كوريا الشمالية: الولايات المتحدة استخدمت ذريعة الأمن القومي للتعدي على سيادة الدول    «تألق أمام العين الإماراتي».. جوارديولا يكشف سرا عن نجم مانشستر سيتي    «ثغرة أم المعارك».. كيف خسر الأهلي سلاحه الفتاك بسبب ريبيرو؟ (تحليل)    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتهم بقضية الطفل ياسين في البحيرة    أحمد مجدي يصر على الصلح مع أسماء أبواليزيد في الحلقة ال 8 من «فات الميعاد» (تفاصيل)    عقوبة الهاكر.. الحبس وغرامة 50 ألف جنيه وفقًا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الأمريكي على إيران    سعر الدولار اليوم الاثنين 23-6-2025 يقفز عالميًا بعد هجمات الولايات المتحدة على إيران    سعر الذهب اليوم الإثنين 23-6-2025 بعد الانخفاض الكبير عالميًا    مباراة الأهلي ضد بورتو في كأس العالم للأندية.. الموعد والقنوات الناقلة والمعلقون    أسعار الفراخ اليوم الاثنين 23-6-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية    «شغلوا الكشافات».. تحذير من حالة الطقس اليوم: 3 ظواهر جوية تضرب البلاد    نتيجة الشهادة الإعدادية في أسيوط 2025 برقم الجلوس.. استعلم فور ظهورها    الحكومة: لا توجد أي مخاطر على سعر الصرف.. واحتياطي السلع آمن ومطمئن    إسعاف الاحتلال: عدة إصابات أثناء التوجه إلى الملاجئ بعد هجوم صاروخى إيرانى    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    هاني شاكر يلتقي «جمهور البالون» 18 يوليو المقبل    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    تردد القناة الناقلة لمباراة باريس سان جيرمان ضد سياتيل ساونديرز في كأس العالم للأندية    جمال عبد الحميد: كنت أتمنى بقاء الرمادي في تدريب الزمالك    أحمد بلال: الزمالك تعاقد مع مدير رياضي لم يلعب كرة القدم من الأساس    تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق.. جرحٌ ينكأ ذاكرة العنف الطائفي(تقرير)    صفارت الإنذار تدوي في إسرائيل بسبب هجوم صاروخي إيراني جديد    نانسي عجرم تُشعل مهرجان موازين في المغرب بعودة مُبهرة بعد سنوات من الغياب    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    «أكسيوس»: الهجوم على إيران كان عملية ترامب وليس البنتاجون    وسائل إعلام إيرانية: عراقجي يؤكد مناقشة التحديات والتهديدات المشتركة مع بوتين    جراء الضربة الأمريكية.. معهد الأمن الدولي: مجمع أصفهان النووي الإيراني تضرر بشدة    وزير خارجية إيران يُعلن عزمه لقاء بوتين لمناقشة التهديدات المشتركة    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالصف    رئيس «كهرباء القناة» يتابع سير العمل بمركز إصدار الفواتير وإدارة الأزمات    فاتورة التصعيد الإسرائيلى- الإيرانى.. اشتعال أسعار الطاقة وارتباك الأسواق واهتزاز استقرار الاقتصاد العربى.. توقعات بزيادة التضخم مجددا فى الأسواق الناشئة وإضراب في سلاسل الإمداد    طبيبة كفر الدوار تطعن على حكم إيقافها 6 أشهر في قضية إفشاء أسرار المرضى    برواتب تصل إلى 13 ألف جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة للشباب    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    85% حد أدنى للشهادات المعادلة.. تنسيق برنامج تكنولوجيا تصنيع الملابس 2025    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    الدكتور علي جمعة: المواطنة هي الصيغة الأكثر عدلًا في مجتمع متعدد العقائد    بالأرقام.. ممثل منظمة الصحة العالمية: 50% من حالات السرطان يمكن الوقاية منها    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    «الخدمات الطبية» تقدم فحصًا طبيًا ل312 حالة من العاملين بكهرباء جنوب القاهرة    محافظ كفر الشيخ يشيد بحملات طرق الأبواب بالقرى لنشر خدمات الصحة الإنجابية    موعد افتتاح المتحف المصري الكبير    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    لا تسمح لأحد بفرض رأيه عليك.. حظ برج الدلو اليوم 23 يونيو    تفاصيل القبض علي المتهم بقتل زوجته بعلقة موت في الدقهلية    غرق شابان في بركة زراعية على طريق شرق العوينات في الوادي الجديد    رئاسة حى غرب المنصورة تواصل حملاتها المكبرة لرفع الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    إسلام الشاطر: الأهلى محتاج 5 صفقات وديانج مختلف وغياب إمام مؤثر جدا    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    «الشيوخ» ينتقد أوضاع كليات التربية.. ووزير التعليم العالى: لسنا بعيدين عن الموجود بالخارج    اعتماد نتيجة امتحانات الترم الثاني لمعاهد "رعاية" التمريضية بالأقصر.. تعرف على الأوائل    تقديم الخدمات الطبية ل1338 مواطناً فى قافلة مجانية بدسوق في كفر الشيخ    وداعًا لأرق الصيف.. 4 أعشاب تقضي على الأرق وتهدئ الأعصاب    هل يُغسل المتوفى المصاب بالحروق أم له رخصة شرعية بعدم تغسيله؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسار مضطرب إلى مستقبل مقلق
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 09 - 2011

