أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    الكلية العسكرية التكنولوجية تحتفل بتخريج الدورة الثانية للمرشحين للعمل بمصلحة الطب الشرعى    زراعة أشجار بديلة.. تفاصيل مشروع توسعة شارع أبو قير في الإسكندرية -صور    تشمل تعبئة 250 ألف جندي.. إعلام إسرائيلي: الجيش سيقدم خطة جديدة للسيطرة على غزة    غير سليمان العبيد.. كرة القدم الفلسطينية تفقد 325 شهيدا    الفاو: 98% من الأراضي الزراعية بغزة إما متضررة أو يتعذر الوصول إليها    بعد تعادل الأهلي.. جدول ترتيب الدوري المصري الممتاز موسم 2026/2025    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الأهلي ومودرن سبورت؟ (كوميك)    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    "البداية من المطبخ".. تفاصيل حريق عدد من الباكيات بالقرب من مترو شبرا الخيمة    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية".. اليوم    حمزة نمرة يتألق في حفل مهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية -صور    لقطات رومانسية جمعت ليلى وهشام جمال.. ملك زاهر تنشر صورًا من حفل حسين الجسمي    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    ما حكم قراءة القرآن والتسبيح دون حجاب؟.. أمين الفتوي يجيب    مفيش مشروب اسمه الخمر.. أحمد كريمة: يعلق على فتوى الحشيش    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    محمد صلاح يوجه ضربة موجعة ل «يويفا» بشأن وفاة «سليمان العبيد»    نجوم الفن يشاركون في عزاء الفنان الراحل سيد صادق بمسجد الشرطة    تعرف على جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 «الدور الثاني»    نشوب حريق هائل بعدد من المحال بشبرا الخيمة ووصول 9 سيارات إطفاء    ضباط إسرائيليون ينتقدون خطة احتلال غزة: جيشنا أصبح مثل عربة تغوص فى الرمال    الأهلي يتعادل 2-2 مع مودرن سبورت في الجولة الأولى بالدوري المصري    في أول أيام الترشيح ل"القراء"، حشاد يتقدم بأوراقه على مقعد النقيب و28 للعضوية    بمشاركة مرموش، مانشستر سيتي يتغلب على باليرمو بثلاثية    الكليات المتاحة وفق مؤشرات التنسيق ل دبلوم صنايع 3 سنوات 2025    اليوم، موقع تنسيق الجامعات يختتم تسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية    5 معلومات عن GPT-5 من "OpenAI"    لميس الحديدي تكشف تفاصيل جديدة عن الحالة الصحية لأنغام    مركز الثقافة السينمائية يحتفي ب'وفاء النيل' بندوة وعرض فيلم يوثق بناء السد العالي    إيران ترحب بتوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام    آخر تحديث لأسعار السيارات في مصر 2025.. تخفيضات حتى 350 ألف جنيه    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    مراسل الحياة: زوار مهرجان العلمين سعداء بجمال الأجواء وحلاوة حفل تامر عاشور    اللواء أيمن عبد المحسن: نتنياهو يعمل على إبعاد نفسه عن المسائلة    محافظ الإسماعيلية يشهد منتدى الإسماعيلية الاقتصادي الأول للغرف التجارية    فضل صلاة قيام الليل.. تعرف عليه    كبار القادة العسكريين يعارضون خطة نتنياهو.. رئيس أركان جيش الاحتلال: جنودنا مرهقون.. وجاهزيتهم متراجعة بعد عامين من القتال المتواصل    ضجيج بلا طحين!    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    شراكة جديدة بين محافظة المنيا والهيئة القبطية الإنجيلية لدعم الأسر الأولى بالرعاية    كل احتلال مصيره إلى زوال    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    تعرف على موعد فتح باب قبول تحويلات الطلاب إلى كليات جامعة القاهرة    «قعدتوا تتريقوا ولسة».. رسالة نارية من خالد الغندور بعد فوز الزمالك على سيراميكا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هرم الصحة المقلوب فى مصر 2-2..المؤامرة على أطباء مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 07 - 2011

قد يكون إضرابهم مختلفا نوعا ما. لأن الانطباع المأخوذ عنهم يتناقض مع الاضراب وأسبابه.
ولأنه لا أحد يتصور يوما أن يدخل مستشفى فلا يجد بها طبيبا. الاضراب الذى أعلنت نقابة الأطباء أنه ضم أكثر من 70% من عدد الأطباء على مستوى الجمهورية، نجح أو لم ينجح، فالمهم هو أنه فتح ملف الوضع الصحى، وكشف عن حقيقة كانت غائبة عن الجميع، وهى أن الطبيب والمريض فى مصر، كلاهما، مجنى عليه فى المنظومة الصحية.
