بالأسماء، "الصحفيين" تعتمد نتيجة لجنة القيد الأخيرة للانتقال لجدول المشتغلين    فضيحة اسمها الانتخابات    تطبيق خارطة الطريق في أسرع وقت.. رئيس الوزراء: ملف الإعلام أولوية قصوى    بنك التعمير والإسكان يحقق أرباحًا قياسية تصل إلى 8.927 مليار جنيه وبنسبة نمو 73.1%    "تراجع المستعمل لا يتوقف".. بيجو 301 موديل 2020 ب570 ألف جنيه    الخارجية الروسية تكشف ملامح لقاء بوتين وترامب المرتقب    شوبير أم الشناوي، من يحرس مرمى الأهلي أمام فاركو؟    محافظ الإسكندرية يقرر فصل عامل طلب إكرامية من رواد شاطئ    إطلاق "وثيقة القاهرة" كأول ميثاق شرعي وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى    مؤتمر الإفتاء يحذر: فتاوى الذكاء الاصطناعي تشوه الدين    "إيه الجمال ده".. ميرنا جميل تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    محافظ الإسماعيلية يوجه فرع الرعاية الصحية بتخصيص الفترة الصباحية لكبار السن (صور)    ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟    مجلس الوزراء يستهل اجتماعه بدقيقة حدادا على روح الدكتور علي المصيلحي    رغم الخلاف مع نتنياهو.. رئيس الأركان الاسرائيلي يصدق على الأفكار الرئيسية لاحتلال غزة    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    وزارة الرياضة: نسعى لمنظومة خالية من المنشطات.. ونراقب عقوبات الجماهير وعقود اللاعبين    بعد صرف 800 مليون إسترليني.. هل نشهد أقوى سباق على الإطلاق للفوز بلقب الدوري الإنجليزي؟    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    «غربلة وتغييرات».. إعلامي يكشف قرار ريبيرو المفاجئ تجاه هؤلاء في الأهلي    نور وغزل تحرزان ذهبية تتابع ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة بالإسكندرية    رئيس الوزراء ينعي الأديب المصري الكبير صنع الله إبراهيم    عالم "ياسمين" السري.. تفاصيل مثيرة حول "شاب بلبيس" المنتحل صفة أنثى على "تيك توك"    "المتحدة" تطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    فكك 6 شبكات تجسس.. قصة خداع «ثعلب المخابرات المصرية» سمير الإسكندراني للموساد الاسرائيلي    جامعة الجلالة توجه الشكر لأول مجلس أمناء بعد انتهاء بعد دورته    مجلس الوزراء يوافق على إعفاء سيارات ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية    القائمة بأعمال وزيرة البيئة تتابع آخر مستجدات العمل بمصرف المحيط بالمنيا    "هيلعبوا بالفلوس لعب".. 4 أبراج على موعد مع الثراء وتحول مالي كبير    أكاديمية الفنون تكشف عن موعد انطلاق «مهرجان مسرح العرائس».. بالتفاصيل    حقق إجمالي 141 مليون جنيه.. تراجع إيرادات فيلم المشروع X بعد 84 يومًا    «مصر وطني الثاني».. راغب علامة ينهي أزمته مع نقابة الموسيقيين بعد لقاء مصطفى كامل    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟.. علي جمعة يضع روشتة ربانية للنجاة والثبات على الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    تخفيف الزحام وتوفير الأدوية.. تفاصيل اجتماع رئيس "التأمين الصحي" مع مديري الفروع    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويحيل عاملا للتحقيق- صور    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    إنهاء إجراءات فتح حساب بنكى لطفلة مريضة بضمور النخاع الشوكى بعد تدخل المحافظ    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة يتفقد أحد مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    شجرة أَرز وموسيقى    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسار مضطرب إلى مستقبل مقلق
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 09 - 2011

أخشى أن نكون على وشك الانتقال إلى مستقبل مقلق إذا ما استمر الارتباك الحالى فى إدارة المرحلة الانتقالية، وإذا ما اندفعت القوى السياسية طائعة أو مكرهة إلى خوض المعركة الانتخابية، التى اقترب موعدها.

لدىّ اقتناع عميق بإمكانية تجنب هذا المستقبل المقلق إذا ما عدنا إلى بعض الأفكار القديمة، التى يظن البعض أنها فقدت صلاحيتها، لا لشىء سوى اعتقادهم بأنه كفانا ما ضاع من وقت منذ رحيل مبارك، وكفانا ما حفلت به المرحلة الانتقالية من اضطراب وتوتر، وأنه قد آن الأوان للاستقرار بالإسراع بالانتخابات التشريعية والرئاسية، أيا كانت الظروف التى ستجرى فيها وأيا كانت شروط إجرائها وأيا كانت نتائجها. وهذا فى تقديرى حل خطير ينذر بشر مستطير، ألا وهو إزهاق روح الثورة.