أخشى أن نكون على وشك الانتقال إلى مستقبل مقلق إذا ما استمر الارتباك الحالى فى إدارة المرحلة الانتقالية، وإذا ما اندفعت القوى السياسية طائعة أو مكرهة إلى خوض المعركة الانتخابية، التى اقترب موعدها.

لدىّ اقتناع عميق بإمكانية تجنب هذا المستقبل المقلق إذا ما عدنا إلى بعض الأفكار القديمة، التى يظن البعض أنها فقدت صلاحيتها، لا لشىء سوى اعتقادهم بأنه كفانا ما ضاع من وقت منذ رحيل مبارك، وكفانا ما حفلت به المرحلة الانتقالية من اضطراب وتوتر، وأنه قد آن الأوان للاستقرار بالإسراع بالانتخابات التشريعية والرئاسية، أيا كانت الظروف التى ستجرى فيها وأيا كانت شروط إجرائها وأيا كانت نتائجها. وهذا فى تقديرى حل خطير ينذر بشر مستطير، ألا وهو إزهاق روح الثورة.

●●●

إن الأمر الذى لا شك فيه هو أن الإدارة المرتبكة للمرحلة الانتقالية قد دفعت البلاد للسير على طريق وعر ملىء بالتفرعات والتعرجات والرمال المتحركة، وكان من النتائج الواضحة للسير فى هذا الطريق وما رافقه من تخبط فى ترتيب خطوات الانتقال أن مشاعر القلق الممزوج بشىء متزايد من الإحباط أخذت تتسرب إلى النفوس، وأن اليأس قد استبد بالكثيرين بشأن إمكانية انتقال البلاد إلى نظام سياسى واجتماعى يلبى التطلعات الشعبية إلى الحرية والتنمية السوية والعدل والكرامة. ويضاف إلى هذه المشاعر على خطورتها أمر آخر لا يقل خطورة، ألا وهو التراجع المتزايد فى ثقة الشعب فى قدرة سلطة الحكم الانتقالية على إدارة شئون البلاد إدارة رشيدة. والعوامل الباعثة على هذه المشاعر السلبية كثيرة. واللوم على انبعاثها ليس من نصيب طرف واحد من أطراف العملية السياسية، بل لكل طرف منها نصيب فيه، قل أو كثر.

وأول هذه العوامل هو استطالة أمد غياب الأمن، وما نجم عنه من تفشى الفوضى فى الشارع المصرى على نحو غير مسبوق، ومن تنامى مشاعر الخوف لدى المواطنين لزيادة احتمالات تعرضهم لمخاطر لا قدرة لهم على حماية أنفسهم منها بوسائلهم الخاصة. واللوم هنا يقع فى المقام الأول على سلطة الحكم الانتقالية، التى عجزت أو تراخت فى إصلاح الأجهزة الأمنية على نحو زاد من الاعتقاد بأن غياب الأمن مدبر ومقصود، وأن وراءه ووراء ما يقع من فتن وجرائم بشعة مخطط خبيث يسهر على تنفيذه تحالف شرير من بعض العناصر فى الأجهزة الأمنية وفلول النظام السابق من كبار رجال الأعمال وقيادات الحزب الوطنى المنحل.

