خرج القاضى فتحى خليفة رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا عن صمته، وتحدث عن 5 سنوات عصيبة عصفت بالقضاء كان خلالها المسئول الأول عن القضاة، وأحد اللاعبين الأساسيين فى إدارة الصراع، وخاض خلالها القضاة معارك على جبهات متعددة مع الدولة ومع وزير العدل ومع مجلس القضاء التى لاتزال مستمرة حتى اليوم، وإن خفت حدتها بعض الشىء. خليفة تحدث لأول مرة فى مذكراته التى صدرت عن «دار الشروق» مؤخرا بعد صمت دام 3 سنوات من بلوغه سن المعاش، وبعد أن رفض كل طلبات وسائل الاعلام للتحدث عن السنوات العصيبة التى مر بها القضاء خلال السنوات الماضية. وتنشر « الشروق» المذكرات التى تعد المرجع الوحيد لشهادة خليفة عن الأحداث، ونظرا لأنه أشار إلى بعض الشخصيات دون ذكر اسمها، فإنه سيتم وضع الاسم بين قوسين. وكشف خليفة النقاب عن أنه حاول إخراج من أسماهم «رءوس الفتنة» وهم القضاة أحمد مكى ومحمود مكى وحسام الغريانى وناجى دربالة وآخرين من العمل بالقضاء وإحالتهم للمعاش، ولكن محاولته باءت بالفشل. ووقع خليفة فى تناقض عندما شدد على أن القضاء المصرى مستقل ولا يجرؤ أى مسئول على التدخل فى عمله، ولكنه ذكر فى موضع آخر أن كبار المسئولين تدخلوا فى عمله، وطلبوا منه عدم إصدار حكم فى قضية تأديب القاضيين محمود مكى وهشام البسطويسى نائبى رئيس المحكمة لتصريحاتهما عن اشتراك نفر من القضاة فى تزوير الانتخابات. كما وقع فى تناقض عندما أكد أن مجلس القضاء برئاسته لم يتستر على فساد، لكنه قال فى موضع آخر من مذكراته «إنه لو صح الادعاء أن نفر من القضاة زورا الانتخابات، فإنه كان ينبغى سترهم»، كما قرر أن مجلس القضاء رفع الحصانة عن أى قاض ثبت ارتكابه جريمة جنائية، لكنه لم يتحدث عن رفض المجلس برئاسته طلب المستشار ماهر عبدالواحد النائب العام آنذاك برفع الحصانة عن 18 قاضيا بمحكمة استئناف القاهرة نسب إليهم تلقى رشاوى، وظلوا فى عملهم حتى تولى المستشار ممدوح مرعى منصبه كوزير للعدل، وأحالهم للمحاكمة التأديبية. وتلقى المذكرات الضوء على شخصية خليفة، وتوضح أن المعارك الدامية التى خاضها مع خصومه وعلى رأسهم القاضى زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة الذى ترك موقعه منذ 7 أشهر تركت فى نفسه جرحا لايزال ينزف، ولم يلتئم بعد، فالرجل غيّر كثيرا من أفكاره عندما وجد أن ما دعا إليه وروج له من أفكار أدى إلى نتائج عكسية، فقد جعل اختيار مجلس إدارة نادى القضاة بالانتخاب بعد أن كان بالتعيين، وأبدى ندمه فيما بعد على ما فعل، قائلا إنه لو عادت به الأيام لرأى أن التعيين أفضل. ويكشف استعراض خليفة للأحداث أنه على الرغم من توليه أعلى المناصب القضائية وأرفعها شأنا فإنه عجز عن تطبيق ما يعتقد أنه صحيح القانون، حيث لم يلق الدعم الكافى من وزير العدل والنائب العام وقتها ماهر عبدالواحد، بل إن الرجل وجد نفسه وحيدا فى صراعه مع تيار استقلال القضاء حتى إنه لم يتخذ أى إجراء تجاه ما سماه جريمة اقتحام مكتبه من قبل محام وسيدة وعضو مجلس شعب، بل إنه تلقى سيلا من الشكاوى من عشرات القضاة ضد خصومه لكن لم يطلب إجراء فى غالبيتها. وتكشف المذكرات النقاب عن مفارقة وهى أن خليفة وألد خصومه من زملائه القضاة كانوا متفقين معه فى كل شىء بدءا من إبعاد التفتيش القضائى وموازنة القضاء عن وزارة العدل، مرورا بأن كلمة مستشار لا يصح أن تقترن باسم القاضى وانتهاء بعدم جواز تعيين المرأة فى القضاء، ولكن الطرفين اختلفا فقط فى الأسلوب، فبينما كان يرى خليفة أن مخاطبة الحكومة لتحقيق مطالب القضاة تكون بالأساليب القانونية غير المعلنة، رأى خصومه أن الأسلوب الأنسب هو وسائل الضغط العلنية ومنها وسائل الإعلام، وتسبب خلاف الطرفين حول الأسلوب الأمثل فى تحقيق استقلال القضاء إلى معارك دامية بينهما وبمرور الوقت أصبحت الحكومة طرفا فى الصراع الدائر بينهما، وصلت الأمور إلى التجريح الشخصى بين الطرفين، وتحول الخلاف حول الوسائل إلى لدد فى الخصومة وخلاف شخصى بينهما. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول ما حوته مذكرات خليفة، فإن الرجل عرف عنه أنه قاض منضبط ظل حازما وصارما طوال عمله فى القضاء يرفض الخضوع لأى سلطة أو أن يتدخل أى شخص فى عمله.