تولى المستشار د. عبدالرحمن عزوز رئاسة مجلس الدولة عام 2001 ولمدة 5 سنوات، قرر بعدها الابتعاد تماما عن الأضواء ووسائل الإعلام، حتى أخرجته «الشروق» عن صمته ليدلى بآرائه القانونية فى المشهد الذى تعيشه مصر الآن دستوريا وتشريعيا، وأهم ما ينقص القضاء المصرى ليحقق استقلاله التام عن السلطة التنفيذية بعد ثورة 25 يناير. ويكشف عزوز عن ملابسات تراجعه عن قرار قصر ندب القضاة على جهة إدارية واحدة فقط، وكيف اشترط تعيين المرأة فى النيابة العامة قبل تعيينها قاضية بمجلس الدولة، ويوضح أنه أول من نادى بعدم بقاء القاضى فى موقعه لأكثر من 3 سنوات متتالية، وأن وزير العدل السابق ممدوح مرعى تحفظ على اقتراحه باستقلال التفتيش القضائى عن وزارة العدل خلال اجتماع للمجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويرى عزوز أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية لم يكن له أى فائدة عملية، لكن الإعلان الدستورى الحالى يضمن انتقالا ديمقراطيا للسلطة، وأن المادة الثانية منه الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية لا تمنع قيام أحزاب علمانية ولا تنتقص من حق الأقباط فى المساواة السياسية مع المسلمين، كما يؤكد أن خانة الديانة فى بطاقة الرقم القومى ليس لها أثر فى مجتمع ينادى بالمواطنة. وإلى نص الحوار: ما رؤيتك للوضع الدستورى والتشريعى الذى تعيشه مصر حاليا؟ المشهد الحالى سيصل بمصر إلى بناء نظام ديمقراطى تعددى جديد، وهو يلبى متطلبات المرحلة الحالية رغم وجود بعض السلبيات، ولم تكن هناك أى فائدة عملية من الاستفتاء، لكنه منح الشعب الثقة فى نفسه وفى ممارسة التجربة الديمقراطية وأشعره بزهو الانتصار على النظام السابق، فالحقيقة تقول إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحكم البلاد بتفويض من الميدان والثوار وبحكم الأمر الواقع، وهذا يمنحه حق إصدار إعلان دستورى لحكم البلاد كمظلة مؤقتة حتى تعود القوات المسلحة لثكناتها ويتولى المدنيون حكم البلاد. هل يضمن الإعلان الدستورى انتقالا ديمقراطيا للسلطة؟ بالتأكيد، لأنه ينظم طريقة الخروج من الفترة المؤقتة الحالية، وأى حديث عن مساوئ أو مزايا هذا الإعلان هو «من ترف النقاش الذى تولد بعد الثورة» وسينسى الجميع كل هذا بعد أول انتخابات تشريعية، لأن الأهم حينها سيكون تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد الدائم، الذى ترك المجلس العسكرى طريقة اختيارها لأعضاء البرلمان المنتخب، ويجب عليهم ضم ممثلين لجميع المجموعات والقوى الشعبية النقابية والمهنية والقانونية والنسائية. هل ستنعكس طبيعة النظام الجمهورى المقبل على الهيئات القضائية؟ بالطبع، فإذا كان النظام برلمانيا تتلاشى سلطة رئيس الجمهورية على الهيئات القضائية، أما فى النظام الرئاسى يكون الرئيس هو الرئيس الأعلى للهيئات القضائية وله سلطة إصدار قرارات التعيين والفصل. ترأست دائرة شئون الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا لمدة 5 سنوات، فما رأيك فى قانون الأحزاب الجديد؟ التعديلات جيدة لأنها ألغت لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى والتى كانت تؤدى دورا مشبوها لصالح الحزب الحاكم فى عهد النظام السابق، كما أنها ألغت نظام ضم 10 شخصيات عامة يختارهم وزير العدل إلى أعضاء الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ليشكلوا جميعا دائرة شئون الأحزاب بالمحكمة، والحقيقة أن الاستعانة بالشخصيات العامة كان مجرد «ديكور للنظام السياسى» ولم يحدث أن أبدى أحدهم رأيا مهما خلال نظر طعون الأحزاب. حكمت بعدم إشهار حزب «مصر الأم» العلمانى، وقلت فى الحيثيات إن «برنامجه يتناقض مع الدستور» فماذا كنت تقصد تحديدا؟ كان هذا الحزب يدعى أنه ليبرالى علمانى ويدعو لفرعنة مصر وسلخها عن محيطها العربى والإسلامى، وهى ادعاءات مخالفة لوثيقة إعلان الدستور ومواده الرئيسية، وكذلك مخالف للمنطق والواقع التاريخى وكفاح الشعب المصرى ومكتسباته على مدى العصور، لكننا لم نرفضه باعتباره علمانيا أو يدعو لفصل الدين عن الدولة. هل المادة الثانية التى تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» تمنع قيام أحزاب علمانية؟ لا، ولفهم المسألة يجب وضع تعريف محدد للعلمانية وهى قائمة على «أن الناس أعلم بشئون دنياهم» وكذلك الفهم الصحيح للمادة الثانية فهى «تعتمد المبادئ العامة القانونية للإسلام كأول مصادر التشريع ووضع القوانين، إلى جانب مصادر أخرى، وهذه المبادئ تتلخص فى الحرية والعدالة والمساواة وجميعها مبادئ تقرها جميع الشرائع الوضعية المتحضرة». ولا تفرض المادة الثانية أى قيود على أفكار الأحزاب وإشهارها، لأن الأحزاب تنظيم حديث تابع لاكتمال الشريعة الإسلامية ويجب سن تشريع وضعى لتنظيمها، تماما مثل قانون المرور، فهو يتفق مع الشريعة الإسلامية كمظلة عامة أوجبت على الناس احترام آداب الطريق والأخلاق العامة فقط، لكن الشريعة لم تتحدث عن رخص القيادة مثلا. هل الصياغة الحالية للمادة الثانية كافية لضمان دولة مدنية جميع أبنائها متساوون فى الحقوق والواجبات؟ بالتأكيد، فالأخذ بمبادئ الإسلام لا يعنى تطبيق الحدود، ولا يلزم أصحاب الديانات الأخرى بشىء من الإسلام، وبالتالى فعبارة «ويطبق على غير المسلمين شرائعهم الخاصة» التى يرغب البعض فى إضافتها للمادة الثانية هى فى حقيقة الأمر «تحصيل حاصل لا معنى له» لأن قانون الأحوال الشخصية ينص على تطبيق الشرائع الخاصة بكل ديانة على أبنائها فيما يخص أمور حياتهم المرتبطة بالشرائع، مثل الزواج والطلاق. ما رأيك فى الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا مؤخرا بالسماح بتغيير ديانة العائدين إلى المسيحية فى بطاقات الرقم القومى؟ الحكم أصاب كبد الحقيقة لأن العقيدة حرية شخصية، والبطاقة يجب أن تعبر عن الواقع دون زيف أو تلاعب، ويجب على مصلحة الأحوال الشخصية تنفيذ الحكم وإضافة التطور الدينى لصاحب البطاقة، علما بأنه لا فائدة من خانة الديانة، وليس لها أى تأثير فى تعاملات المسلمين أو المسيحيين الشخصية، مما يجعل الإصرار على بقائها متعارضا مع مبدأ المواطنة الذى ينادى به الجميع. ما التعديلات التى تقترح إدخالها على القوانين الخاصة بالقضاء؟ المطلوب رقم واحد هو استقلال التفتيش القضائى للقضاء العادى عن وزارة العدل ونقل تبعيته إلى مجلس القضاء الأعلى، وقد طرحت هذا الأمر بإلحاح فى أحد اجتماعات المجلس الأعلى للهيئات القضائية فى عهد وزير العدل الأسبق محمود أبوالليل، فتحفظ على الاقتراح كل من وزير العدل السابق ممدوح مرعى، وكان وقتها رئيسا للتفتيش، ورئيس المحكمة الدستورية السابق ماهر عبدالواحد، وكان حينها يشغل منصب النائب العام. ما رأيك فى الجدل الدائر حول مساواة هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية بالقضاء العادى ومجلس الدولة كهيئتين قضائيتين؟ النيابة الإدارية يجب أن تتمتع بالاستقلال والحصانة الكاملة كهيئة قضائية مستقلة لتتمكن من مباشرة تحقيقاتها بنزاهة وكفاءة، كما أن هيئة القضايا وهى محامية الحكومة تستحق أن تكون هيئة قضائية بكامل المزايا لأنها تمثل القضاء الواقف وتدافع عن المال العام، وبصفة عامة لست مع احتكار قضاة المحاكم العادية ومجلس الدولة للحصانة القضائية. هل أنت راض عن النظام الحالى لندب القضاة فى الجهات الإدارية؟ لا، فعندما توليت الرئاسة طرحنا الأمر فى المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة، وقررنا قصر الندب على جهة واحدة فقط، وتمسكنا بهذا القرار لمدة 7 شهور فقط حتى تزايدت الضغوط علينا من القضاة بصورة هائلة، فهم يرغبون فى زيادة جهات الانتداب لجمع المزيد من المال، حتى إن أحدهم أرسل لى خطاب تهديد، فاضطررنا لقصرها على جهتين فقط بدلا من جهة واحدة. وبالنظر للدول المتقدمة نجد أن جميع أعضاء مجلس الدولة الفرنسى منتدبون كرؤساء جهات إدارية أو أساتذة ولكن فى جهة واحدة فقط لكل عضو، حتى يستفيد القاضى الإدارى من خبرة العمل ودهاليز الإدارة، وفى الوقت ذاته يفيد المسئولين برأيه القانونى السليم فيقلل عدد المنازعات الإدارية وتظلمات المواطنين، وتجدر الإشارة إلى أن عمل مجلس الدولة الفرنسى يبدأ يوميا بعد الثانية ظهرا لأن جميع الأعضاء يعملون فى الحكومة صباحا. ما مخاطر استمرار نظام الندب الحالى؟ الندب فى جهتين وأكثر يؤثر على أداء القاضى فى المحكمة ويجعله غير قادر على إنجاز العدد المطلوب من القضايا، لأن كل إنسان له طاقة، وهذا الأمر يؤثر سلبا على حجم الإنجاز فى المجلس. وماذا عن الإعارة؟ نظام إعارة القضاة للدول العربية مفيد بهدف تقارب النظم القانونية فى العالم العربى، لكن الابتعاد عن مصر فترة طويلة له مساوئ عملية عديدة، فأرى تقليص فترات الإعارة وتباعدها عن بعضها كلما أمكن بأربع سنوات كحد أقصى للفترة الواحدة. وما وسائل إصلاح النظام القضائى؟ الإصلاح يبدأ من إصلاح نوعية خريجى كليات الحقوق، وذات مرة دعانى مجلس الشعب إلى لجنة تناقش إصلاح التعليم القانونى فى مصر، فاقترحت عليهم تطبيق النظام الأمريكى الذى يعتبر التعليم القانونى تعليما بعد جامعى، يمكن لخريجى الكليات الأخرى الالتحاق به، حتى الطب والهندسة، مما يؤدى إلى تقليص عدد القضاة وتميزهم فى آن واحد. كما اقترحت عليهم تقليل عدد كليات الحقوق إلى اثنتين أو ثلاث أسوة بكليات الفنون الجميلة والتطبيقية، فذلك سيضمن تشغيل معظم الخريجين وتقليص أعدادهم، لكن اللجنة البرلمانية اكتفت باتخاذ توصيات شكلية غير جذرية بدعم طباعة الكتب الجامعية! هل أصبح الوقت مناسبا لتعيين المرأة قاضية فى مجلس الدولة؟ لا أجد أى مانع لتعيينها إلاّ عدم إقدام النيابة العامة على هذه الخطوة حتى الآن، وسبق وطرح هذا الأمر علينا فى أحد اجتماعات المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأجبتهم بأننى متحمس جدا لتعيين المرأة قاضية بالمجلس، لكنى اشترطت لقبول ذلك تعيينها أيضا فى النيابة العامة، حتى لا يكتفوا بالمجلس بحجة أن العمل فيه «أهدأ» من القضاء العادى.