نائب رئيس جامعة الأزهر يشدد على ضرورة الالتزام بالضوابط واللوائح المنظمة لأعمال الامتحانات    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    إعلان نتائج مسابقة الطلاب المثاليين بكليات جامعة المنيا الأهلية    أسعار الدواجن والبيض مساء السبت 14 يونيو 2025    إزالة 60 حالة تعدٍّ على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في أسوان    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    بمنافذ ثابتة ومتنقلة.. طرح خضروات وفاكهة بأسعار مخفضة في الوادي الجديد    تاياني: إسرائيل حصلت على معلومات عن استعداد إيران لإنتاج 10 قنابل نووية    «سنقف إلى جانب إيران».. وزير دفاع باكستان يطالب باتحاد العالم الإسلامي ضد إسرائيل    مانشستر سيتي ينهي إجراءات ضم النرويجي سفيري نيبان والكشف الطبي الاثنين    «توقعاتي مختلفة».. أول رد من ميسي قبل مواجهة الأهلي في كأس العالم للأندية    نجم الأردن يكشف حقيقة اهتمام الأهلي والزمالك بضمه    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    ديمبلي: أطمح للفوز بالكرة الذهبية    محافظ القليوبية يعلن جاهزية اللجان لاستقبال طلاب الثانوية العامة    عاجل.. السجن المؤبد لمتهمة وبحيازة مواد مفرقعة بالهرم    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    تاجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير للربع الأخير من العام الجاري    «إيه اليوم الحلو ده؟».. أول تعليق ل يوسف حشيش بعد زفافه على منة القيعي    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل ب زاوية صقر بالبحيرة (صور)    مسلسل فات الميعاد.. هل تطلب أسماء أبو اليزيد الطلاق من أحمد مجدي بعد سرقته لها    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    محافظ المنوفية يدشن القافلة الطبية والغذائية بالمجان لعمال منظومة النظافة    اختيار مصر للاستفادة من برنامج CIF لخفض الانبعاثات بالقطاع الصناعي بقيمة مليار دولار    وزير الصحة يعتمد خطة التأمين الإسعافية لامتحانات الثانوية العامة    هيئة الرقابة النووية تنفي أي تغير أو زيادة بالخلفية الإشعاعية في مصر    القوات المسلحة تنظم زيارة للملحقين العسكريين إلى عدد من المنشآت.. صور    ستاد القاهرة يستضيف مباريات منتخب مصر في بطولة العالم لناشئي كرة اليد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    توقيع بروتوكول تعاون بين جامعة كفر الشيخ وأمانة المراكز الطبية المتخصصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم    وزير الصحة يعتمد خطة التأمين الإسعافية تزامنًا مع بدء امتحانات الثانوية العامة    تل أبيب تلوّح بالهيمنة الجوية على طهران.. فهل تغيّر إيران معادلة الرد؟    يسرى جبرى يرد على من يقولون إن فريضة الحج تعب ومشقة وزيارة حجارة    رئيس الوزراء يتفقد مدرسة رزق درويش الابتدائية بزاوية صقر الطلاب: البرنامج الصيفي مهم جدا لصقل المهارات    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    مواطن لرئيس الوزراء: "بنتي اتعمت".. ومدبولي: "هنعمل اللازم فورًا"    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    القبض على شخص أطلق النيران على زوجتة بسبب رفضها العودة اليه بالمنيا    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    نجاح استئصال جذرى للكلى بالمنظار لمريض يعانى من ورم خبيث بمبرة المحلة    "الحياة اليوم" يناقش آثار وتداعيات الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    ضبط 3 عاطلين وسيدة بتهمة ارتكاب جرائم سرقات في القاهرة    نجم الأهلي: لن نبخل بنقطة عرق أمام إنتر ميامي    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    مدرب إنتر ميامي يراهن على تأثير ميسي أمام الأهلي    على غرار ياسين.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة برائحة الكافور
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 10 - 2011

نادرا ما تجد الحياة متلاصقة بالموت على هذه الشاكلة.. نادرا ما تجد الفرح والموسيقى وكل مؤشرات الحياة تنبض هنا فوق هذه الأرض تستريح فوق القبور.. هو مربع ينقش تفاصيل لحيوات فى حضنه وعلى أطرافه تستلقى المقابر واحدة ملتصقة بالأخرى لم تعد هناك مساحة للأحياء فكيف الأموات؟!

هو مربع تكتظ فيه المساكن، تلتصق البيوت بل هى أشباه بيوت وأشباه نوافذ وأشباه غرف.. تبقى تراكمات الزبالة هى العنوان الأكبر.. لا خدمات هنا فقد اختفت تلك من المناطق المرفهة نسبيا فما بالك بحى كهذا. رغم أنه محاط بالأضرحة هنا الإمام الشافعى وعلى بعد مسافة بسيطة ترقد السيدة نفيسة وهكذا.. يقترب الفقراء من الأضرحة يلتصقون بها ربما أو علّها تخفف من معاناتهم..