وثانى العوامل التى تغذى مشاعر القلق واليأس هو أن التحركات الرامية للخروج من المرحلة الانتقالية تتصف بدرجة عالية من الارتجال ومن الانفراد بالقرار من جانب المجلس العسكرى دونما تشاور كافٍ بينه وبين القوى السياسية المنتسبة للثورة بل مع غياب آلية مناسبة لهذا التشاور. وقد أدى الارتجال الذى ليس له مسوغ فى بلد يزخر بالخبرات والكفاءات فى مختلف المجالات إلى شىء غير قليل من التخبط. كما أن الانفراد بالقرار الذى صاحبه بعض العناد قد ولد حساسيات وربما نفور متبادل بين المجلس العسكرى وبين الكثير من القوى السياسية. ولم يكن لهذا الانفراد من مبرر من جانب المجلس العسكرى، الذى وإن كان لا يمكن لمنصف أن ينكر فضله فى الوقوف إلى جانب الثورة والمساعدة فى خلع مبارك، إلا أنه لم يكن بحكم التكوين المهنى لأعضائه مؤهلا للعمل السياسى وممارسة شئون الحكم.

●●●

كما أن انفراد المجلس العسكرى يزيد من احتمال عرقلة السير نحو الأهداف التى رفعها الثوار، وذلك بحكم أنه كان جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك، ومن ثم لابد وأن يتمسك بسقف للتغيير منخفض بدرجة أو أخرى عن سقف التغيير الذى تتطلع إليه القوى الثورية، وهو ما أدى إلى ظهور فجوة ثقة بين الطرفين. وقد أخذت هذه الفجوة فى الاتساع عندما تحول ما بدا أنه عقد وكالة فوض الشعب بمقتضاه المجلس العسكرى فى تنفيذ مطالب الثورة، إلى نوع من الوصاية أو الولاية التى لا تجوز إلا على القصر وغيرهم من ناقصى الأهلية، حيث ينفذ الوصى أو الولى ما يعتقد أنه فى مصلحة الخاضع للوصاية أو الولاية، لا ما يريده الأخير. وهذا أمر لابد وأن يقع اللوم فيه فى المقام الأول على المجلس العسكرى، وفى المقام الثانى على القوى السياسية التى بدا أنها تخلت بسرعة عن فكرة المجلس الرئاسى المدنى أو المدنى العسكرى، كما أنها لم تبذل ما يكفى من الجهد لإنجاح مشروع المجلس الوطنى الذى تبلور فى مؤتمر مصر الأول.

ولا يمكن إنكار أن محاولات قد جرت لإجراء نوع من الحوار الوطنى أو للتوصل إلى وفاق قومى. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل جراء سوء التخطيط والتنظيم، وبسبب سوء اختيار من كلفوا بهذه المهمة أو لأطراف الحوار، حيث كان من الطبيعى أن يفسد الحوار بدعوة نفر من رموز النظام السابق وصناع سياساته ومؤازرى الوريث الذى كان محتملا. وقد تجلى سوء الاختيار من جانب المجلس العسكرى فى مناسبات متعددة، كان أولها تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بانحياز واضح لتيار الإسلام السياسى وتهميش للتيارات الأخرى. بل وكان سوء الاختيار واضحا فى انتقاء المواد، التى أراد المجلس استفتاء الشعب عليها، حيث كانت أكثريتها من المواد التى أراد مبارك إنقاذ حكمه بطرحها للاستفتاء الشعبى.

