فى كتاب «فوق السطوح»، الذى صدر مؤخرا عن دار الشروق، ويضم 14 لوحة بريشة الفنان حلمى التونى، يستعيد الفنان الدور الاجتماعى الذى لعبته هذه المساحة من بيوتنا المصرية قديما.. فوق السطوح، قبل أن تملؤها الكراكيب وأطباق الأقمار الصناعية، وأن تتحول إلى عشش تستقبل السكان البسطاء الذين لفظتهم قراهم أو ضاقت بهم متاهات المدينة. أما عن جاذبيته للكبار قبل الأطفال فترجع للعنوان نفسه المسكون بالحنين، للصور البصرية الجميلة التى يستدعيها السطوح، فى الزمن الجميل، فى المناطق الشعبية، أو فى بيوت الطبقة الوسطى التى كانت تستخدم السطوح كبديل لحديقة المنزل.. كمكان للقاءات الكبار وليالى السمر ولهو الأطفال، ومغازلة بنت الجيران. بل إنه يتميز أيضا عن الحديقة الخاصة فى كونه فضاء ديمقراطيا يتسع للجميع، تقصده الجماعة من سكان المنزل، فيسمح بنمو العلاقات ووصل الود بين الجيران الذين يكادون اليوم لا يعرفون بعضهم البعض. أراد حلمى التونى أن يصنع نوعية مختلفة من كتب التلوين، فهى ليست «مجرد كتب للتسلية وإلهاء الصغار حتى يتفرغ الكبار لعالمهم» كما يقول الفنان نفسه، بل دعوة لمشاركة الكبار عالم الصغار، وأن يقصوا عليهم من خلال الرسومات الأخاذة من الحياة الشعبية المصرية «مشاهد كادت تختفى من حياتنا، بعد أن كانت جزءا مهما من جمال وبهجة هذه الحياة»، كما يقدمها صاحب سلسلة «كان زمان. مناظر مصرية». أراد التونى أن يفتح طاقة للخيال والحلم والرومانسية لأجيال صغيرة تشب على الألعاب الإلكترونية والعالم الاحتمالى، كما لو كان يقول لهم إن هناك دائما مساحة للحلم وسط عالم الضغط على الأزرار. كانت تلك هى فكرة السلسلة التى صدر منها «كان زمان» و«مناظر مصرية» و«أبواب مصرية»، و«بيت العز» و«جدتى نفرتيتى» و«ابن البلد». يحاول الفنان أن يلفت نظر الطفل الصغير والكبير بريشته وحدها أن وراء الزحف الاستهلاكى فى نماذج السوبر ماركت وماكينات المشروبات والحلوى التى صارت أدوات أساسية فى العالم المعاصر، هناك البائع المتجول، بائع البطاطا والعرقسوس، هناك المسحراتى وصاحب الدكان، هناك الإنسان الذى يضفى الروح الشعرية على الحياة. يشير إلى الطفل الذى اعتاد اليوم الأبواب المتشابهة، الأقرب إلى الحواجز والجدران التى لا طابع لها، أن هناك أبوابا مصرية جميلة وفنية كانت تسكن بيوتنا مثل لوحة تشكيلية، وأن لنا تاريخا من الطرز من المملوكى إلى العثمانى ومن باب ذى طابع متوسطى وباب ذى طابع نوبى، كلها تفتح باب المعرفة الجمالية والتأمل فى كتاب «أبواب مصرية». وفى «فوق السطوح» يكشف لك عن دور السطح فى الأسرة المصرية التقليدية من إطعام العصافير والطيور، أو العجين والخبيز، أو نشر الغسيل، أو تربية الحمام أو إقامة الأفراح، ونوعيات الألعاب التى تجذب الأطفال فوق السطوح من نط الحبل إلى الطيارة الورق إلى لعبة الحجلة. فتجد نفسك تشارك الطفل فى التلوين، تقتنص لحظات من الطفولة من المنسية، تفاوضه أن يتيح لك فرصة المشاركة، وتتحين الفرصة لتحظى بالنصيب الأكبر من مساحات التلوين أمام عناد طفل يريد أن يملك العالم.