●●●

إن الأمر الذى لا شك فيه هو أن الإدارة المرتبكة للمرحلة الانتقالية قد دفعت البلاد للسير على طريق وعر ملىء بالتفرعات والتعرجات والرمال المتحركة، وكان من النتائج الواضحة للسير فى هذا الطريق وما رافقه من تخبط فى ترتيب خطوات الانتقال أن مشاعر القلق الممزوج بشىء متزايد من الإحباط أخذت تتسرب إلى النفوس، وأن اليأس قد استبد بالكثيرين بشأن إمكانية انتقال البلاد إلى نظام سياسى واجتماعى يلبى التطلعات الشعبية إلى الحرية والتنمية السوية والعدل والكرامة. ويضاف إلى هذه المشاعر على خطورتها أمر آخر لا يقل خطورة، ألا وهو التراجع المتزايد فى ثقة الشعب فى قدرة سلطة الحكم الانتقالية على إدارة شئون البلاد إدارة رشيدة. والعوامل الباعثة على هذه المشاعر السلبية كثيرة. واللوم على انبعاثها ليس من نصيب طرف واحد من أطراف العملية السياسية، بل لكل طرف منها نصيب فيه، قل أو كثر.

وأول هذه العوامل هو استطالة أمد غياب الأمن، وما نجم عنه من تفشى الفوضى فى الشارع المصرى على نحو غير مسبوق، ومن تنامى مشاعر الخوف لدى المواطنين لزيادة احتمالات تعرضهم لمخاطر لا قدرة لهم على حماية أنفسهم منها بوسائلهم الخاصة. واللوم هنا يقع فى المقام الأول على سلطة الحكم الانتقالية، التى عجزت أو تراخت فى إصلاح الأجهزة الأمنية على نحو زاد من الاعتقاد بأن غياب الأمن مدبر ومقصود، وأن وراءه ووراء ما يقع من فتن وجرائم بشعة مخطط خبيث يسهر على تنفيذه تحالف شرير من بعض العناصر فى الأجهزة الأمنية وفلول النظام السابق من كبار رجال الأعمال وقيادات الحزب الوطنى المنحل.

وثانى العوامل التى تغذى مشاعر القلق واليأس هو أن التحركات الرامية للخروج من المرحلة الانتقالية تتصف بدرجة عالية من الارتجال ومن الانفراد بالقرار من جانب المجلس العسكرى دونما تشاور كافٍ بينه وبين القوى السياسية المنتسبة للثورة بل مع غياب آلية مناسبة لهذا التشاور. وقد أدى الارتجال الذى ليس له مسوغ فى بلد يزخر بالخبرات والكفاءات فى مختلف المجالات إلى شىء غير قليل من التخبط. كما أن الانفراد بالقرار الذى صاحبه بعض العناد قد ولد حساسيات وربما نفور متبادل بين المجلس العسكرى وبين الكثير من القوى السياسية. ولم يكن لهذا الانفراد من مبرر من جانب المجلس العسكرى، الذى وإن كان لا يمكن لمنصف أن ينكر فضله فى الوقوف إلى جانب الثورة والمساعدة فى خلع مبارك، إلا أنه لم يكن بحكم التكوين المهنى لأعضائه مؤهلا للعمل السياسى وممارسة شئون الحكم.

●●●

كما أن انفراد المجلس العسكرى يزيد من احتمال عرقلة السير نحو الأهداف التى رفعها الثوار، وذلك بحكم أنه كان جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك، ومن ثم لابد وأن يتمسك بسقف للتغيير منخفض بدرجة أو أخرى عن سقف التغيير الذى تتطلع إليه القوى الثورية، وهو ما أدى إلى ظهور فجوة ثقة بين الطرفين. وقد أخذت هذه الفجوة فى الاتساع عندما تحول ما بدا أنه عقد وكالة فوض الشعب بمقتضاه المجلس العسكرى فى تنفيذ مطالب الثورة، إلى نوع من الوصاية أو الولاية التى لا تجوز إلا على القصر وغيرهم من ناقصى الأهلية، حيث ينفذ الوصى أو الولى ما يعتقد أنه فى مصلحة الخاضع للوصاية أو الولاية، لا ما يريده الأخير. وهذا أمر لابد وأن يقع اللوم فيه فى المقام الأول على المجلس العسكرى، وفى المقام الثانى على القوى السياسية التى بدا أنها تخلت بسرعة عن فكرة المجلس الرئاسى المدنى أو المدنى العسكرى، كما أنها لم تبذل ما يكفى من الجهد لإنجاح مشروع المجلس الوطنى الذى تبلور فى مؤتمر مصر الأول.

