أسئلة الاستنكار من بعض الأسئلة التى قد لا تروق لهم وهى متنوعة من فئة لأخرى. فقد يرفض البعض عن أسئلة خاصة بنوعية المخدرات التى يتناولها أحد أفراد الأسرة. أو تتحفظ عائلة أخرى عند الإجابة عن أسئلة من نوعية المنفق على الترفيه مثل الأحصنة، وتكلفة علاجها، والقوارب الخفيفة والكرافان (حافلات التخييم) والبيانو والكمان وطاولات البلياردو، وقيمة المنفق على الملاهى،وتذاكر المباريات الرياضية، وتكلفة الجيم، وتذاكر السينما، والمسرح والأوبرا والمصايف والمشاتى. أو ترفض أسرة أخرى الإجابة عن تكلفة استئجار فستان الفرح، أو شبكة العروس، وقيمة النقوط فى المناسبات، أو نفقة مسح الأحذية، وتصليحها. وأجرة المنجد، وسعر الملايات، والكوفرتات.
فى بعض الأحيان يتصادف الأمر أن يغلق بعض الأسر الباب فى وجهى، رافضين الحديث من الأساس. ويقولون عندكم الكمبيوتر تستطيعون أن تعرفوا كل المعلومات عنا بدون الرجوع لنا. وهذا كان يصدمنا فى أول عملنا لكن بعد ذلك اعتدنا عليه واستطعنا التعامل معه بإقناع الأسر بأهمية مهمتنا وبأنه تحمل طابع السرية وبأنه لن تخرج أى معلومة عن حياة أى أسرة إلى أى جهة. وبالتدريج أصبحت قدرتنا على الإقناع أكثر حرفية. وفى كثير من الأحيان يكون إخفاء المعلومات من باب الكسوف أو الخجل من الأوضاع المتردية. وفى أحيان أخرى يكون إخفاء المعلومة تحسبا أو ظنا من الأسرة أن الحكومة تخطط لرفع الدعم عنهم. وغالبا ما يتهموننا بأننا السبب بعد أن عرفنا أحوالهم أن الأسعار فى السوق ارتفعت لأن الحكومة تعرفت على أحوالهم.
ويقولون لنا أنتم وراء زيادة فاتورة الكهرباء والتليفون وفى بعض الأحيان بالمصادفة تكون الأسعار قد زادت مما يجعلهم لا يصدقوننا حين نقول لهم إننا لاشأن لنا بهذه الزيادات. وطبعا نحن تدربنا على أن نتعرف أو نتوصل إلى حقيقة ما تقوله لنا الأسر والتأكد من دقتها. مثلا نتعرف على مستوى الأسر من مدى توافر بعض السلع فى بيوتهم مثل اقتناء التليفزيون، وما إذا كان ملونا أو أبيض وأسود، وعدد الموبايلات فى كل أسرة ونوعية الموبايل. والغسالة والثلاجة فإذا كانت الأسرة مكونة من 7 أفراد وبها موبايل واحد مثلا فهذا مؤشر يختلف عن الأسر التى بها 7 موبايلات. ولكن نحن نعرف أن هناك بعض أوجه الإنفاق التى تستهلكها الأسر ولكنها تكون غير قادرة على الوصول إلى حجم تكلفتها بسبب عوامل تعود إلى النسيان مثل الصرف على العلاج. ولكنهم لا ينسون ابدا ما يدفعونه على الدروس الخصوصية أو الإيجار أو التعليم. أى أن الإخفاء فى بعض الأحيان يكون بسبب النسيان وليس متعمدا.