وقد تواترت حالات سوء الاختيار بعد ذلك لتشمل اختيار وزراء ومحافظين ومستشارين من أعوان النظام السابق أو ممن لم يعرف عنهم أى نوع من المعارضة العلنية لذلك النظام، وهو ما استثار غضب الشعب وجعله يحتج بأشكال مفرطة فى العنف فى بعض الحالات. والغريب أن المجلس ما زال يتبع هذا الأسلوب البائس، كما يتضح من قائمة المدعوين للحوار معه الأحد الماضى. فقد اشتملت القائمة على رؤساء الأحزاب القديمة، وأكثرها صنعت بتوجيه ودعم قيادات النظام السابق وحزبه وأجهزته الأمنية على سبيل استكمال المظهر الديمقراطى. وقد كان من الواجب حل هذه الأحزاب ودعوتها لإعادة إشهار نفسها بذات الشروط، التى تطبق على الأحزاب الجديدة، وذلك نزولا على مقتضيات العدالة وتكافؤ الفرص.

●●●

وثمة عامل ثالث ساعد على استفحال فجوة الثقة فى المجلس العسكرى وحكومته، وهو غياب الانسجام بين هذين الطرفين. فقد تكرر أن تعد الحكومة بأمور، وتتوصل إلى حلول تهدئ غضب الشعب بعض الشىء، وتساعد على إزالة بعض حساسيات القوى السياسية من المجلس العسكرى، ثم يفاجأ الناس بعدم إقرارها أو بتجاهلها كلية من جانب هذا المجلس. والأمثلة كثيرة، نذكر منها وعد الحكومة بتخفيض عدد التوكيلات التى يتطلبها قانون الأحزاب لإشهار حزب جديد، ووعدها بتعديل قانون الأحزاب بما يجعل لنظام القائمة الثلثين وللنظام الفردى الثلث، وتوصلها لوثيقة المبادئ الأساسية للدستور ولمعاير اختيار لجنة وضع الدستور، وقرار الحكومة باعتبار المناصب القيادية بالجامعات شاغرة من أول يوليو، وقرارها بالنظر فى صلاحية قانون الغدر كما هو أو بإدخال تعديلات عليه أو صياغة بديل له لإنجاز عملية التطهير التى طال انتظارها، وقرارها باستدعاء السفير المصرى لدى إسرائيل الذى تسترت على اضطرارها لسحبه بادعاء أنه كان مجرد مسودة لمشروع لم يتم إقراره.

ولابد أن تضاف إلى ظاهرة الانقسام داخل سلطة الحكم ظاهرة أخرى ذات تأثير سيئ على الروح المعنوية للمواطنين الذى اشتركوا فى صنع الثورة أو آزروها بقلوبهم، ألا وهى افتقاد أداء المجلس العسكرى وحكومته للنفس الثورى. وهو ما تجلى فى المحدودية الشديدة لما جرى من تطهير فى القليل من مؤسسات الدولة، وتوقف محاكمات قيادات النظام السابق عند جرائم الفساد المالى وجرائم قتل الثوار وعدم امتدادها لجرائم الفساد السياسى، والسكوت على محاولات احتواء الثورة من الخارج واستبقاء مصر الثورة فى مناطق النفوذ الاقتصادى والسياسى لدول المركز الرأسمالى، والتخاذل فى الرد على الاعتداء الإسرائيلى على الحدود وعلى قتل جنودنا وضباطنا.

كما كان غياب النفس الثورى واضحا فى الموازنة العامة التى اعتمدها المجلس العسكرى، والتى قلص فيها الزيادة فى الإنفاق العام، التى كانت الحكومة قد اقترحتها والتى كنا نعتبرها أقل مما يجب، وحافظ على الانحياز للأغنياء ورجال الأعمال الذى انتقدناه، وذلك بدعوى تشجيعهم على زيادة استثماراتهم. وهو ما أثار غضب كثير من الجماعات، التى تجاهل النظام السابق مطالبها، والتى كانت تتوقع الإنصاف من سلطة الحكم الجديدة. كما أن هذا المسلك لم ينجح فى حفز المستثمرين المحليين والأجانب، الذين يعتبرون الهاجس الأمنى أشد عائق للاستثمار. وكان من الأنسب أن يتبنى المجلس وحكومته موازنة توسعية تنعش الاقتصاد بزيادة الأجور والاستثمار العام الإنتاجى والخدمى، وتقلل من الإنفاق غير الضرورى، لاسيما دعم الأغنياء. ولذا لم يكن غريبا أن يزداد حنق شرائح كثيرة من الطبقة العاملة وتتصاعد احتجاجاتها على عدم الاستجابة لمطلب إعادة هيكلة الأجور، ووضع حد أدنى إنسانى وحد أعلى يقلص الفروق الأجرية الواسعة، فضلا عن تذمرها من إعاقة نضالها من أجل حقوقها بتجريم الإضرابات والاعتصامات.