ولا يمكن إنكار أن محاولات قد جرت لإجراء نوع من الحوار الوطنى أو للتوصل إلى وفاق قومى. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل جراء سوء التخطيط والتنظيم، وبسبب سوء اختيار من كلفوا بهذه المهمة أو لأطراف الحوار، حيث كان من الطبيعى أن يفسد الحوار بدعوة نفر من رموز النظام السابق وصناع سياساته ومؤازرى الوريث الذى كان محتملا. وقد تجلى سوء الاختيار من جانب المجلس العسكرى فى مناسبات متعددة، كان أولها تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بانحياز واضح لتيار الإسلام السياسى وتهميش للتيارات الأخرى. بل وكان سوء الاختيار واضحا فى انتقاء المواد، التى أراد المجلس استفتاء الشعب عليها، حيث كانت أكثريتها من المواد التى أراد مبارك إنقاذ حكمه بطرحها للاستفتاء الشعبى.

وقد تواترت حالات سوء الاختيار بعد ذلك لتشمل اختيار وزراء ومحافظين ومستشارين من أعوان النظام السابق أو ممن لم يعرف عنهم أى نوع من المعارضة العلنية لذلك النظام، وهو ما استثار غضب الشعب وجعله يحتج بأشكال مفرطة فى العنف فى بعض الحالات. والغريب أن المجلس ما زال يتبع هذا الأسلوب البائس، كما يتضح من قائمة المدعوين للحوار معه الأحد الماضى. فقد اشتملت القائمة على رؤساء الأحزاب القديمة، وأكثرها صنعت بتوجيه ودعم قيادات النظام السابق وحزبه وأجهزته الأمنية على سبيل استكمال المظهر الديمقراطى. وقد كان من الواجب حل هذه الأحزاب ودعوتها لإعادة إشهار نفسها بذات الشروط، التى تطبق على الأحزاب الجديدة، وذلك نزولا على مقتضيات العدالة وتكافؤ الفرص.

●●●

وثمة عامل ثالث ساعد على استفحال فجوة الثقة فى المجلس العسكرى وحكومته، وهو غياب الانسجام بين هذين الطرفين. فقد تكرر أن تعد الحكومة بأمور، وتتوصل إلى حلول تهدئ غضب الشعب بعض الشىء، وتساعد على إزالة بعض حساسيات القوى السياسية من المجلس العسكرى، ثم يفاجأ الناس بعدم إقرارها أو بتجاهلها كلية من جانب هذا المجلس. والأمثلة كثيرة، نذكر منها وعد الحكومة بتخفيض عدد التوكيلات التى يتطلبها قانون الأحزاب لإشهار حزب جديد، ووعدها بتعديل قانون الأحزاب بما يجعل لنظام القائمة الثلثين وللنظام الفردى الثلث، وتوصلها لوثيقة المبادئ الأساسية للدستور ولمعاير اختيار لجنة وضع الدستور، وقرار الحكومة باعتبار المناصب القيادية بالجامعات شاغرة من أول يوليو، وقرارها بالنظر فى صلاحية قانون الغدر كما هو أو بإدخال تعديلات عليه أو صياغة بديل له لإنجاز عملية التطهير التى طال انتظارها، وقرارها باستدعاء السفير المصرى لدى إسرائيل الذى تسترت على اضطرارها لسحبه بادعاء أنه كان مجرد مسودة لمشروع لم يتم إقراره.

ولابد أن تضاف إلى ظاهرة الانقسام داخل سلطة الحكم ظاهرة أخرى ذات تأثير سيئ على الروح المعنوية للمواطنين الذى اشتركوا فى صنع الثورة أو آزروها بقلوبهم، ألا وهى افتقاد أداء المجلس العسكرى وحكومته للنفس الثورى. وهو ما تجلى فى المحدودية الشديدة لما جرى من تطهير فى القليل من مؤسسات الدولة، وتوقف محاكمات قيادات النظام السابق عند جرائم الفساد المالى وجرائم قتل الثوار وعدم امتدادها لجرائم الفساد السياسى، والسكوت على محاولات احتواء الثورة من الخارج واستبقاء مصر الثورة فى مناطق النفوذ الاقتصادى والسياسى لدول المركز الرأسمالى، والتخاذل فى الرد على الاعتداء الإسرائيلى على الحدود وعلى قتل جنودنا وضباطنا.