الطبيب يبدأ مشوار حياته بمجموع هو الأعلى بين أقرانه فى الثانوية العامة، ونجاح وتفوق يشهد به الجميع، وحماس تتحكم فيه بعض المبادئ المثالية، وأشياء أخرى قد تتعلق بالوضع الاجتماعى والمستوى العلمى، ثم يصطدم أول الطريق بدراسته الجامعية، ثم ينتهى به المطاف «موظفا» براتب ضئيل، وحوافز يتحكم فيها مديره، ومدى توافر الاعتمادات اللازمة.
«هل يصدق أحد أن الدراسة فى كلية الطب كلها تقريبا نظرى؟».
تقولها بتهكم «سارة» طبيبة الامتياز، مؤكدة أن السنوات الأولى فى الكلية تكون الدراسة فيها نظرية جدا وعندما يبدأ طالب الطب فى الدراسة العملية يدرس حالة واحدة على مدار السنة وتكون حالة نادرة يمكن ألا يصادفها طوال حياته العملية.
«خلال الدراسة لا يأخذنا رئيس القسم مثلا أثناء جولته فى المستشفى للتعرف على الحالات، لكننا نجتمع فى غرفة واحدة ونبدأ الشرح النظرى». وفى الامتحانات كما تستكمل «سارة» يقوم الطلبة باستئجار المرضى لتشخيص الحالة. «فيه ناس بتستثمر مرضها مع طلبة كلية الطب لازم تدفع له عشان ينجحك، إذا لم تدفع يقولك حالته غلط وبالتالى التشخيص يطلع غلط، بيزنس كبير بيعمله المرضى على الطلبة وكله بعلم الأساتذة».
وأخيرا الامتياز
«خد العينات دى وديها المعمل».
يناول الطبيب عينات الدم للشاب بجواره، وينظر الأخير حوله فلا يرى سواه، يتساءل: أنا يا دكتور؟.
ولأن لا أحد غيره يحضر المشهد، ينظر له الطبيب باستغراب وتحفز «انت شايف حد غيرك؟، اتفضل روح المعمل».
بين النبرة الآمرة والمسافة من غرفة الكشف حتى المعمل، تتعارك الأفكار برأس الشاب، «لماذا يحدثه الطبيب بتلك اللهجة وهو المنوط به أن يأخذ بيده فى أول الطريق؟. هل أخذ العينات للمعمل من صميم عمله أم أنه سيستفيد منه بأى حال؟. كيف يتحمل معاناة سنوات طويلة فى الثانوية العامة ومراحل الجامعة ثم ينتهى به الحال كفرد تمريض أو عامل؟.
يرتفع ضغط الدم لدى الشاب، يفكر فى إلقاء العينات أرضا ويثور مدافعا عن حلمه وحقه فى التعلم، ثم تتراجع عزيمته أمام لافتة كبيرة تظهر أمام عينيه فجأة تقول «رجاء الهدوء لراحة المرضى».
ذلك المشهد مضافا اليه مقولة على لسان أشرف حاتم وزير الصحة عندما كان مديرا لمستشفيات قصر العينى ومشرفا على طلبة الامتياز يرددها أغلب شباب الأطباء، «اجيب منين عامل يرضى ياخد 200 جنيه ويشتغل الشغل بتاعكم»، ردا كما يقولون على مطالباتهم بترك ما يسمونه dirty work، والاهتمام بتعليمهم شيئا يفيدهم فى مجال عملهم، يلخصان حالة الطبيب بعد خروجه من الجامعة.
تنتهى 6 سنوات من الدراسة بسنة الامتياز التى ما إن يتصور فيها الطالب أنه أخيرا سيصبح طبيبا حقيقيا حتى يتحول إلى عامل أو ممرض يخدم النواب الأكبر منه، «سنة التدريب الاساسية للطبيب يتم إهدارها بشكل مفزع، وبعدها يكون مطلوب منه أن يعمل كممارس عام لمهنة الطب».
على حساب الطالب
أحمد فتحى، طبيب تكليف، يرى أن الطالب الذى يصل لسنة الامتياز يشعر بأنه مجنى عليه وأنه ظلم نفسه بدخوله كلية الطب، بسبب ما يتعرض له من إذلال حتى يتعلم أن يكون طبيبا.
