إن ثمة فارقا كبيرا بين الحركات والتنظيمات الإسلامية التى مارست وتمارس العمل السياسى بمعناه العام الذى يعنى الاهتمام بقضايا الشأن العام والتفاعل معها بما يحقق مصلحة الأمة أو كأداة للتدافع القيمى والحضارى مع القوى العلمانية والمعارضة للمشروع الإسلامى، وبين نظيرتها التى تشتغل بالسياسة بالمعنى الحزبى التنافسى المباشر فتحل فيها طرفا ضمن جملة أطراف أخرى. إذ يبدو أن الحركات والتنظيمات التى تنتمى للنوع الثانى (الحزبى التنافسى) هى الأقرب فى إمكانية مراجعة نظرتها ومن ثم موقفها من أمريكا ومشروعها فى العالم؛ فالحزبية والتنافسية تنقل هذه الحركات والتنظيمات من كونها إطارا مرجعيا حاضنا للشارع إلى فاعل سياسى حزبى ضمن آخرين فى ماراثون تنافسى ضمن معادلة صراعية (بل وصفرية أحيانا) يدفع به لبناء علاقات مع القوى المتنفذة إقليميا ودوليا. ولعل هذه المسلكية البراجماتية هى التى دفعت بتزايد النقاش فى بعض القيادات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر على سبيل المثال والتى ذهب بعضها إلى صعوبة إنجاز إصلاح داخلى دون موافقة أمريكا ورضاها إن لم يكن تدخلها وجعل فكرة الحوار معها غير مرفوضة مبدئيا كما كان الأمر فى السابق. وما سبق له صلة بمستوى آخر من التحليل يتصل بمدى تأثر الحركات والتنظيمات الإسلامية بالأطروحات القطرية ودرجة استيعابها فى منطق التجزئة وتحولها من الطرح الأممى الطامح لوحدة الأمة (باستعادة الخلافة الإسلامية) إلى طرح وطنى قطرى لا يرى على الأرض أبعد من حدود القطر الذى يصارع على سلطته حتى ولو لم يصرح بذلك. فالمؤكد أن الحركات والتنظيمات التى اقتربت من صيغة الأحزاب الوطنية واستوعبت أو كادت فى إطار دولة التجزئة القطرية صارت أكثر انشغالا باليومى والآنى وبقضايا التدبير السياسى والمعيشى وما تفرضه من صراعات أو تجره من مساومات ( فهى بطبيعتها خلافية). ومن ثم تصير أكثر ابتعادا عن قضايا الأمة محل الاتفاق والإجماع مثل قضايا تحرير فلسطين والعراق وأفغانستان على سبيل المثال.. ومن ثم يصبح هذا النوع من الحركات والتنظيمات الأكثر قابلية للاقتراب من أمريكا. وفى هذا الصدد تبدو التنظيمات الإسلامية القطرية التى ترتبط بالإخوان أو تنتمى إلى نفس مدرستها والتى قطعت شوطا واسعا فى العمل الحزبى والتنافس على المجالس المحلية والبرلمانية أو التى دخلت تحالفات مع السلطة هى الأقرب إلى التفاهم والحوار مع الولاياتالمتحدة خاصة بعدما صارت أهم قوى المعارضة فى بلدانها بعكس التيارات السلفية (على اختلاف بينها) التى لم تدخل بعد اللعبة السياسية التنافسية. وأخيرا يبقى المستوى الثالث والأخير الذى سيتحدد وفقه مستقبل علاقة الحركات الإسلامية بأمريكا وهو الذى نميز فيه بين حركات المركز وحركات الأطراف ومدى ارتباط كل منها بقضايا الأمة المصيرية ووعيها بدورها وموقعها منها وعلى رأس هذه القضايا قضية فلسطين والصراع العربى الصهيونى. فالحركة الإسلامية فى دولة مركز مثل مصر تقع فى قلب الأمة الإسلامية وخاضت أربع حروب ولديها ارتباط مباشر ودائم وعليها مسئولية تاريخية تختلف عنها فى دولة طرف مثل المغرب بعيدة نسبيا عن القضية ولا تتجاوز صلتها بالقضية المجال الرمزى، وكلاهما يختلف عن الحركة الإسلامية فى دولة مثل تركيا ابتعدت لأسباب وظروف تاريخية وسياسية (أهمها ما قطعته التجربة الكمالية فى التغريب والعلمنة) عن قلب الأمة وقضاياها. ومن ثم تبقى على الحركة الإسلامية فى بلاد القلب والمركز والمواجهة المباشرة مع إسرائيل ممثل المشروع الأمريكى فى المنطقة أعباء ومسئوليات وتحديات تحد من فرص التفاهم والتقارب مع الولاياتالمتحدة؛ تماما كما هو الحال فى شأن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، فهى وإن توفر فيها أو فى بعض قادتها إذا أردنا الدقة، الرغبة فى تجاوز حالة العداء والصراع مع الولاياتالمتحدة وبناء علاقات قوية معها فإن المناخ السياسى الذى لا يسمح بتسويات تلبى الحد الأدنى لطموحات شعوب المنطقة لا يسمح لها بالتقدم فى تحقيق هذا التقارب.