ماذا يعنى قرار كل القوى السياسية بالنزول إلى ميدان التحرير؟ المعنى الوحيد أن هذه القوى التى أنجزت الثورة تشعر أن هناك شيئا ما خطأ، وأن مستقبل الثورة فى خطر، ولابد من حركة أو خضة أو هزة تبعث برسالة إلى عموم الشعب تفيدهم بأن الثورة ما تزال حية وفاعلة. أكتب هذه السطور مساء الخميس قبل أكثر من 16 ساعة من ظهر الجمعة ولا أعرف تحديدا ماذا سيكون عليه شكل الحشد وحجمه. لكن الذى يبدو محسوما أن الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر قبل حدوث المظاهرة، سواء بسبب إصرار الثوار على المشاركة أو لانضمام قوى كانت مترددة خصوصا الإخوان. قد يسأل البعض: من هم الذين يهمهم الأمر ووصلت لهم الرسالة؟. هناك طرفان مختلفان غاية الاختلاف: الأول هم بقايا النظام السابق، وهؤلاء حتى لو كانوا قلة عددية مقارنة بأنصار الثورة فإنهم يملكون إمكانيات هائلة خصوصا المالية، كما أن كثيرا منهم ما يزالون يحتلون مواقع قيادية. امتلاك المال مع الموقع والمنصب يمكنهم من عرقلة الثورة بشتى الطرق بل ومحاربتها، ثم إنهم يملكون أنصارا كثيرين داخل وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة، الأمر الذى يمكنهم من بث الشائعات وإطلاق الفزاعات المستمرة وإصابة الشعب بالإحباط وإقناعه بأن الثورة كانت وبالا عليه. الحشد الكبير والتصميم عليه سيبعث برسالة إلى بقايا هذا النظام بأن عودة أيامهم الكالحة أضغاث أحلام، وأن عليهم أن ينصاعوا لإرادة الشعب وللقانون والأفضل لهم أن يبحثوا عن ركن قصى ينزوون فيه. الطرف الثانى الذى ينبغى أن تصله رسالة التحرير ويبدو انها وصلته بالفعل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. الجيش بحكم تاريخه الوطنى حسم أمره وانضم للثورة ومن دون دعمه ما كنا سنصل إلى هذا اليوم، وربما كان مبارك مايزال موجودا ونعيش حالة أقرب إلى الحالة السورية أو اليمنية. لكن ومنذ يوم 11 فبراير الماضى جربنا السير فى طريق ثبت حتى الآن أنه لم ولن يوصلنا إلى نتائج حقيقية ملموسة تجسد الثورة على الأرض، بل العكس هو ما حدث... مظاهر البلطجية المتنوعة تتزايد، أصوات «الفلول» تعلو أكثر فأكثر، لا توجد رؤية واضحة أو محددة تعطى الناس أملا، ثم إن هناك مشكلة حقيقية فى جهاز الشرطة، فلا الجنود عادوا بنفس الكفاءة، ولا التحقيقات مع المتهمين بقتل الثوار تنبى بخير، ثم إن الجهاز نفسه يحتاج إلى الإقرار أولا أنه أخطأ، وأن لديه ثانيا رؤية شاملة ومحددة للإصلاح. إذن لماذا لا يجرب المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدعوما برغبة وإرادة الشعب السير على طريق الثورة بسرعة أكثر عن ذى قبل. المؤكد أن هذا الطريق سيغضب البعض، لكن من قال إن هناك طريقا يرضى الجميع؟. الجيش دخل التاريخ من أشرف أبوابه بموقفه أثناء الثورة، وأمام المجلس العسكرى فرصة سانحة لإكمال هذا الموقف، قبل أن يتمكن المتربصون من إجهاض الثورة. ووقتها فإن التاريخ لن يسامحنا جميعا.