الأمة تتأسس على أساس الأخوة فى الدين، وكل مسلم هو جزء من الأمة الإسلامية الاعتقادية، أما الدولة الإسلامية السياسية فالانتساب إليها يستلزم الانحياز الجغرافى لها، والدولة الإسلامية هى دولة المسلمين وغيرهم على أن تكون حتما محكومة بقانون الإسلام. هذه هى جملة الأفكار الرئيسية، التى يطرحها يوسف القرضاوى فى كتابه «الوطن والمواطنة فى ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشريعية». وينقسم كتاب القرضاوى الواقع فى نحو 85 صفحة من القطع الكبير والصادر عن دار الشروق إلى مبحثين أساسيين، أولهما يخصصه الشيخ للحديث عن «المسلم وغير المسلم فى المجتمع المسلم»، بينما الحديث فى الثانى حول «المسلم فى غير المجتمع المسلم». ويؤكد القرضاوى فى المبحثين أن الأصل فى الأمر بالنسبة للمسلم هو أن يتمكن من أن يعيش عقيدة الإسلام ويمارسها بحيث يصبح مباحا له أن يعيش فى مجتمعات غير مسلمة بالأساس، بل إن يتجنس بجنسيتها شريطة ألا تكون قد أعلنت الحرب على المسلمين ما دامت الإباحة فى ممارسة الإسلام هى الأصل، ويصبح عليه مغادرة الديار، أى الوطن، لو تعثر عليه ممارسة شعائر الإسلام فيها لأن القرآن، كما يعلل القرضاوى، ليفرض على المسلم الهجرة من وطنه، الذى يظلم فيه ولا يمكنه من إقامة فرائض ربه، فيما يمثل تطويرا لفكرة «دار الإسلام ودار الكفر»، التى يرجع لها البعض الذين يرفضون إقامة المسلمين فى المجتمعات غير الإسلامية بالأساس. فى الوقت نفسه يؤكد القرضاوى أن إخراج المواطن عن وطنه، هو مما يجرمه الإسلام بشدة، خاصة فى حال ما تعلق الأمر بالاستعمار الاستيطانى كما هو الحال بالنسبة للاستعمار الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية. ورغم أن القرضاوى يؤكد فى مقاطع متتالية من كتابه على ضرورة المساواة فى الواجبات والحقوق بين المسلمين وغيرهم فى أى دولة إسلامية، بعيدا عن متطلبات الدين، بما فى ذلك قوله بعدم الحاجة للإصرار على تعبيرات لا يرتاح لها غير المسلمين مثل تعبير أهل الذمة. ويشير القرضاوى على وجه التفصيل إلى اتفاقية الصلح بين الرسول ونصارى نجران التى منحتهم «الأمان على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته». غير أن الكتاب نفسه يؤكد أن «التناصر بين المسلمين أوسع من انتمائهم السياسى»، على أساس أن الأخوة فى العقيدة هى أوثق أنواع الأخوات بالنسبة للشيخ، مشيرا إلى أن هذا الولاء للأمة الإسلامية الكبيرة يفرض على المسلم أن يزود على كل أجزاء الأمة حتى لو لم يتمكن أهل هذا الجزء أو لم يبادروا إلى الزود عنها. كتاب القرضاوى ينظر إلى أحوال المسلمين فى أوروبا وأمريكا بعد ارتفاع المد اليمينى فى السياسات الحاكمة فى بعض من هذه البلدان وبعد أحداث 11 سبتمبر، ويرى أنهم ما زالوا قادرين على أن يعيشوا الإسلام وربما يدعون إليه بما لا يتطلب منهم مغادرة هذه البلدان رغم بعض المضايقات، التى تعرضوا ويتعرضون إليها.