اعتمد الكاتب البارز السيد ياسين في أطروحته الجديدة عن "آفاق المعرفة في عصر العولمة" على تحليل ثقافي عربي واع بالعقل النقدي العربي من مصادر عربية عارفة بمشاكله ومقدرة لإخفاقاته، منتقدا بشدة الروشتات الغربية. ففي الكتاب الجديد، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يرى ياسين أن دراسة حالة مصر السياسية- التي قام بها مجموعة من باحثي معهد كارنيجي الأمريكي، ومن بينهم عمرو حمزاوي- تتحيز للموقف الأمريكي الذي يتدخل في الشئون الداخلية للدول بزعم نشر الديمقراطية. ويضيف أنه رغم توثيق الدراسة الدقيق لتراجع الإصلاحات السياسية في مصر عام 2006 عما تحقق عام 2004، إلا أنها تتجاهل ما وصفه بالسجل الأسود لواشنطن في مجال حقوق الإنسان. ولاحظ ياسين، في هذا الصدد، دعوة دراسة كارنيجي لإدماج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية المصرية، باعتبارها أقوى جماعات المعارضة، رغم أنهم يهدفون استراتيجيا إلى تكوين دولة دينية. ولذلك يعتمد الباحث على منجز المفكر المغربي محمد عابد الجابري في فهم "العقل السياسي العربي"، والذي يرتكز على العقيدة (الإسلام)، والقبيلة (باعتبارها العمود الرئيس للمجتمعات العربية)، والغنيمة (أي نظام توزيع الثروة). إخفاق العرب في تطبيق الحداثة الفكرية ويرى ياسين أن معضلة الديموقراطية العربية تتمثل في عدم رغبة النخبة السياسية العربية الحاكمة في قبول مبدأ المشاركة في السلطة، لافتا إلى أن التحليل الثقافي يعطينا نتائج أعمق مؤداها أن المجتمع التقليدي العربي لم يستطع اجتياز اختبار الحداثة الغربية (أي الديموقراطية وتداول السلطة). ويضيف أن هناك إخفاقا آخر في تطبيق الحداثة الفكرية، التي تقوم على مبدأ أن العقل هو محك الحكم على الأشياء، وليس النص الديني، وكذلك الإخفاق في الحداثة الاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرغم مما سبق، إلا أن السيد ياسين يؤكد، في أطروحته الجديدة عن "آفاق المعرفة في عصر العولمة"، استحالة تعميم عملية التحول الديموقراطي في العالم العربي، ضاربا مثلا بالحالتين المصرية واللبنانية. فالأولى تعاني من ضعف الأحزاب، وسيطرة حزب واحد في السابق على الحكم، أما الثانية فتعاني من الطائفية وليس الديموقراطية. ويضيف أنه مما يحد أيضا من هذا التحول المنشود هو تنامي أحزاب المعارضة الإسلامية، بحكم تمسكها التنظيمي وخداعها للناس باسم الإسلام، وكذلك معارضة الأحزاب لهذه التيارات، والتي لا تقل ضراوة عن معارضة النظم الحاكمة. غياب العقل النقدي العربي واعتبر أن مسيرة التنمية العربية- منذ الخمسينيات حتى اليوم- تركز على الأبعاد الاقتصادية على حساب التطور السياسي والتقدم المعرفي، واصفا الثقافة العربية بأنها ثقافة تحت الحصار، لأنه لا يمكن لمجتمع- مهما بلغت إنجازاته الاقتصادية- أن يتقدم في ظل سيادة الشمولية والسلطوية، التي من شأنها أن تمنع إطلاق المبادرات الخلاقة للأفراد، وكذلك يؤثر عليها شيوع عقلية التحريم. ورأى أن هناك تجاهلا لفكرة أن مجتمع المعلومات العالمي هو نموذج حضاري متكامل يقوم على الديموقراطية والشفافية وحرية تداول المعلومات، ولا يمكن أن تتعلق المسألة بزيادة عدد مستخدمي الإنترنت. وأضاف أن غياب العقل النقدي العربي يعد أحد مظاهر الأزمة الثقافية العربية، لأن غياب هذا العقل أدى لممارسات سلبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفرق ياسين بين مثقف السلطة الذي دخل في أغوارها عقب الاستقلال الوطني، والمثقف المعارض الذي ظل على معارضته ودفع ثمنها، غير أنه رأى، في النهاية، أن المهمة الملقاة على عاتق المثقف الآن ليس قبول أو رفض العولمة، بل كيفية توجيه المجتمعات لتفاعل خلاق مع العولمة، بهدف تقليل الخسائر وفق استراتيجية بصيرة.