شوارع ضيقة وأعداد من البشر، من الواضح جدا ان البطالة مرتفعة لا تحتاج إلى مراكز للإحصاء لتخبرك بنسبتهم، فهاهم قد افترشوا اشباه الأرصفة وصفوا «الشيش»، وراحوا يرتشفون الشاى والقهوة والينسون محاولة لينسوا انهم يسكنون فى حضن الموت.. كثرة مدن الموت لم تعد هى ظاهرة قاهرية، فهناك مدن للموتى تحولت إلى مساكن يعيش بها آلاف بل ملايين من البشر.. يتوالدون ويفرحون ويزفون بناتهم وأولادهم ويقيمون الأفراح كلما استطاعوا سبيلا! ولكن تبقى الحياة الملاصقة للموت موضعا للتساؤل.

حدثنا ذاك الجالس فى غرفة شديدة الصغر وقبو أصغر أكلت نصفه الرطوبة وهى الأخرى تنضم إلى الموت والزبالة لتشكل أحد أعداء سكان هذا المربع.. على الجهة الأخرى من تلك الغرفة غرفة ثانية هى قاعة اجتماعات تلك الجمعية.. كم هى بعيدة عن ما نعرفه من مسميات «هيئات المجتمع المدنى» العربية والأجنبية منها! وكما هو حال سكان هذا المربع والقبور المحيطة هو الآخر قسم غرفته إلى مطبخ صغير ومرافق أخرى تفصلها عن الغرفة ستائر ربما استعارها من منزله.

غواية الفقر والموت ربما؟! تبقى هذه الجمعية هى الوحيدة التى تحارب تلك الغواية وأفاتها.. فهنا فى المربع نفسه وما حواليه من سكان للمقابر لا مدارس ولا مرافق صحية ولا خدمات لرفع القمامة أو حتى لحفظ الأمن.. هم، أى سكان هذه المقابر خارج الزمن.. وخارج المدنية وخارج حتى التاريخ ربما.. يتذكرونهم دوما عندما تبدأ «غزوات الصناديق» يرتفع ثمنهم فى تلك اللحظات فقط! يصبح لصوتهم قيمة فهم كتلة بشرية لا يستهان بها.. كما يتذكرهم الإعلام عند زيارة الشخصيات «المهمة» فتزدحم عدسات المصورين، ويزداد الضجيج القادم إلى مدن الموت والحياة.. تدب حياة أخرى فى حياتهم.. ترتفع ابتساماتهم ويزداد فرحهم.. «ها هو الخير قادم»، ويبشر الآباء ابنائهم بالرحيل من تلك المدن القاتلة.. تقول الأم لأبنائها الذين يتقاسمون اللقمة بأيام الأسبوع لكل طفل منهم يوم للغداء ها نحن راحلون بعيدا عن جدران أكلتها الرطوبة حتى غزت أجسادهم الصغيرة.. تزداد الابتسامات اتساعا مع قدوم التليفزيونات ومقدمى البرامج.. هم أيضا موسميون فقط.. ثم ما تلبث وتعود للأيام رتابتها وتطير الوعود محلقة أو تدفن بالقرب من بقايا آدمية!

كل خير هنا مرتبط بموسم غير أن مواسمها كلها لا يجمعها سوى الكثير من الموت اليومى، الذى يطاردهم بفعل انتشار الأمراض والاوبئة.. وهناك أمراض أخرى يقول ذاك الجالس فى غرفته الصغيرة يجمع ما يستطيع من قدره ليخلص أهالى المربع وساكنى المقابر من نهاية تتنوع أشكالها.. يؤكد أن عدد الأطفال الذين يخطفون فى ازدياد، ويكمل هى عصابات تعرف أن هذه المنطقة منزوعة الأمن والأمان، ولذلك تخصصت فى خطف أطفال المنطقة لأغراض تتفاوت من تشغيلهم فى التسول وغيره أو بيع أعضائهم.. وقبل ان يكمل توصيفاته لأمراض المنطقة تمر فتاة حاملة شنطة مدرسة.. إذن ما زال البعض يقاوم بطرقه المختلفة عبر كسر قيد الجهل أو حلقته، التى تطارد هؤلاء الراقدين فى حضن القبور!

بين زقاق وآخر تتراءى الوجوه البائسة امرأة هنا تسكن أحد المقابر مع ابنتها المصابة بشكل من أشكال الإعاقة.. وعائلة أخرى تكتظ فى الغرف المحيطة ب«حوش» المقبرة أجساد صغيرة ترص على الأرض أو فوق قطعة من الخشب القديم تحولت بفعل الحاجة إلى سرير.. هى نفسها غرفة نومهم ودراستهم وطعامهم وتسليتهم.. وعلى الجانب الآخر مطبخهم فى الحوش تفصله ستارة بالية عن الحمام!

وعند البحث عن بعض مظاهر الفرح جلست نسوة وبعض الرجال يفترشون الأرض الجرداء يحضرون لحفلة زفاف ابنتهم فى ذلك المساء.. تزف الابنة على ابن عمها ويعودون ليكملوا فرحهم فى حضن الموت.. هكذا هو الفرح المغمس بطعم الموت.. هكذا هم سكان ذاك المربع حيث لا مكان يبعدهم عن الموت سوى اللجوء للأضرحة وجمعية يتيمة تبشرهم بأن هناك حياة خارج مدنهم المسكونة برائحة الكافور!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.