كنت أتابع باهتمام معركة الترشيح عن الحزب الديمقراطى بين باراك أوباما وهيلارى كلينتون للفوز برئاسة الولاياتالمتحدة.. يبدو الأمر مثل متابعة عم محمد البواب لأسعار الأسمنت..كنت طبعا متحيزا لأوباما، لمجرد أن اسمه الثلاثى يتضمن حسين، فشعرت بأنه معنا أو على الأقل ليس ضدنا.. كنت أتابع السباق والمنافسة بين الطرفين. كما تابعت العلاقة بينهما عقب فوز باراك أوباما بترشيح الحزب. وأعجبنى تأييد هيلارى كلينتون، وإعلانها الوقوف مع منافسها الأسبق، فى مواجهة مرشح الحزب الجمهورى... ثم كم كان عجيبا بالنسبة لنا، أن يخاطب مرشح الحزب الجمهورى فور فوز أوباما بكلمة السيد الرئيس.. وقال بالنص: «كنت أنافسه منذ قليل.. وهو الآن رئيسى».. وهذا شىء مثل تحية لاعبى مانشستر يونايتد لخصومهم لاعبى برشلونة بعد مجزرة ميسى باستاد روما الأوليمبى. ناس بلا عقد فى ساحات الرياضة. وناس بلا عقد فى ميادين السياسة.. بينما فى انتخابات مجلس الشعب الموقر مثلا يمكن أن تقتل وأنت تدلى بصوتك.. هذا لو نجحت فى الوصول إلى الصندوق.. أو لو وجدت الصندوق أصلا..! المهم الآن أن هيلارى كلينتون وزيرة خارجية لها كاريزما، وهذا السحر ليس له علاقة بكونها سيدة أولى سابقا، أو سيدة جميلة حاليا، لكنها من وزراء الخارجية الذين يتمتعون بالشخصية، ويقال إنها ستترك بصمة، مثل جون فوستر دالاس أو حتى مكيافيللى.. بغض النظر عن طبيعة بصمة الاثنين، وكانت سيئة على أى حال.. ففى الفترة التى مضت منذ توليها مسئولية وزارة الخارجية، أطلقت هيلارى تصريحات خطيرة ومباشرة وصريحة، من نوع الإقرار بفشل المحادثات مع كوريا الشمالية، وقولها بأن الحكومة الباكستانية تخلت عن سلطاتها لحركة طالبان أو سلمت ذقنها للحركة.. وحين زارت الصين، لم تتردد هيلارى فى انتقاد النظام الصينى صراحة ووصفته بأنه يقمع حقوق الإنسان ،كما انتقدت تدخل الصين فى أمريكا الجنوبية.. ويرى الكثيرون فى واشنطن أن هيلارى كلينتون لا تفرق بين منصبها كوزيرة للخارجية، وبين موقعها السابق فى مجلس الشيوخ، حيث يستطيع عضو المجلس أن يقول مايشاء، لكن وزير الخارجية لأى دولة لايمكنه ذلك..! تصريحات كلينتون بشأن القضية الفلسطينية تشير بالفعل إلى أننا أمام «وزير خارجية راجل فى كلامه».. إلا أننا نحلم بطعم الفعل، بعد أن شبعنا من الكلام..والكلام والكلام. السياسة على أى حال لعبة كلام.. فطوال نصف قرن، نسمع تصريحات مملة فى العمل الدبلوماسى، لم تتغير ابدا، حتى لو تغيرت الشخصيات، فحين يلتقى وزراء الخارجية يخرجون إلى الإعلام بتصريحات عن بحث سبل التعاون المشترك، والقضايا الثنائية بين البلدين، كأن وزير خارجية رومانيا يجتمع مع نظيره الفرنسى مثلا لبحث سبل التعاون المشترك بين فرنسا والهند؟! انظروا إلى الجمل والتصريحات: القضايا ذات الاهتمام المشترك، أوالمستجدات فى قضية الشرق الأوسط، وتعزيز سبل التعاون بين البلدين..وغير ذلك من جمل فارغة ومصنوعة، ومصبوغة بالتكتم والسرية، ولاتحمل معلومة واحدة عن اللقاء وماجرى فيه والقضايا التى تبحث منذ 50 عاما.. ولاتجد حلا ؟! من أجمل تعريفات السياسى التى قرأتها أنه: هذا الرجل الذى يعرف متى يختفى، ومتى يظهر، ومتى يتكلم، ومتى يسكت، ومتى يحارب، ومتى يهادن ؟! وفى السياسة بشكل عام هناك مدرسة ترى أنها لعبة فن الممكن..وأنها مسرحية، ومن لايتقن الوقوف على خشبة المسرح ولايجيد التمثيل فإنه لايصلح لممارسة السياسة.. وهناك مدرسة أخرى تقول إن رجل الدولة الحقيقى يجب أن تكون له دائما عين على المبادئ والقيم، يستلهم منها مواقفه وتصرفاته، دون أن تتعارض تلك المواقف بشكل صارخ مع الظروف والواقع المحيط به. المدرسة الأولى أخرجت مئات السياسيين الذين لايذكرهم التاريخ.. والمدرسة الثانية أخرجت قليلا من الزعماء ووزراء الخارجية الذين مازالوا فى ذاكرة التاريخ ..هيلارى كلينتون.. ماهى مدرستك ؟!