نائب رئيس جامعة القاهرة يلتقي وفداً من جامعة ولاية بنسلفانيا هاريسبرج الأمريكية    "الوطنية للانتخابات" تعلن الخميس القائمة المبدئية لمرشحي مجلس النواب 2025 وتبدأ مرحلة الطعون    جامعة حلوان تشارك في المعرض السنوي للثقافات العسكرية    سكك حديد مصر تعود للحياة.. الجمهورية الجديدة تنطلق بأكبر خطة تطوير    محافظ أسيوط يتابع إنتاج مشغل الخياطة بالمجمع الحرفي بالشامية    الداخلية تضبط 326 قضية مخدرات وتنفذ أكثر من 63 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    وزارة الصحة تغلق مركزا غير مرخص للتجميل بمدينة نصر.. التفاصيل صادمة    ضبط 12 ألف لتر سولار وبنزين داخل محطتين وقود بدون ترخيص بالبحيرة    مصرع عامل وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب سيارة بصحراوي البحيرة    العد التنازلي بدأ.. المتحف المصري الكبير يستعد لإبهار زواره بكنوز الفرعون الذهبي    إكسترا نيوز تستعرض ردود الأفعال بشأن قمة شرم الشيخ للسلام    محمود عبد المغنى يشارك فى بطولة فيلم شمس الزناتى وينتظر عرض صقر وكناريا    عمر عبد العزيز وشيرى عادل لجنة تحكيم مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "طيات السكون" للفنان محمود حامد    وزير التعليم العالي يشهد فعالية حول "تعزيز ثقافة وتراث مصر" بالجامعة الأمريكية    أحمد طه: الجودة في الرعاية الصحية متأصلة في جذور الحضارة المصرية    وفد صيني رفيع المستوى يزور مجمع الأقصر الطبي    «الصحة» تنظم يومًا علميًا للتدريب على الأدلة الاسترشادية المصرية    وزير الصحة يبحث مع وزيرة الصحة الألمانية تعزيز التعاون المشترك    المكسب هو الحل.. ماذا يحتاج المنتخب السعودي والعراقي من أجل حسم التأهل إلى كأس العالم؟    تصفيات المونديال في 3 قارات.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    اليوم.. أول اجتماع للجنة تطوير الإعلام برئاسة خالد عبد العزيز    الكنيسة الأسقفية تؤيد اتفاق شرم الشيخ وتثمن جهود القيادة المصرية من أجل السلام    رئيس جامعة جنوب الوادي يتابع المشروعات التطويرية بالمدن الجامعية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    «الأرصاد» تكشف حالة حالة الطقس اليوم: «نشاط رياح وأمطار خفيفة»    اليوم.. الحكم على 4 متهمين ب"خلية الحدائق"    الأمن يفحص فيديو لشاب يستعرض بدراجة نارية بطريقة خطرة في أحد الطرق العامة    أسعار اللحوم اليوم اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    وزير الصناعة والنقل يترأس الاجتماع الثاني والثلاثين للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية    «التضامن» تطلق حملة «خليك سند» لتقديم حزمة أنشطة تنموية لطلاب المرحلة الابتدائية بمدارس مشروعات السكن البديل    أسعار الحديد والأسمنت في مصر اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    بايدن يعلق على قمة شرم الشيخ للسلام: عملت على إعادة الرهائن وتقديم الإغاثة للفلسطينيين    عاجل- جورجيا ميلوني: ناقشت مع الرئيس السيسي مراحل تنفيذ خطة السلام في الشرق الأوسط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    وزير الزراعة يبحث مع نظيره الموريتاني تعزيز سبل التعاون الزراعي المشترك    وزارة التجارة الصينية تدعو أمريكا إلى إظهار الصدق في المحادثات التجارية    «حل مشكلتك» عماد النحاس يحرج نجم الأهلي برسالة صريحة    إبراهيم حسن: هناك من يكره وجودنا في منتخب مصر    سعر سبيكة الذهب اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025.. بكام سبيكة ال5 جرام بعد القفزة الأخيرة؟    صحيفة ألمانية: سياسة برلين تجاه حرب غزة أفقدت ألمانيا نفوذها الدولي    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    ترامب يعلن عزمه لقاء زيلينسكي في البيت الأبيض الجمعة المقبلة    رئيس المجلس الأوروبي: تخصيص 1.6 مليار يورو لدعم السلطة الفلسطينية خلال العامين المقبلين    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    خالد الغندور: مصر زعيمة الأمة العربية ولها دور فعال فى إنهاء الحرب بغزة    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    توتر داخلي وعدم رضا.. حظ برج الدلو اليوم 14 أكتوبر    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدر اتجاه البندقية
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 09 - 2011


إنه يبتسم.