كما كان غياب النفس الثورى واضحا فى الموازنة العامة التى اعتمدها المجلس العسكرى، والتى قلص فيها الزيادة فى الإنفاق العام، التى كانت الحكومة قد اقترحتها والتى كنا نعتبرها أقل مما يجب، وحافظ على الانحياز للأغنياء ورجال الأعمال الذى انتقدناه، وذلك بدعوى تشجيعهم على زيادة استثماراتهم. وهو ما أثار غضب كثير من الجماعات، التى تجاهل النظام السابق مطالبها، والتى كانت تتوقع الإنصاف من سلطة الحكم الجديدة. كما أن هذا المسلك لم ينجح فى حفز المستثمرين المحليين والأجانب، الذين يعتبرون الهاجس الأمنى أشد عائق للاستثمار. وكان من الأنسب أن يتبنى المجلس وحكومته موازنة توسعية تنعش الاقتصاد بزيادة الأجور والاستثمار العام الإنتاجى والخدمى، وتقلل من الإنفاق غير الضرورى، لاسيما دعم الأغنياء. ولذا لم يكن غريبا أن يزداد حنق شرائح كثيرة من الطبقة العاملة وتتصاعد احتجاجاتها على عدم الاستجابة لمطلب إعادة هيكلة الأجور، ووضع حد أدنى إنسانى وحد أعلى يقلص الفروق الأجرية الواسعة، فضلا عن تذمرها من إعاقة نضالها من أجل حقوقها بتجريم الإضرابات والاعتصامات.

●●●

أما العامل الرابع من عوامل إثارة القلق بشأن المستقبل فهو محاولة السير وفق قواعد تجافى المنطق السياسى السليم والخبرات التاريخية. فثمة إصرار على تسيير العربة، مع أن العربة قد وضعت أمام الحصان، لا خلفه. وهذه هى معضلة البدء بالانتخابات التشريعية، ثم قيام البرلمان المنتخب باختيار لجنة وضع الدستور الجديد. فبأى منطق يراد للأدنى الذى هو البرلمان أن يتحكم فى الأعلى الذى هو الدستور؟! وبأى مسوغ يدفع الناس لانتخابات تجرى بنظام مختلط خليق بأن يربك الناخبين لاسيما مع شيوع الأمية والاتساع الكبير فى مساحة الدوائر الانتخابية، وتدور فيها المعارك الانتخابية فى ظروف يغيب عنها الأمن، ومن المرجح أن تزداد فيها البلطجة، وفى توقيت لم يتح فيه للناخبين التعرف على برامج الأحزاب الجديدة؟! وما الداعى لإرهاق الأحزاب، وبخاصة الجديد منها، بالتقدم بعدد ضخم من المرشحين لمجلسين نيابيين يرى الكثيرون أن أحدهما لا لزوم له، وهو مجلس الشورى، وإن تضاءل احتمال استبعاد هذا المجلس من جانب لجنة وضع الدستور التى سيشارك أعضاء الشورى فى اختيارها. وكيف يمكن القفز إلى مرحلة الانتخابات وموضوع العزل السياسى لم يحسم بعد؟! بل كيف نجرى انتخابات يفترض أنها خطوة على طريق بناء النظام الجديد، وما زالت أكثرية أركان النظام القديم قائمة بحكم التراخى فى عملية التطهير؟!

ومن اليسير التكهن بنوعية التركيبة الطبقية والسياسية للبرلمان الذى ستأتى به هذه الانتخابات. إذ يتوقع كثير من المراقبين أن يكون حظ القوى المنتسبة للثورة قليل بحكم ضعف إمكاناتها المالية وحداثة تنظيمها، وأن الفوز الأكبر سيكون من نصيب من يملك المال الوفير الذى يمكن أن يوظف فى شراء الأصوات وفى استخدام البلطجية، ومن يستطيع أن يستغل المشاعر الدينية للناخبين. وهذه هى جماعات الإسلام السياسى، وغيرها من القوى التقليدية، خاصة كبار رجال الأعمال والمنتسبين للعائلات الثرية فى الريف والصعيد وأصحاب العصبيات القبلية؛ والكثيرون منهم من فلول النظام السابق وحزبه المنحل. فهل هذا هو البرلمان الذى نتوقع منه اختيار الجمعية التأسيسية لوضع دستور دولة الثورة؟ بالقطع لا. إن هذه الإجابة تفرض علينا البحث عن مخرج من المأزق الذى تقودنا إليه انتخابات لم تتهيأ لها الظروف المواتية بعد، والذى لا يلام عليه المجلس العسكرى وحده، بل يلام عليه أيضا بعض صناع الثورة وأنصارها الذين يتعجلون إنهاء «حكم العسكر»، ولا يرون له بديلا غير هذه الانتخابات التعيسة، وتلك الجماعات الدينية التى تعجلت المشاركة فى الحكم أو السيطرة عليه إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وكذلك القوى السياسية المدنية التى ضعفت قدرتها التفاوضية فى مواجهة المجلس العسكرى نتيجة الانقسام وغياب التنسيق أو تأجيله لمرحلة متأخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.