خلال زيارتى إلى إسرائيل، التى دامت أسبوعا، قمت بزيارة عائلتى وحضرت مؤتمر هرتزيليا، الذى يعد مؤتمر إسرائيل الأمنى الأساسى. وأثناء الزيارة، أبلغنى أحد المطلعين على الأمور من أبناء عمومتى الإسرائيليين، والبالغ عددهم حوالى الثلاثين، أنهم يؤيدون وزير الخارجية الإسرائيلى «السيئ» أفيجدور ليبرمان. وهذا وصف مؤلم للأوضاع الحالية فى إسرائيل..فلم يحضر ليبرمان مؤتمر هرتزيليا، الذى ضم أبرز قادة إسرائيل السياسيين، وكذلك العسكريين، والدبلوماسيين، ورجال الأعمال، إلى جانب قادة سياسيين من أنحاء العالم. ولكن لم يحد غياب ليبرمان من النقاشات الحامية التى شهدها المؤتمر. وقد تصدرت المناقشات إيران، والفلسطينيين، والإرهاب الجهادى. وتبادل المتحدثون وجهات نظرهم حول المعضلات التى تواجه إسرائيل، والتى أثارت إحباط الحضور غالبا، بدلا من أن تحفز هممهم. لكن هذا لا ينبغى أن يثير دهشتنا، حيث إن الشرق الأوسط يعيش هذه الأيام أشد أوقاته ظلمة. وكانت هناك بعض التلميحات الساخرة والخبيثة حول زعامة الرئيس أوباما، بل إن بعضها كتلك، التى أبداها مورت زكرمان، كانت تشوبها الشماتة فيما يواجهه من مصاعب وتؤصل لرحيله.. وتحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن انفصال الشباب الإسرائيلى عن ماضى بلادهم. والحقيقة لم تكن تلك خطابات ملهمة لأى من الحضور. كما كانت هناك تصريحات لقادة إسرائيليين، ينتمى كثير منهم سياسيا لحزب ليكود المحافظ، عن الحاجة لإنجاز حل الدولتين مع الفلسطينيين.. لكن هذا القول كان نابعا من الخوف من أن تقهر الديموغرافيا إسرائيل، مع تمتع الفلسطينيين بميزة بعيدة المدى فى هذا الصدد. لم يكن الحديث عن السلام، بل عن البقاء. وكان من الواضح، بعد حضور هذا المؤتمر، أن ثقل عقود من فشل المحافظين الأمريكيين الجدد فى الشرق الأوسط لم يحقق الأمن أو راحة البال للإسرائيليين. إنه موقف بالغ التعقيد بالنسبة للنخبة السياسية الإسرائيلية، التى يعنيها كذلك ألا يساير الرئيس أوباما، كما فعل سلفه، الساسة الإسرائيليين المحافظين فى سلوكياتهم الأشد تدميرا للذات، خاصة عندما يتعلق الأمر بحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. ويضاعف من هذه المعضلة أن السكان يؤيدون الحكومة المتشددة، برغم استيائهم من السياسات التى تمارسها. فعلى سبيل المثال، يبغض مواطنو تل أبيب المستوطنين، الذين يبسط ممثلوهم سيطرتهم على حكومة نتنياهو. بينما يتمسك المستوطنون بوجهة نظرهم بالاحتفاظ بالسيطرة على الضفة الغربية والفلسطينيين الذين يعيشون هناك، يدرك سكان تل أبيب أنهم متورطون فى رؤيتهم الخطيرة والرهيبة. ويدفع أبناء عمومتى فى تل أبيب، على سبيل المثال، نصف دخولهم للضرائب الوطنية، التى يخصص جانب كبير منها لدعم هؤلاء المستوطنين. وهم غاضبون لأنهم يدعمون طريقة حياة مجموعة من الناس لا تهتم بحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس قيام الدولتين، ويزجون بالإسرائيليين فى صراع لا ينتهي. والأسوأ أن الناس فى تل أبيب، بينما يعلمون أن المستوطنين يحجرون على سياسة البلاد، لا يعرفون كيف يغيرون هذا الوضع. وبالنسبة للنخبة السياسية، وبرغم الدعوات المتكررة فى هرتزيليا من جانب قادة سياسيين بارزين، مثل تسيبى ليفنى، وإيهود باراك، وشاءول موفاز، ودان مريدور، إلى حتمية تبنى حل الدولتين، أصبح من الواضح أن النظام السياسى الإسرائيلى عاجز عن الوفاء بهذا. ويضاعف من هذا الاختلال الوظيفى الخوف فى إسرائيل من تراجع قوة الولاياتالمتحدة. فالإسرائيليون يعتمدون على أمريكا اعتمادا كبيرا، وهم يخشون الآن من أن تعجز أمريكا عن حملهم فوق ظهرها. وقد غادرت البلاد يراودنى الشعور بأننى لم يسبق لى أن رأيت إسرائيل على هذا الحال من الإحباط. فالنخب والناس على حد سواء يبدون منهكين وغير متأكدين من أى شىء على الإطلاق. وهذا لا يثير الدهشة، من المنظور الأمريكى. فقد أسهمت عقود من سياسات المحافظين الجدد المدمرة تجاه الشرق الأوسط، والتى يجرى التراجع عنها ببطء، إسهاما مباشرا فيما آلت إليه الأمور. وسياسات المحافظين الجدد، مثل عملهم على تغيير النظام فى العراق، وبناء المستوطنات فى الضفة الغربية، وقطع الاتصالات الدبلوماسية مع سوريا وتبنى العمل العسكرى ضد إيران، لم تحقق مصالح إسرائيل أو الولاياتالمتحدة. ما وجه الغرابة إذن فى أن يؤيد الإسرائيليون رجلا مثل أفيجدور ليبرمان والحكومة الحالية المتشددة؟ إن الإسرائيليين يريدون السلام.. ويريدون الأمن.. وهم يريدون كذلك حكومة قادرة على حمايتهم فى الأوقات العصيبة. ولذا، فهم يسعون إلى الحضن الدافئ لأكثر الحكومات التى تعيها ذاكرتنا تشددا. لذلك، فمن المؤسف والمثير للدهشة معا أن يحن الإسرائيليون إلى الراحة، التى كانوا يشعرون بها فى ظل الحديث المحافظ الجديد المتشدد على عهد بوش، بالرغم من إعجابهم الذى لا نظير له برئيس أمريكى كانت سياساته على طرفى نقيض مع سياسات بوش، هو الرئيس كلينتون. وقد تعطى هذه الحقيقة، حقيقة أن الإسرائيليين أحبوا كلينتون وسياساته، قدرا من الأمل، حيث إن سياسات أوباما تقترب كثيرا من سياسات كلينتون. وحتى الآن، تحتاج دولة إسرائيل إلى القليل من الأمل، لأن دولة إسرائيل ليست على ما يرام حتى الآن. Guardian Syndication