مددوه وسط الجموع وقيل.. صلوا له. قد وقع على وجهه ساعى الموت بالأحرف الأولى من مخبئه فوق السطوح، ثقبا فى الجبهة. فى سعيه لأن يتصيد الكلمات الطائرة.. كرامة، حرية.. عدالة اجتماعية. صلوا له.

مسحت يد الدم، فاندفع دم آخر. وابتسم الفتى مفتوح العينين. انحنيت أقبّل وثيقة يناير على وجهه. فلم يشح عنى، أو يشتمنى معابثا كما توقعت. تلك إرادته. الإرادة أن يفعل الواحد منا أو لا يفعل. أو حتى يكتفى بابتسامة، لن تنال منها بنادق الرجال الملثمين فوق الأبنية. فلا كلمات لديهم، دربوها أن تمحو الابتسامات.

جاءت إحداهن ركضا من الضفة الأخرى للميدان. رفعت يده وتركتها. فأسقطها لها على الأسفلت طائعا. ولم يمد يده ليتناول علبة سجائرى من جيبى ضاحكا كصديق. لكنه اكتفى بالابتسام. تعبير لا تغفله عينا فتاة من عينين تلاحقانها.

بعدما كف عن هتافات كانت تغلف منها الجسد. فكان أن تقلصت وبدت مثل زنبرك ملفوف عن آخره. حيث لا موضع للوقار فى الميدان.

رغبت فى أن أعرف ماذا يعنى جسد ممدد، لجسد آخر يتقلص فوق أسفلت الميدان. غير أن الفضول غير الميدانى بدا بلا معنى لزنبركين. واحد يوشك على الانفلات، وآخر يبدأ الامتلاء. فقد كانت تمارس طقسا وثنيا مليئا بالأسرار.

وطبعا لا ترى أحدا من هذه الحشود. التى أطلقت نصف دمائها فى الميدان. ولم تصل بعد إلى أية فضاءات أبعد من ابتسامة، يتطاير فوقها شعر فتاة. على الأكثر يد بها سوار وخاتم، تمتد إلى صفحة وجهه كأم أنهكتها العذرية.

قلت لها فى الحقيقة لست متأكدا إن كانت سمعتنى أم لا أن هذا ليس وقت التحدث الرسمى باسم ديسمبر أو أغسطس. ولا باسم أية دماء لا تزال رهن العروق. دعى من لم تجف عن ملابسه غازات الشرطة أو رائحة يناير. أو تمح عن جلده بقايا عطر امرأة. من لا يزال يراسل النساء عبر النظر والابتسام. ويلاحقهن بما تبخر من دمائه. وبما يلصقه إلى ثيابهن من شهوات. تنضج فيهن كروم يناير من.. كرامة، حرية.. عدالة اجتماعية.

ظلا يتراسلان بالأعضاء على وقع ماء يناير ورصاصه. ويتدربان على مطالعة الفتنة الأرضية التى كم حجبتها الجنة. ليشع فضاء الميدان بكهرباء المادة التى عجنت منها مفردات الأرض. وأيدى الجموع التى ترسم أقواسا من حجارة مبللة بالدماء.

فدم يتبع من دم الأثر.

ودم يمدد أحمره أمام رصاصة ليبطلها،

ويهتف.. يناير جاء.

ليس فى الجنة من يناير أو فصول، أو غضب.

يشهر الله الخطايا فى يناير.

ويبدى تسامحه لدى انفصال نبوءتين.

فى يناير، يخلق الله الحجر.

ليجعل من البازلت والطوب المدبب

قولا شاعريا.

جفت الأقلام، وامحت الصحف القديمة.

فالدماء تضل وجهتها إلى الميادين،

لتضىء للأمطار مهواها،

إلى.. حيث البشر.

ولترشد حائرين إلى خارج حدود الجنة. ويظهر لهما أن الميدان أحلى. وأن الهتاف نوع من الخصب، فيعملان على استئناسه داخل الأرحام والعروق. مثلما تثوى بذور الرفض فى عصير الفاكهة المحرمة. فما يريانه دماء حقيقية.. وليست عطرا سماويا. تبذله الملائكة للمضطجعين الأطهار، فوق الأرائك فى خلو بال. لا يكدرهم جوع، ولا تربكهم شهوات.

فكان أن خرجا معا مشفوعين بمباركة الإله. الذى خلق لهما الميدان، ووصمه بالماء والابتسام والخطيئة.

