لا يمكن لبناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فى مصر أن ينجح دون بروز نخبة جديدة تسهم فى إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة بمسئولية وفاعلية وأمانة وطنية بعيدا عن الحسابات الضيقة والطريقة الروتينية والمصالح الشخصية. تحتاج مصر لهذه النخبة وبشدة لأن مؤسساتنا الحكومية المدنية والأحزاب السياسية تعانى من علل كثيرة ستستغرق الكثير من الوقت لتجاوزها. نخبة مدنية جديدة تستطيع أن تطور رؤية إستراتيجية للمرحلة الراهنة وتتحاور من موقع الندية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتوافق حول ملامحها وحلول القضايا الكثيرة المعلقة. مصر اليوم أشبه ما تكون بجمهورية اللجان والمجالس والمبادرات والاجتماعات التشاورية التى لا تنتهى، والحصيلة دوما ما تأتى ضعيفة للغاية إما لغياب الرؤية الواضحة أو لعجز الأطراف المشاركة عن تجاوز طرق العمل العام والسياسى القديمة. نحتاج لنخبة مدنية جديدة تجمع بين سياسيين ومفكرين ومثقفين وإعلاميين وممثلين لفئات المجتمع المختلفة لهم قبول مبدئى فى الشارع المصرى ولديهم من الإمكانات ما يؤهلهم للنجاح ومن الشجاعة ما يمكنهم من مخاطبة الرأى العام طلبا للتأييد والمساندة والامتناع عن التشكيك والتخوين حين الاختلاف. نخبة مدنية جديدة تؤمن بأن هذا الوطن هو لجميع المواطنات والمواطنين وبأن لكل فرد به الحق فى التعبير عن رأيه وقناعاته وبأن غاية الديمقراطية هى أن يستمع لكل رأى وأن يأخذ فى الاعتبار ونحن نفكر فى هوية وملامح مصر المستقبل. نخبة قادرة على التواصل عبر الحواجز الفكرية والسياسية والحزبية دون ممارسة للاستعلاء أو لإسكات الآخرين، وقادرة على تطوير مواقفها وقراءتها للمشهد الراهن وفقا لتحولاته دون خوف من أن ترمى بالتقلب والتذبذب ودون احتماء بالسلطة. نخبة مدنية جديدة تأتى برصيد من خبرة النجاح فى مجال عملها وتمثل الوطن ككل وليس العاصمة فقط وتقوى على إتخاذ قرارات شجاعة وتوظف بإيجابية مساحة الحرية الموجودة فى ظل سيولة المشهد الراهن. لا يملك المجلس الأعلى للقوات المسلحة إجابات عن كل التساؤلات أو حلول لجميع القضايا العالقة، وهو بالقطع يبحث عن نخبة مدنية تسهم فى إدارة المرحلة حتى وإن اصطدمت به حول بعض الأمور. توقع أن يكون مجلس الوزراء الحالى هو قلب هذه النخبة المدنية الجديدة فى غير محله، وإن كان البعض بالمجلس هم بكل تأكيد ممن يحملون الهموم الوطنية بكفاءة ونزاهة واستقلالية. الكرة الآن فى ملعب العناصر المخلصة (ليسوا بالضرورة القيادات، بل هم فى الأغلب من البعيدين عن المناصب القيادية) بداخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والجامعات والمؤسسات الصحفية على امتداد الوطن للتوافق حول رؤية إستراتيجية وخريطة طريق خطة عمل للمرحلة الراهنة. والدعوة يجب أن تأتى منهم هم لتكوين ما يشبه المجلس الاستشارى للانتقال السياسى والتحول الديمقراطى، إن لم تأت من الجهات الحكومية.