أرادت ملكة إسبانيا أن تزور شقيقها فى لندن (ملك اليونان السابق قسطنطين) بعدما أجرى عملية جراحية فى القلب. فاستقلت مع مرافقيها إحدى الطائرات منخفضة التكلفة فى ذهابها وإيابها، وتكلفت تذكرة النفر منهم 35 دولارا. وقالت صحيفة «بريوديكو» نقلا عن مصادر القصر الملكى إن التذاكر المخفضة كانت الخيار الأفضل للملكة صوفيا لأنها أوفر، وأن أفراد الأسرة الملكية يستخدمون الرحلات الجوية العادية فى سفرياتهم الخاصة شأنهم فى ذلك شأن بقية المواطنين، باستثناء الملك خوان كارلوس الذى عادة ما يسافر بطائرة عسكرية. وحين قرر الرئيس أوباما أن يفى بوعد قطعه لزوجته ميشيل خلال حملته الانتخابية باصطحابها إلى برودواى لمشاهدة أحد العروض المسرحية هناك، فإنه استقل طائرة عسكرية صغيرة إلى نيويورك، وهناك تناول العشاء فى أحد المطاعم ثم ذهب إلى المسرح، وعاد أدراجه بعد ذلك إلى البيت الأبيض (فى واشنطن). لكنه لم يهنأ بما فعل، إذ استغل الجمهوريون المناسبة واتهموه بأنه يستمتع بوقته رغم المصاعب التى تواجه الاقتصاد الأمريكى. وأصدرت اللجنة الوطنية الجمهورية بيانا قالت فيه إنه: فى حين كان الرئيس أوباما يستعد للسفر إلى حى المسارح فى مانهاتن لمشاهدة عرض مسرحى كانت شركة جنرال موتورز تستعد لإعلان إفلاسها، وتستمر عائلات عديدة فى الولاياتالمتحدة فى معاناتها لتتمكن من تسديد فواتيرها. تصرف ملكة إسبانيا والرئيس الأمريكى يعد من الأخبار العادية التى تنشرها الصحف دون أن يكون لها صدى سياسى يذكر. حتى النقد الذى تعرض له الرئيس أوباما لا يبدو أمرا شاذا، سواء فيما صدر عن الجمهوريين، أو فيما خص الإيضاح الذى أصدره وشرح للرأى العام فيه حقيقة ما جرى بالضبط. إلا أن ما جرى فى بريطانيا مشهد مختلف تماما، أحدث زلزالا فى الحياة السياسية، وأدى إلى استقالة رئيس البرلمان، كما أطاح برءوس تسعة وزراء حتى الآن. الحكاية أفاضت فيها الصحف خلال الأسبوعين الأخيرين، وكانت صحيفة «ديلى تلجراف» هى التى أطلقت شرارتها، حين نشرت بيانا بالمصروفات التى تقاضاها الوزراء والنواب من الميزانية عن غير حق. إذ أساءوا استخدام صلاحية وفرها لهم القانون تمكنهم من تغطية بعض النفقات الشخصية والمنزلية لتوفير الاستقرار المناسب لهم. وهى تتراوح بين ترتيب حديقة البيت أو ترميمه أو استئجار وفرش بيوت للقادمين من خارج لندن. وقد تراوحت المبالغ التى حصلها هؤلاء بين 500 جنيه إسترلينى وخمسة آلاف. وهى مبالغ استهولها الشعب البريطانى، ليس لقيمتها المادية، ولكن لدلالتها المعنوية. ذلك أن النواب والوزراء حين حصلوا تلك المبالغ بغير وجه حق، فإنهم فى رأى الناخب البريطانى خانوا الأمانة وفقدوا الثقة والاعتبار. وهى أمور تهدم المستقبل السياسى لأى شخص. وذلك ما حدث بالضبط، حيث لاتزال توابع الزلزال مستمرة حتى اليوم. لا أستبعد أن يلجأ البعض إلى المقارنة بين سلوك ملكة إسبانيا وغيرها من ملكات آخر الزمان. أو بين انتقاد الرئيس الأمريكى لأنه ذهب يستمتع بوقته لعدة ساعات وبين غيره ممن يستمتعون بأوقاتهم طول الوقت. ولن أستغرب إذا انخرط واحد فى البكاء ولطم خديه حين وجد أنهم فى بريطانيا يحاسبون المسئولين ويسقطونهم من مناصبهم جراء استيلائهم غير المشروع على بضع مئات من الجنيهات فى حين أن الأكابر فى بلادنا ينهبون الملايين والمليارات ويكون ذلك أحد مسوغات ارتقائهم فى مدارج السلطة وائتمانهم على مستقبل السياسيات. لكنى ما قصدت شيئا فى كل ذلك، لأن ما همنى أن ثمة قاسما مشتركا بين المشاهد التى ذكرتها. يتمثل فى أمرين، الأول أن الحكام فى تلك البلدان بشر يعيشون على الأرض، وليسوا آلهة تعيش فى الأبراج العالية والنائية. والثانى أن الشعوب هناك يعمل لها حساب، لأن شرعية أولئك الحكام وأنظمتهم مستمدة من رضائها، أما ما عدا ذلك من انطباعات أو تعليقات فلست مسئولا عنه.