وبشكل عام الحديث مع الناس فى الأحياء الشعبية أكثر سهولة من الحديث مع سكان جاردن سيتى ومصر الجديدة لأن سكان الأحياء الشعبية يتحدثون بصراحة أكثر كثيرا من سكان الأحياء الراقية. والملاحظة العامة التى شاهدناها أن كل الناس كانت فى السنوات الماضية كانت بتشتكى. كانت الأغلبية غاضبة وساخطة على كل الأوضاع المعيشية وتئن من أرتفاع الأسعار والبطالة. اللحمة لدى بعض شرائح المجتمع أصبحت مثل جرام الذهب بعد أن حرمت منها شرائح كثيرة وأصبحوا يكتفون بالمرقة فقط. وهناك عائلات كثيرة تعتمد فى جميع وجباتها على الجبنة والخيار وكان دليلى أننى كلما زرتهم وجدتهم يتناولون نفس الوجبة (جبنة وخيار) وتأكدت أنهم يعيشون عليها..
ولكن الآن لم تعد الشكوى كما كانت فهم يقولون انهم تعودوا على العيشة الصعبة وشعروا بملل من الشكوى. وجدنا فى الأحياء الفقيرة فقراء على حد لا يتصور. وإلى الآن لم أنس مشهد إحدى الأسر التى قمت ببحثها فى منطقة دار السلام. وكان رب الأسرة متوفيًا، والأرملة تعول الأسرة بالكامل ومعاشها لا يزيد عن 160 جنيها. وابنها فى كلية التجارة وأصيب بعد تخرجه بمرض فى عظامه ارقده ومنعه من الحركة. وبعد أن كانت مشكلة الأسرة أن ابنها يبحث عن عمل ولا يجد، أصبحت المشكلة أنه أصبح عاجزا عن العمل من الأساس. وأصبح على الأم أن تحمله فى كل تنقلاته.
50 جنيهًا للقطة
فى حين وجدت أسرة أخرى فى أحد الأحياء الراقية تصرف على قطتها 50 جنيها فى اليوم الواحد، ما بين استهلاك الشامبو، ومصاريف العلاج عند الدكتور، فى حين أنه ما زال من بيننا من يبحث عن لقمة عيش ألقى بها البعض فى الزبالة.
وطبعا نحن تعودنا أن نسأل فى كل حى عن الخدمات التى يستخدمها أهل الحى، يعنى مثلا لا نسأل سكان بولاق الدكرور أو الشرابية عن التكلفة التى تدفعها ربة المنزل على الباديكير، والمانكيير عند الكوافير. أو كم مرة تذهب إلى الجيم وكم مرة تستمتع بحمامات السونا فى الأسبوع. أو حجم السولتير أو الذهب الذى تشتريه فى العام. أو حجم ما تصرفه الأسرة على المصيف مثلا. نحن لانسأل أية اسئلة تستفز العائلات.
ولكن من خلال الزيارات المتكررة والحديث مع الناس اكتشفنا أن أكبر مشكلة تواجه الأسرة المصرية هى البطالة. سواء الشباب الذى معظمه لا يجد عملا، أو يجد عملا بأجر منخفض فيفضل البطالة عن العمل بهذا الأجر. إلى جانب أن هناك عددا من الشباب يمكث فى المنازل بفعل الخصخصة وهو فى عز شبابه. وقد رأينا تداعيات اجتماعية كثيرة من جراء عمليات الخصخصة.
ولكن هناك بعض المعتقدات التى أثبتت المعايشة لبيوت المصريين انها غير صحيحة مثل أن التعليم لم يعد حافزا على الترقى الإجتماعى مثل ما كان عليه الأمر فى الماضى أعتقد ان هذا ليس صحيحا أو لنقل غير دقيق. الحقيقة أن الفقراء على عكس ما يعتقد البعض ما زالوا مؤمنين بأنهم سينتصرون على الفقر بالتعليم. ففى كل البيوت التى دخلتها لم أجد أسرة فقيرة قررت أن تخرج أولادها من المدرسة تحت ضغط ظروفهم المعيشية السيئة. فما زالت العائلات الفقيرة تحلم بأن يصبح أبناؤها أفضل منها. وأن ينتشلهم التعليم من الفقر. كل رب أسرة يريد ابنه أن يكون أفضل منه.