نشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية تقريرًا لأنتونى كورديسمانAnthony H. Cordesman أشار فيه إلى أن المنافسة مع إيران أصبحت أشبه بمباراة شطرنج ثلاثية الأطراف، لكنها مباراة يمكن لكل طرف فيها تغيير بعض القواعد مع كل نقلة. وهى مباراة استمرت على مدار ثلاثة عقود. ومن الواضح أيضا أنه من غير المرجح إنهاؤها بواسطة حوار أفضل أو تفاهم متبادل، وأن النسخة الإيرانية من «الديمقراطية» لا يحتمل أن تغير أسلوب لعبها فى المستقبل المنظور. ويعد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تحليلا مفصلا حول تاريخ هذه المنافسة وسمات، كجزء من المشروع الذى تدعمه سميث ريتشاردسون فاونديشن. وقد أسفر هذا عن إعداد تقرير بعنوان «المنافسة فى أفغانستان ووسط آسيا وباكستان»، وهو متاح حاليا على موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على الإنترنت. لم تركز المنافسة الأمريكيةالإيرانية الاستراتيجية فى البداية على جنوب ووسط آسيا، رغم أنها مناطق مصالح لكل من واشنطن وطهران. كما تعنى الطبيعة المجزأة للإقليم أن أيا منهما ليس لديه استراتيجية كلية بشأن المنطقة، بل ينتهج بدلا من ذلك سياسة خارجية مستقلة تعمل لحساب مصالحه المحددة داخل كل بلد.
وتحمل المنطقة تحديات استثنائية معقدة إلى كل من أمريكا وإيران، مع وجود انقسامات اثنية، وتوتر تاريخى ونمط مشترك من الاقتصاد النامى، إلى جانب إمكانات حدوث إضرابات واسعة النطاق. كما سيكون للانسحاب المتوقع للقوات الأمريكية عام 2014 أثر كبير على سياسات المنطقة. فبعد الفراغ الذى ستخلفه أمريكا، من المتوقع أن تحاول إيران توسيع نفوذها، بينما تتأنى أمريكا فيما يتعلق بمدى الالتزام المادى الملائم لمصالحها بالمنطقة بعد أفغانستان. ولدى الولاياتالمتحدة قرارات صعبة لابد لها من اتخاذها ستفرضها قضايا متنوعة من بينها الحرب فى أفغانستان والاضطراب المتنامى فى باكستان وما إذا كان يتعين على أمريكا السعى بنشاط من أجل مصالحها الاستراتيجية بآسيا الوسطى فى مواجهة ضغوط روسيا والصين ومزاياهما.
وتعتبر إيران لاعبا فى المعادلة. إذ تقع دول كثيرة فى المنطقة على محيطها مباشرة، وتتجاوز قوى الإضطراب والعنف والجريمة الحدود الإقليمية. وحتى الآن، وفى المحصلة النهائية، كان التأثير الإيرانى فى المنطقة إيجابيا، لكن تنامى المنافسة الامريكيةالإيرانية يمكن أن يؤدى إلى منافسة سلبية قائمة على العاطفة أكثر منها مصلحة استراتيجية عقلانية. ففى افغانستان، ساهمت إيران فى جهود تحقيق الاستقرار فى غرب افغانستان، لكنها دعمت كذلك بعض الهجمات على القوات الأمريكية، وتسيطر على مسار المواد اللوجيستية لجهود الأممالمتحدة المتعلقة بالغذاء. وتوسع إيران دورها فى أفغانستان، وسوف تبحث عن حماية مشددة للأقليات الشيعية داخل أفغانستان، ونفوذ اقتصادى وسياسى متنامٍ داخل البلاد، ليس فى غرب أفغانستان فحسب، بل كذلك لدى الحكومة فى كابول.
تسعى إيران إلى أن تكون لها علاقات أكثر دفئا مع باكستان من أجل زيادة جهود استتباب الأمن على الحدود ومنع الاضطراب على طول جانبها الشرقى. ويواجه مثل هذا الانفراج فى العلاقات مشاكل عديدة، من بينها الانقسام السنى الشيعى بين البلدين، وتأثير المنافسة الإيرانية السنية بالمنطقة، والعصابات الإجرامية العابرة للحدود، والاشتباه فى وجود ملاذات آمنة فى باكستان لجماعات البلوش الانفصالية المتواطئة فى أعمال عنف إرهابية داخل إيران. ومع ذلك، فكل من البلدين مستاء بشكل يتنامى باستمرار من الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة، ويفتح عدم تحمس كل منهما لوجود أمريكى طويل الأمد فى المنطقة بابا للتعاون المحتمل.
وفيما يتعلق بآسيا الوسطى، ليس من الواضح أن باستطاعة إيران أن يكون لها دور مهيمن فى المنطقة، بينما الصين وروسيا وتركيا جهات فاعلة رئيسية وتلعب كل دولة منها فى آسيا الوسطى، مثلها فى ذلك مثل قوى كثيرة خارجية ومحلية، ضد بعضها البعض كلما أمكن. ومن المرجح أن يؤثر تناقص حاجة أمريكا إلى المنطقة كمحور لوجستى للإمدادات العسكرية إلى أفغانستان على علاقة أمريكا مع كل دولة، وهو ما سيؤدى على الأرجح إلى تضاؤل اهتمام أمريكا والتزماتهما. ورغم هذا، يعد مخزون المواد الهيدروكربونية واسع النطاق فى بعض البلدان مثل كازاخستان وتركمانستان من الاعتبارات المهمة، ومن المرجح أن يكون مجالا للمنافسة المتزايدة.
إجمالا، لا تشكل المنافسة الاستراتيجية الاعتبار الأول فى سياسة أمريكا وإيران فى هذه المنطقة. ولكل من البلدين مصالح محددة متطورة، الأمر الذى يرجح أن يحدث تغييرا فى ترتيب الأهداف الاستراتيجية الكبرى لكل بلد فى عصر ما بعد أفغانستان. ويرجح أن تنعكس طريقة انسحاب أمريكا من المنطقة، وطبيعة المنافسة الأمريكيةالإيرانية الأوسع، على أسلوب المنافسة ونطاقها، وأن تحدد ما إذا كانت المنطقة ستصبح مركزية أم هامشية بالنسبة لاتجاهات أوسع للمنافسة.