يعكف الآن الكاتب الكبير محمد المنسى قنديل على الانتهاء من روايته الأحدث «أنا عشقت»، المقرر أن تصدر عن دار الشروق، والتى تأتى بعد عامين من روايته الأخيرة «يوم غائم فى البر الغربى»، التى تحولت إلى مسلسل تليفزيونى بعنوان «وادى الملوك» سيذاع خلال شهر رمضان المقبل. الرواية بدأها المنسى قبل عامين، وهى الآن فى مرحلة الكتابة أو المسودة الثانية، وسيحتفظ بها الكاتب فترة قبل أن يسلمها إلى الدار: «من عادتى أن أكتب ثلاث أو أربع مسودات، تكون أصعبهم المسودة الأولى، لأننى خلالها لا أكون أنا، وإنما أصوات، وأساليب الآخرين، وتُستغرق المسودات التالية فى التصفية». وكل هذه المسودات، بحسب صاحب «انكسار الروح»، ليست سوى محاولات لتقليل مساحات الندم، فرغم كل معاودات الكتابة، لا يختفى الندم بعد كل مرة يسلم فيها أوراق عمله الجديد إلى المطبعة، إذ تظهر على الدوام صيغ واقتراحات حكى وكتابة أخرى. أما اسم الرواية فمأخوذ من مطلع أغنية للموسيقار الكبير سيد درويش يقول: «أنا عشقت وشفت غيرى كتير عشق/ عمرى ماشفت المر إلا فى هواك/ وكم صبرت ماكانش فى يوم نتفق/ مع إن قلبى كان أسير يطلب رضاك»، لكنها ليست رواية رومانسية، ف«من الصعب الانفصال عن الصخب الذى يجرى فى الواقع المصرى الآن، والانخراط فى كتابة عاطفية». هى خليط من الحب والسياسة والخوف والرعب والمطاردة، وتدور أحداثها حول مصر ما قبل 25 يناير، وميراث القمع الطويل، وحقب الجمود المريرة، التى يتمنى الكاتب لو تحذف من التاريخ المصرى. بدأ قنديل روايته بعدة فصول مبنية على الخيال أو الفانتازيا، قبل أن يتوقف فى مرحلة مترددة، توجسا من هذه التيمة، ثم عاود الكتابة بقناعة أنها طالما وظفت بنجاح لدى كتاب آخرين، وأنها لن تعوق طرح الأفكار التى يرغب اختبارها، بما فيها متغيرات الزمن المعاصر. ومفارقا لما حدث فى روايته الأخيرة وعدد من أعماله، لم يحاول كاتب «قمر على سمرقند» هذه المرة الهروب إلى الماضى، أو ارتداء قناع التاريخ: «لا أحب أن تشبه أعمالى بعضها، أو تجرى بينها مقارنات على أساس المواضيع والعوالم، لذا فضلت الهروب عبر موضوع آخر، متفرد فى زمنه وأجوائه وشخوصه، من خلال رحلة متعبة ومخيفة فى خفايا القاهرة، التى ستظل دائما غريبة وملغزة بالنسبة لفلاح مغترب مثلى». ويبدو أن هذه الرواية الجديدة «أنا عشقت» كانت ملحة، بحيث فرضت نفسها حتى على كتابات، كانت قاربت الانتهاء، فقد قطعت فصولا كان المنسى قنديل كتبها فى رواية بعنوان «حصار الروح»، أقرب إلى السيرة الذاتية المبطنة بطابع أسطورى، عن رحلة الكاتب من مدينته المحلة الكبرى إلى القاهرة، وهى امتداد لروايته المهمة «انكسار الروح» التى اقتطع فيها جزءا من سيرته الذاتية كطالب طب فقير وعاشق. وبالعودة إلى رواية «يوم غائم فى البر الغربى»، أو مسلسل «وادى الملوك» الذى تفصله عن المشاهد المصرى أيام قليلة، فقد أبدى المؤلف إعجابه بالمسلسل، الذى كتب حواره الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، وأخرجه المخرج حسنى صالح، الذى وصفه قنديل بأنه صاحب رؤية، موضحا أنهم لم يترجموا الرواية مباشرة إلى عمل تليفزيونى، وإنما قدموا عملا موازيا، لافتا إلى أن ذلك كان ضروريا فى إطار ما تحفل به الرواية من «مزانق» كثيرة، واصطدام بالتابوهات، وأن الرواية فى النهاية عنصر واحد، يضاف إليه المعالجة، والأداء، والإخراج، والديكور، والموسيقى، والصورة. فى هذه الرواية يشتبك التاريخ مع الميثولوجيا مع الواقع المحض، فى لغة شفافة وآسية، وهى تقتطع مساحة زمنية من تاريخ مصر نهاية القرن ال19، وبدايات القرن ال20، وهى فترة شديدة الثراء بالأحداث وبالشخوص المحوريين كذلك، مثل مصطفى كامل، وعبدالرحمن الرافعى، ومحمد فريد، ومحمود مختار وغيرهم، ويرى الكاتب أن الشخصية المصرية بدأت خلالها فى التشكل والبحث عن هويتها، واستنهاض روحها، وهو ما يراه الكاتب الآن ممكنا بشرط: «إن اللى عملوا الثورة يكملوها»، ويقصد بهؤلاء شباب الثورة «المضطهدين»، والذين أزيحوا عن تولى أمرها لصالح «العواجيز المحافظين، الذين لا يصلحون للقيادة»، والذين حملهم قنديل مسئولية الشيخوخة التى تحاصر الثورة، قائلا: «خايف على الثورة من الشيخوخة».