●●●

أما العامل الرابع من عوامل إثارة القلق بشأن المستقبل فهو محاولة السير وفق قواعد تجافى المنطق السياسى السليم والخبرات التاريخية. فثمة إصرار على تسيير العربة، مع أن العربة قد وضعت أمام الحصان، لا خلفه. وهذه هى معضلة البدء بالانتخابات التشريعية، ثم قيام البرلمان المنتخب باختيار لجنة وضع الدستور الجديد. فبأى منطق يراد للأدنى الذى هو البرلمان أن يتحكم فى الأعلى الذى هو الدستور؟! وبأى مسوغ يدفع الناس لانتخابات تجرى بنظام مختلط خليق بأن يربك الناخبين لاسيما مع شيوع الأمية والاتساع الكبير فى مساحة الدوائر الانتخابية، وتدور فيها المعارك الانتخابية فى ظروف يغيب عنها الأمن، ومن المرجح أن تزداد فيها البلطجة، وفى توقيت لم يتح فيه للناخبين التعرف على برامج الأحزاب الجديدة؟! وما الداعى لإرهاق الأحزاب، وبخاصة الجديد منها، بالتقدم بعدد ضخم من المرشحين لمجلسين نيابيين يرى الكثيرون أن أحدهما لا لزوم له، وهو مجلس الشورى، وإن تضاءل احتمال استبعاد هذا المجلس من جانب لجنة وضع الدستور التى سيشارك أعضاء الشورى فى اختيارها. وكيف يمكن القفز إلى مرحلة الانتخابات وموضوع العزل السياسى لم يحسم بعد؟! بل كيف نجرى انتخابات يفترض أنها خطوة على طريق بناء النظام الجديد، وما زالت أكثرية أركان النظام القديم قائمة بحكم التراخى فى عملية التطهير؟!

ومن اليسير التكهن بنوعية التركيبة الطبقية والسياسية للبرلمان الذى ستأتى به هذه الانتخابات. إذ يتوقع كثير من المراقبين أن يكون حظ القوى المنتسبة للثورة قليل بحكم ضعف إمكاناتها المالية وحداثة تنظيمها، وأن الفوز الأكبر سيكون من نصيب من يملك المال الوفير الذى يمكن أن يوظف فى شراء الأصوات وفى استخدام البلطجية، ومن يستطيع أن يستغل المشاعر الدينية للناخبين. وهذه هى جماعات الإسلام السياسى، وغيرها من القوى التقليدية، خاصة كبار رجال الأعمال والمنتسبين للعائلات الثرية فى الريف والصعيد وأصحاب العصبيات القبلية؛ والكثيرون منهم من فلول النظام السابق وحزبه المنحل. فهل هذا هو البرلمان الذى نتوقع منه اختيار الجمعية التأسيسية لوضع دستور دولة الثورة؟ بالقطع لا. إن هذه الإجابة تفرض علينا البحث عن مخرج من المأزق الذى تقودنا إليه انتخابات لم تتهيأ لها الظروف المواتية بعد، والذى لا يلام عليه المجلس العسكرى وحده، بل يلام عليه أيضا بعض صناع الثورة وأنصارها الذين يتعجلون إنهاء «حكم العسكر»، ولا يرون له بديلا غير هذه الانتخابات التعيسة، وتلك الجماعات الدينية التى تعجلت المشاركة فى الحكم أو السيطرة عليه إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وكذلك القوى السياسية المدنية التى ضعفت قدرتها التفاوضية فى مواجهة المجلس العسكرى نتيجة الانقسام وغياب التنسيق أو تأجيله لمرحلة متأخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.