على مدى عقود، كان القادة الفلسطينيون يبدون أحيانا كما لو كانوا أسوأ الأعداء لأنفسهم. وتعامل الراديكاليون الفلسطينيون بعداء مع الغرب، وعندما تحول الزعماء المتشددون إلى عمليات الخط والصواريخ، قوضوا القضية الفلسطينية فى أنحاء العالم، وعززوا موقف المستوطنين والمتشددين الإسرائيليين، بينما أضعفوا الحمائم الإسرائيليين. فى هذه الأيام، انقلب العالم رأسا على عقب. والآن صارت إسرائيل هى المعرضة للخطر بسبب زعمائها وموقفها المتطرف. وسوف يؤدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عزلة بلاده، وإذا شئنا أن نكون صريحين، فإن موقفه المتشدد بشأن المستوطنات، يبدو كما لو كان سياسة انتحار قومى.
وليس هناك ما يسبب الضرر مثل زيادة المستوطنات الإسرائيلية، لأنها تضعف الأمل فى التوصل لاتفاق سلام فى المستقبل. وجاءت أحدث زلات نتنياهو بعدما امتهنت إدارة أوباما نفسها بحشد كامل طاقتها الدبلوماسية لعرقلة قيام دولة فلسطينية فى الأممالمتحدة. بينما كان لدى الرئيس أوباما بضعة أمور مهمة أخرى تجنب الانهيار الاقتصادى العالمى، على سبيل المثال كما بددت الولاياتالمتحدة حسن النية من خلال التهديد باستخدام حق النقض ضد إقامة دولة فلسطينية التى يميل الجميع لتأييدها.
وبينما كانت تلك المعركة الدبلوماسية دائرة فى الأممالمتحدة، أعلنت إسرائيل الأسبوع الماضى اعتزامها بناء 1100 وحدة سكنية فى جزء من القدس خارج حدودها لعام 1967. وبدلا من أن يبدى نتنياهو تقديره للرئيس أوباما، قام بتحديه.
●●●
حسنا، أنا أتوقع سيلا من ردود فعل غاضبة. وأدرك أن كثيرين يصرون على ان القدس يجب ان تعود كاملة إلى إسرائيل فى أى اتفاق سلام، لذلك فالمستوطنات الجديدة لا تضر. ولكن، إذا كان هذا هو موقفك، فلن يكون هناك إمكانية لأى اتفاق للسلام. حيث يعرف كل مفاوض إطار اتفاق السلام حدود 1967 مع تبادل الأراضى، والقدس عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ولايعنى الحديث عن حق العودة، واصرار إسرائيل على ضم القدس بالكامل سوى إنهاء أى احتمال للتوصل إلى اتفاق سلام.
وفى سبتمبر الماضى، قال الرئيس السابق بيل كلينتون ان السيد نتنياهو مسئول تماما عن فشل عملية السلام فى الشرق الأوسط. وأشار كلينتون، محقا، إلى أن ثمة عاملا مستترا، وهو التغيير الديموجرافى والسياسى داخل المجتمع الإسرائيلى، والذى جعل البلاد أكثر تحفظا عندما يتعلق الأمر بقضايا الحدود والأرض.
غير أننا يجب أن نعترف أن نتنياهو ليس العقبة الوحيدة أمام السلام. فالفلسطينيون منقسمون، بينما تسيطر حماس على قطاع غزة. ولا تقوم حماس فقط بقمع شعبها، ولكنها تمكنت أيضا من تدمير حركة السلام فى إسرائيل. وذلك أسوأ ما فى الشرق الأوسط: المتشددون مثل حماس يدعمون موقف المتشددين مثل نتنياهو.
ونحن نواجه فترة خطيرة فى الشرق الأوسط. ويبدو أن معظم الفلسطينيين كما لو أن عملية السلام فى أوسلو قد أخفقت، ويبدو أن إسرائيل تتفق مع هذا الرأى، حيث قال ثلثا المشاركين فى استطلاع للرأى نشرته مؤخرا يديعوت أحرونوت أنه لا توجد مطلقا فرصة للسلام مع الفلسطينيين.
●●●
وسيكون أفضل أمل للفلسطينيين، قيام حركة مقاومة سلمية شعبية تنبذ العنف، ضد المستوطنات غير المشروعة فى الضفة الغربية، تتزعمها النساء وتستلهم عمل المهاتما غاندى والقس دكتور مارتن لوثر كنج الابن. وتبنى عدد متزايد من الفلسطينيين أنماطا متنوعة لهذا النموذج، على الرغم من أنهم أحيانا يدمرونها بأن يعتبروا إلقاء الحجارة من أشكال اللاعنف، ويعطون الدور القيادى لشباب متهور.
وتستطيع قوات الدفاع الإسرائيلى التعامل مع المفجرين الانتحاريين، والصواريخ التى يطلقها حزب الله. غير أننى لست متأكدا مما إذا كانت هذه القوات تستطيع هزيمة النساء الفلسطينيات اللاتى يغلقن طريق المستوطنات غير المشروعة، وهن على استعداد لتحمل القنابل المسيلة للدموع والضرب بالهراوات، ويسارعن بعرض لقطات الفيديو على يوتيوب.
كما يقوض نتنياهو الأمن القومى الإسرائيلى، عبر حرق الجسور مع أهم أصدقاء إسرائيل فى المنطقة، تركيا. والآن، هناك أيضا مخاطر وقوع صدام فى البحر المتوسط بين السفن البحرية الإسرائيلية والتركية. وذلك من بين الأسباب التى دفعت وزير الدفاع ليون بانيتا إلى توبيخ الحكومة الإسرائيلية قبل أيام لأنها تتسبب فى عزلة نفسها دبلوماسيا.
●●●
فإلى أين نتجه الآن؟ إذا لم يكن هناك اتفاق سلام سيتحقق قريبا، وإذا كانت إسرائيل سوف تواصل احتلالها، فعلى إسرائيل أن تمنح حق الاقتراع فى الانتخابات الإسرائيلية لجميع الفلسطينيين فى المناطق التى تحتلها. فإذا كان باستطاعة اليهود فى الضفة الغربية المشاركة فى الاقتراع، ينبغى أن يكون ذلك باستطاعة الفلسطينيين ايضا.
وذلك هو معنى الديمقراطية: أن يكون لدى الناس الحق فى التصويت على الحكومة التى تسيطر على حياتهم. وسوف يعتقد بعض أصدقائى الإسرائيليين أننى غير منصف وقاسٍ، أطبق معايير مزدوجة عبر التركيز على المثالب الإسرائيلية، بينما لا أولى نفس الاهتمام للبلدان الأخرى فى المنطقة. غير أن هذا معادل بما فيه الكفاية: أنا أقر بالذنب. فأنا أطبق معايير أعلى على حليف قريب للولايات المتحدة مثل إسرائيل يتلقى قدرا ضخما من المساعدات الأمريكية.
فالصديق لا يدع صديقه يقود سيارته وهو ثمل، أو يخوض مسارا دبلوماسيا يبعد بلاده عن أى أمل للسلام. واليوم، يبدو قادة إسرائيل أحيانا كما لو كانوا أعدى أعداء بلدهم، ويعتبر التنبيه إلى ذلك عملا من أعمال الصداقة.