هذه دعوة مخلصة لبعض شيوخ وقيادات وأعضاء الحركات السلفية للكف عن تشويه التيارات والحركات الأخرى وكَيْل الاتهامات لأفكارها ورموزها، والشرع فى حوار جاد مع الليبراليين واليسار والقوميين.. يبحث عن نقاط الالتقاء ويبتغى مصلحة الوطن. بعض الشيوخ السلفيين يتورطون فى تشويه غير مسئول للمختلفين معهم فى الرأى السياسى ويتوقفون دون التحريض صراحة على ممارسة العنف ضدهم. إلا أن قطاعا من جمهور الحركات السلفية يرون فى تشويه الليبراليين وغيرهم ذريعة لممارسة العنف اللفظى وربما الجسدى ضدهم ويتلقون اتهامات شيوخهم غير المنضبطة (أى افتراءاتهم) كأوامر للتعقب والإقصاء. ولا يستطيع بعض شيوخ السلفيين ولا قياداتهم أن يتنصلوا من مسئوليتهم المباشرة عن العنف الذى يمارس من جراء تشويههم بحجة أنهم لم يحرضوا على العنف. فهم يعلمون جيدا طبيعة جمهورهم وقواعدهم الشعبية ويدركون كيف يتصرفون عندما يسمعون سيل الاتهامات الموجهة لليبراليين وغيرهم بالكفر ومعاداة الدين. ألم يغتل فرج فودة بعد تكفيره؟ ألم يتم الاعتداء على نجيب محفوظ بعد سيل اتهامات مشابه؟ لا، لن يستطيع هؤلاء الشيوخ ممن يتورطون فى تشويه المخالفين معهم فى الرأى على القنوات الفضائية أن يتنصلوا من مسئوليتهم عن العنف. تماما كما لن يستطيع شيوخ آخرون يبثون خطاب الكراهية الطائفى ويباعدون بين المصرى المسلم والمصرى المسيحى أن يدعوا ألّا علاقة لهم بحرق وتدمير الكنائس وأحداث العنف الطائفية التى باتت تتجدد فى بلادنا بانتظام. فهم يتحملون المسئولية بصورة مباشرة وكاملة، وما هذا القطاع من جمهورهم الذى يمارس العنف إلا أداة تنفيذ. وإن كان مثل هذا التشويه والعنف الناتج عنه يحدثان اليوم فى مصر ونحن لم ندخل بعد فى مرحلة الاستعداد للانتخابات البرلمانية والمنافسة بين الأحزاب والحركات والتيارات، فما الذى سيكون عليه حالنا فى أوقات الانتخابات؟ هل سيكفر كل مرشح غير سلفى أو إسلامى؟ هل سيشوه مرشحو الأحزاب الداعية للدولة ذات الطبيعة المدنية بادعاء معاداتهم للدين وبالترويج للاتهام الباطل بابتعادهم عن شرع الله؟ هل ستدار حملات فى المساجد والزوايا لإلهاء الناخبين عن البرنامج السياسى والاقتصادى والاجتماعى لمرشحى الأحزاب المدنية وتصعيد التركيز المرضى والتحريضى على موقفهم من الدين؟ مع بالغ الأسف، هناك الكثير من شواهد ودلائل هذه الممارسات الكارثية على امتداد الجمهورية. يتعقب أنصار وأعضاء الأحزاب المدنية باتهامهم بالكفر ولا يسمح لهم بالحديث عن برامجهم ورؤيتهم لمصر اليوم وغدا. تستخدم لغة تكفيرية ضدهم من بعض جمهور الحركات السلفية الذى لا يتورع عن خلط الحابل بالنابل بادعاء أن الأحزاب المدنية جاءت لتنصر «النصارى» على المسلمين. أين سلمية العمل السياسى هنا وأين الالتزام بالامتناع عن خطابات التحريض الطائفى والتكفير؟ أين الالتزام بالدعوة لخير مصر والمصريين دون تسفيه للآخر؟ لا أثر على الإطلاق. أدعو الشيوخ السلفيين المتورطين فى تشويه وتكفير المخالفين معهم فى الرأى لأن يدركوا أن لعبتهم أكبر أثرا من الهيمنة على الرأى العام من خلال قنوات فضائية ومن الرغبة فى السيطرة على البرلمان القادم. أدعوهم أن يدركوا أنهم لا يعرضون فقط سلامة دعاة التيارات الليبرالية والمدنية للخطر، بل سلامة الوطن ككل ويشعلون فتيل أزمة قد تفتح مجددا أبواب العنف فى مصر وعندها ستنتهى آمال وفرص التحول الديمقراطى وبناء الدولة الحديثة ونعود إلى حكم فرد مستبد أو تيار مستبد أو حركة مستبدة. أرجو أن يدركوا هذا وألّا يكون العنف والتخويف والاستبداد هو ما يصبون إليه.