«اللى عايز يتعلم فى الامتياز لازم يتخانق مع النائب ويصر على الدخول معه فى كل مكان والا يخرج من الامتياز دون أن يتعلم شيئا»، هكذا تقول «سارة»، وتحكى أنها ظلت بجانب نائبة النساء والولادة 7ساعات حتى تمنحها فرصة إجراء عملية ولادة، عملت خلالها كممرضة تناولها المستلزمات وفى النهاية لم تمنحها النائبة تلك الفرصة.
ولكى يتعلم أيضا طبيب الامتياز فى المستشفى عليه أن يشترى أدواته بنفسه، ففى مستشفى الساحل التعليمى قام طلبة الامتياز بشراء جهاز للضغط على حسابهم الخاص، لأن المستشفى لا يوفر لهم أجهزة ضغط كافية، أو لأن الممرض المسئول عن أجهزة الضغط لا يسمح لهم باستعمالها.
فى عيادات استقبال المرضى بمستشفى الساحل يصعب تفريق دكتور الامتياز عن فرد التمريض الا بالنظر للون البالطو، بل ان الأخير يبدو واثقا من نفسه متمرسا ومسيطرا أكثر من الدكتور، ويوضح الدكتور هشام «أحيانا يفضل النائب الاستغناء عن طبيب الامتياز بدلا من الاستغناء عن التمريض، فيرسله لإحضار الدم أو العينات أو صور الأشعة».
فى نهاية سنة الامتياز يكون الطبيب قد مر بعدة جولات فى الاقسام المختلفة بالمستشفى، سعيد الحظ فقط هو من يخرج بشىء تعلمه، أما الغالبية العظمى فتخرج بنفس مستواها أو أكثر قليلا، ليبدأ الطبيب مرحلة جديدة من إهدار طاقته وطموحه ومستواه فى سنوات التكليف.
فى الوحدة الصحية
«فى الوحدة الصحية يصبح طبيب أول الصحة، يتسلم دفتر مواليد ودفتر وفيات وشوية عمال وشوية موظفين وممرضة أو اثنين والتطعيمات، ويتعلم فى المرضى».
هذا هو الوصف الواقعى لسنتى التكليف كما يقول الدكتور رشوان شعبان استشارى قلب وأوعية دموية.
يتسلم الطبيب حديث التخرج وحدة صحية ريفية يباشر حالاتها بمفرده ويقوم بتحويل الحالات الحرجة لمستشفى التكامل أو المركزى.
الدكتورة حنان عبدالعليم أكدت أن عامى التكليف لا يحصل فيهما الطبيب على أدنى خبرة، لأن أقصى ما يمكنه عمله هو علاج حالات البرد العادية وقياس الضغط.
أما الدكتور أحمد فتحى فيرى أن التكليف هو استمرار لمشوار ضياع الطبيب. «6 سنوات من الدراسة وسنة امتياز وسنتان تكليف، وإذا كان حظه عاثرا يدخل الجيش 3 سنين، ويخرج عنده 30 سنة، فيكتشف أنه نسى كل ما عرفه فى السنوات الماضية، غير أنه لا يملك شيئا، ولم يتميز فى مجاله، ولم يحقق اى نوع من الاشباع العلمى أو المعنوى او المادى، هكذا يكون الطبيب فى مصر».
الوحدة الصحية كما تؤكد الدكتورة «منى مينا» هى أساس الهرم الصحى لأنها هى نقطة البداية للمريض وبالتالى يجب تجهيزها على أكمل وجه لتتمكن من استقبال الحالات القريبة منها، «لكن الهرم الصحى مقلوب فى مصر، لأن الوحدات الصحية تليها المستشفيات الحكومية ثم الجامعية والمتخصصة، وكل الناس اللى المفروض تتعالج فى الوحدات الصحية تذهب للعيادات الخارجية بالمستشفيات التعليمية التى يتم استهلاكها بشكل كبير وتضيع مواردها على حالات المفروض تتم معالجتها فى الوحدات الصحية المهملة».
النيابة مهزلة انسانية
«مواطن يعمل عدد ساعات يتجاوز 500 ساعة فى الشهر، يعيش فى المستشفى صبح وليل، لا يأخذ اجازة سوى مرتين فى الشهر، وفى النهاية مرتبه 600 جنيه، هؤلاء هم المتميزون فى الثانوية العامة».
الدكتور رامى فؤاد نائب بمستشفى الدمرداش، يصف فترة النيابة للطبيب بأنها «مهزلة انسانية حقيقية»، فيما يرى الدكتور رشوان ان «النائب يسمى طبيبا مقيما، لكنه فى الحقيقة مثله مثل الأثاث الموجود بالمستشفى، ويوميته 20 جنيها».
