مع أن المداخلة سلفيون يقدمون النص على العقل إلا أن الراصد للخطاب المدخلى سيجد أن العقل يطغى فى هذا الخطاب على النص.. فيتساءل أسامة القوصى أحد رموز هذا التيار ماذا يستفيد الناس من مهاجمة الحكام والسلاطين؟ أصلح نفسك أولا ثم بيتك نحن نتحدث عن إصلاح الكون ولا نحسن الوضوء وخلافتنا الدائرة فى بيتنا لا نستطيع إصلاحها فلنبدأ حيث بدأ النبى محمد (ص). كما أن الواقعية السياسية جزء مهم ومفتاحى لفهم العقلية المدخلية فالجهاد مثلا يرتبط بالمصلحة من ورائه ويخضع لمعايير الخسارة والربح لأن الغرض فى النهاية هو النفع ولذلك فهم شديدو النقد والهجوم على الحركات الجهادية فى العالم وحتى المقاومة فى فلسطين لأنها لا تحكم هذا المعيار ووصفهم بأنهم حمقى ومغفلون ونزع عنهم صفة المصلحين.. وذهب المداخلة إلى حث حماس إلى قبول الصلح مع إسرائيل كما فعل السادات، واستشهدوا بصلح الحديبية التى كان فيها إجحاف بالنبى لكنه قبلها لأنه لم يكن قد تمكن من مقومات النصر يعد هذا الحال نفسه الآن بيننا وبين اليهود فهم الأقوى ونحن الأضعف.. ما يقوله المداخلة يأتى فى سياق الرد على معارضى الدولة والمزايدين عليها والذين يبغون سقوطها ومناهضتها.. فأسامة القوصى يؤيد بشدة اتفاقية السلام مع اسرائيل ويدين موقف العرب الذى رفض المعاهدة، ثم يمتدح السياسيين المصريين ويصفهم بأنهم عقلاء درسوا حقيقة الأمور ونزلوا الى ارض الواقع وينفى عنهم اتهام أنهم تنازلوا ويقول: ليس تنازلا وإن كان فهذا التنازل جعلنا نسترد سيناء حتى لو قال قائل ليس هناك جيش فى سيناء «هناك جيش أم لا ليس هناك مشكلة» الآن نحن فى وقت صلح وهذا الصلح له بنوده قد نتنازل وقد نوافق على بعض الشروط التى كنا لا نوافق عليها قديما وهذا نفس ما فعله النبى مع الكفار فى صلح الحديبية تنازل وقبل شروطا فيها إجحاف للمسلمين لأن وضع المسلمين من حيث القوة يقتضى ذلك.. امتلك الرجل الجرأة فى أن يقول إن الجهاد فى زماننا ليس فرضا عينيا يجب على كل مسلم ومسلمة بل إنه من فروض الكفايات يكلف به الجيش. كان المداخلة هم الأجرأ فى الدفاع عن الأجهزة الأمنية التى تشكل فى وعى التيارات الاسلامية على العموم عنصرا معاديا لها وللمشروع الإسلامى بل ويمتلك القاعدة العريضة للمصريين حزازية تجاه كل ما هو عسكرى ناهيك عن النفس المعارض للدولة أصلا.. فالقوصى تحدث عن الحكومات التى لا تحارب المتدين بل تحارب الجماعات وبرر الاستدعاءات التى تحدث من الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر لبعض المواطنين ومن ضمنهم هو لأن الأمر لابد أن يكون معروفا لأولى الأمر. كان القوصى الأجرأ وتأتى آراء الرجل السياسية منسجمة مع هذا القاعدة فلا يكل من الهجوم على حماس والحلف السورى الإيرانى ويرى منهم محور شر يريدون أن يورطوا بلادنا فى الفوضى. بينما يرى أوباما رجلا عاقلا «فرح العقلاء فى كل الدنيا بعقله» أما الحمقى فهم الذين يرفضون ما قاله جملة وتفصيلا... وأيد القوصى كلام أوباما عن الهولوكست لأننا، كمسلمين، مشفقون على كل من قتل من اليهود لكن يختلف معه لأن الأمريكان لا يقبلون أن تقام دولة لليهود فى أمريكا لكن لا يستطيع أوباما أن يذكر ذلك وختم حديثه عنه بقوله «أوباما رجل متسامح رجل عاقل. كان هذا بمثابة سباحة ضد التيار من هذا التيار الذى لا يناسب المزاج الشعبى المصرى الذى لا يستسيغ مثلا فكرة توريث الحكم لكن المداخلة هم كانوا الأقدر على التصريح بأنه ليس هناك مانع من توريث الحكم حيث تقتضيه الضرورة التى تنسجم مع الشرع ولا يمنعه الشرع بأنه سيحول دون وقوع البلاد فى نفق الاضطرابات.. وهنا تعلو فلسفة درء الفتنة التى تحتل الجزء الأهم فى وعى المداخلة «ما قلته جاءت لدرء فتنة الصراع على السلطة فإن تولاها جمال مبارك فإننا معاشر السلفيين سنسمع ونطيع فى المعروف لجمال مبارك.. أتحدى أى عالم شرعى يخطئ ما ذكرت أنا لا أناقش صلاحية جمال مبارك من عدمها فهذه ليست قضيتى ولكنى أبحث فى الموقف الشرعى من نظام الحكم وإننا نتعامل مع واقع كما فعل الصحابة أنفسهم لدرء فتنة الصراع الذى تسفك فيه الدماء».