خرجا برفقة العصاة، وصانعى الجنون من وراء الأسوار العالية. إلى ميدان لا تحده جدران أو مدافن. فقط القناصة، وصفوف من لابسى الأسود. وعيا معا أن الخلود توءم الموت. وأن الميدان حياة تلد موتا، وموتا يلد حياة. هنا لا ديمومة أو فناء. إنما مطر من الرصاصات المحشوة بتاريخ خاصمه الله. ودماء وارتعاشات أرضية. وهواء أرضى مشبع بالهتاف. يسعى إلى اتزان جديد، كلما ثقبته صلية من رصاص مدفع آلى. لملثم يحاول أن يثقب كل هواء المدينة. فى احتراف يليق بزعيم. لا بقناص فوق مدرعة. بينما يعلو فى سماء الميدان هدير الصلاة الجماعية ليتصيد الرصاص. ويتطاير الرصاص ليتصيد الكلمات. وتتطاير الكلمات لتتصيد الدماء من العروق. وتكثر الابتسامات ورعشات الأعضاء كى تتصيد الزمن. دورة كونية مرعبة تعلو فيها تراتيل المصريين المصطفين، تؤمهم امرأة إلى جوار رجل.

يا نار.. كونى بردا وسلاما. يا برد، كن دفئا ورغيفا.

أنى لى أن أحبل من بسمة شفتين، ومن ثقب فى الجبهة. يا ماء.. كن أوراقا خضراء، وعشبا وحشيا

يرسم خارطة الميدان. ويا ميدان.. فجر عروقى بالبصيرة.

لن ينزف دم من البدايات الصغيرة. هذه الأوطان فوق

تحمل الجرح الوحيد. فكيف تعطينا البكارة ما نريد.

من زحام الضوء فى نهر الثقوب المستديرة؟.

يا رب.. علمنا القوة والجنونا.

والتين والزقوم. والجوع فى الأحشاء والعسل المبين.

دع الحجارة فى شرايينى. دع لى دمى. ودع الهتاف

لنا يغطى عورتينا. هذا غد عربى ينفذ من شروخ فى الهواء.

ومن اشتباك أيدينا.

أو تنتوى موتا إذا لجأنا إلى جرحك صاعدينا؟.

لا تغمضى العينين، فهذا وطن له شكل مدرعة ترقص.

وطن يشبه قول الزور. يأتيه العسكر من بين يديه ومن خلفه.

ويبتذل الجنونا.

فدع ابتسامتك هنا. ولمعة عينيك وثقب الجبهة. سيطوقونك بالزهور وبالمراسيم البهية.. بالمراثى والبنوك. ويرجمونك فى العشية. هذا أسفلت تنتسب إليه الأعضاء. فلا تحقن دماءك فى زجاجات التفاوض. كى لا تشد الخيط

ما بين ابتداء الكبرياء، والصلاة.. كرامة، حرية..

عدالة اجتماعية.

ختمت الملايين صلاتها الهادرة. وإذا الميدان يضطرب بالهتاف. الذى يرتد صرخات أنثوية وكائن جديد تدفع به عضلات الأرحام إلى الوجود. ليختلط الصراخ بالهتاف. والدماء بالمياه، برعشات الأعضاء، برجرجة الأسفلت. ويصطك الحديد بالحديد، لآلات تتغذى على الأبدان الفتية. فى هدير كونى هو من بدع الفصام، وتجليات انشطار النفس على نفسها. أغنية يلحنها الوجود مرة واحدة، وللأبد.

وإذا المضطجع مضطجع لا يزال. من أبدل بالزحام هويته. بعدما استعد ببسمة وثقب فى الجبهة أرقام أصحابه وصديقته فى قائمة تليفونه المحمول لا تزال. كيف يكون مات ولا تمحى الأرقام. بل ويظل هاتفه يرن فى جيبه بصراخ منغم.. الشعب يريد أن يحب الحياة. كول تون يتوالى فى تراسل بدائى بسيط. دونما رقابة أمن، أو رسوم إضافية توجبها لائحة الخروج من الجنة. فقط بمجرد ابتسامة.

هل هذا موت؟.

هل من الموت أن يضخ أحدنا فى ماء عين الآخرين ملحا جديدا له طعم التاريخ والأنوثة؟. أيكون شهيدا من يحرض الآخرين أن يكثروا من الحديث عنه. ثم يغافلهم، ليصالب الكوفية على صدره ويتمدد مبتسما فوق الأسفلت. وبثقب صغير فى الجبهة، يختزل المعجم إلى ثلاث كلمات، يعيد بها تصفيف اللغة. أيكون شهيدا من حرض يناير كى يتمرد على حكمة الفصول. ويجهر بجنونه الخاص. بأن يكف حنجرته عن الهتاف. على سبيل معابثة الفتيات. فتراهن وقد اندفعن فجأة تغطين أنفسهن بالأيدى لدى توقف الهتاف. ثم ليضىء الأسفلت بالأخضر النيونى. كأنما نحن فى بدء الخليقة.

هكذا.. ليعيد تعريف الأنوثة والذكورة. ويستولد حشو الرصاصات قمحا، وخيالا، وكلمات غزلية.. كرامة، حرية.. عدالة اجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.