مع استمرار تفاقم الأوضاع الداخلية فى سوريا يثار العديد من التساؤلات، ولعل أهمها: لماذا وصلت الأوضاع الداخلية فى سوريا إلى ما وصلت إليه الآن بعد أن كان بشار الأسد عندما تولى الحكم يتمتع بشعبية كبيرة؟ والحقيقة أن الرئيس بشار جاء إلى الحكم مستندا إلى ركائز ثلاث الأولى أنه ابن الرئيس حافظ الأسد والثانية انتماؤه إلى القوات المسلحة والثالثة عضويته بحزب البعث، وقد انعقدت آمال السوريين عليه فى تحقيق الحداثة وتطبيق الديمقراطية وإحداث التطوير المطلوب داخليا اعتمادا على انتمائه للشباب وفهمه للواقع الجديد إضافة إلى اتصاله بالحضارة الغربية. ولكن بشار وجد نفسه فى صدام مع قيادات الحزب التقليدية التى عارضت التطوير وعرقلت التحديث حفاظا على وضعها ومستقبلها وتأمينا لمصالحها خاصة أن هذه القيادات هى صاحبة فضل فى توليه السلطة بتغييرها الدستور فى ساعات قليلة بما سمح له بتولى سدة الحكم، لذا فإنه وجد نفسه بين شقى الرحى: إما مواجهة الحزب بقواه المتعددة وإما أن يضحى بالشخصيات الإصلاحية التى أتى بها من الخارج وهو الأمر الذى أقدم عليه مضطرا وبذلك انفردت به قوى الحزب بما لا يستطيع الفكاك ولا يقوى على الإطاحة بها فكانت المواجهة مع القوى الثورية المتأثرة برياح ربيع الثورات العربية وكان لزاما على الرئيس أن يختار بين أمرين لمعالجة هذا الوضع، الأول: أن يسير على سابقة والده الذى قمع انتفاضة حماة عام 1982 بالقوة العسكرية. والثانى: أن يستجيب لمطالب انتفاضة الشعب السورى فى مطالبته بالديمقراطية والتعددية الحزبية والإصلاح السياسى ومحاربة الفساد وأن يستفيد مما حدث فى تونس ومصر. وقد آثر الرئيس السورى الخيار الأول متناسيا تغير الأوضاع السياسية الإقليمية والدولية إضافة إلى السماوات الإعلامية المفتوحة. من جديد يتبادر للذهن سؤال آخر هو: لماذا اختلفت ردود الأفعال الدولية تجاه سوريا عنها تجاه دول أخرى مثل ليبيا؟ والواقع أن سوريا لها وضعها الإقليمى الخاص فى المنطقة سواء من ناحية نزاعها مع إسرائيل أو تأثيرها على لبنان أو تحالفها مع حزب الله وإيران هذا بالإضافة إلى استضافة قادة حماس وبعض قادة المنظمات الفلسطينية الأخرى مما يجعلها لاعبا أساسيا فى أى محاولات لتسوية سياسية للنزاع العربى الإسرائيلى وبالتالى فالولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية وإسرائيل تأخذ كل ذلك فى اعتبارها عند التعامل مع الأزمة السورية، لاسيما أن البديل لتولى دفة الأمور فى سوريا غير جاهز حتى الآن الأمر الذى قد يؤثر بشكل كبير على الاستقرار ليس فى سوريا فقط وإنما فى المنطقة ككل. وفيما يتعلق باستمرار النظام السورى فإن الأمور ازدادت صعوبة وتعقيدا بعد أن لطخ النظام أياديه بدماء الشهداء وفشل فى حسم الأمور فى وقت قصير ففرص بقاء النظام تتضاءل خاصة أن الدول الغربية والولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار فى عدم التعامل بجدية مع الموضوع لفترة طويلة لما يشكله ذلك من تناقض فى مواقفها ولا حل أمام بشار إلا أن يقدم لشعبه تنازلات كثيرة ترضى هذا الشعب فى مجال التعددية الحزبية وتحقيق الديمقراطية والقضاء على الفساد وإبعاد رموزه. أما بالنسبة لموقف مصر من التطورات الداخلية فى سوريا فلابد لمصر رغم انشغالها بأوضاعها الداخلية أن تتحرك باتجاه سوريا بشكل ثنائى مكثف ومن خلال جامعة الدول العربية فسوريا أحد أضلاع مثلث الاستقرار الاستراتيجى بالشرق الأوسط (مصر السعودية سوريا) فلابد أن تفتح مصر قنوات الحوار والاتصال مع سوريا بشكل مكثف وأن تدفع بما تملكه من ثقل استراتيجى وخبرة ثورية فى اتجاه الحوار والإصلاح ومحاربة الفساد وبما يعيد لسوريا الشقيقة مكانتها ويحافظ على قوتها لكونها جزءا من القوى العربية الشاملة.