فى ظل ظروف نفسية واجتماعية يتعرض الطبيب النائب للإحباط والانهيار، يبرز السؤال الأهم عن احساسه بالمريض.
يجيب الدكتور رامى عن السؤال بأن «إحساسى بالمريض ليس على المستوى المطلوب، لأن ظروف عملى تدفعنى لأن اتنازل عن المبادئ السامية التى دخلت بها الكلية واخترت بها المهنة، ومنها أننى متفرغ للمريض واعمل لراحته ومن أجله، لأبدأ التفكير فى أمور أخرى لم أكن افكر بها من قبل، فى اللبس والأكل والشرب، فحتى أبسط الحقوق الانسانية غير موجودة للطبيب فى هذا البلد».
ولأن البعض يعتقد أن المبادئ التى تحكم مهنة الطب أسمى من أن تقف أمامها مطالب مادية، تقول الدكتورة منى مينا إن «فيه ناس لها قدرات نفسية وقد تنهار وتغلط فى العيان، وهذا يحدث لأن البشر هم بشر، إذا كنا نريد طبيبا فى ظل تلك الظروف يتمسك بالمبادئ السامية، فنحن اذن نطلب ملائكة وليس بشرا، لأن الملاك له طبيعة مختلفة لا يحتاج الأكل أو الشراب أو الجواز أو السكن وهو طاقة نورانية فقط».
حق المريض
الحق فى الحصول على الرعاية التى تحترم قيمه ومعتقداته، هو الحق الذى يكفله القانون للمريض، الا أن حال المنظومة الصحية فى مصر يصعب معه توافر ذلك الحق، فالمريض الذى يلجأ للعلاج المجانى بسبب ضعف حالته المادية وعدم قدرته على دفع فاتورة العلاج الخاص، يضطر للتخلى عن هذا الحق فى سبيل الحصول على أى رعاية صحية مهما كان مستواها.
الدكتور أحمد فتحى يقول إن الطبيب «فى المتوسط يكشف على 50 حالة فى اليوم، ليتحول بذلك إلى جثة ترتدى بالطو أبيض».
تجربة الدكتور رشوان تثبت ذلك. «أنا متعاقد مع التأمين الصحى، أكشف يوميا فترة صباحية على 57 حالة، المستشفى حدد لى أن أكشف فى الساعة على 8 حالات، يعنى كل حالة أقل من 10 دقائق، فى الطبيعى كل مريض المفروض ينام على السرير وأقيس له الضغط واسمع صدره بالسماعة واشوف رسم القلب بتاعه، ثم يحكيلى شكواه، والعشر دقايق تنتهى فى التحيات. سلام عليكم يا دكتور، عليكم السلام اتفضل يا حاج، فأين حق المريض وأين طاقة الطبيب؟».
العيادة الخاصة
وبين ما للمريض من حقوق ومستوى الخدمة الصحية فى مصر، يظهر الاختلاف حول حالة الطبيب ومطالبه، فبينما يرى البعض أن الأطباء أصحاب العيادات الخاصة يدخلون ضمن الشرائح العليا فى المجتمع، يرى البعض الآخر أن الطبيب الذى يلجأ لفتح عيادة خاصة هو ضحية تدنى أوضاعه المادية وأنه كالأجير الذى يقضى يومه فى دوامة العمل لتحسين وضعه.
«الطبيب ممكن يعيش بشكل كويس فى حالة عمله فى اكثر من مكان لساعات تتجاوز 17 ساعة يوميا، لكنه لو عانى من المرض سيصبح مثل أى أجير يعيش على مرتب الحكومة»، هكذا وصفت الدكتورة منى مينا حالة الطبيب المادية، وتساءلت كيف يمكن لطبيب يعمل كل تلك الساعات ويهمل فى المقابل بيته واسرته واولاده أن يؤدى بشكل جيد ويخدم المرضى كما يجب أن يكون؟.
الدكتور أحمد فتحى يقول إن الطبيب نفسه معرض للمخاطر والعدوى وتصرف له الوزارة بدل عدوى قيمته 19 جنيها، فى حين تحكى الدكتورة حنان وليم حالة طبيب تقدم للنقابة بطلب مساعدة مادية لإعانته على مصاريف علاجه حيث أجرى عملية زرع كبد، ولديه ولدان فى الكلية، بعد أن دفع «تحويشة عمره» فى العملية، «فيروس سى مرض مدمر للأطباء».
وأضافت الدكتورة حنان عبدالعليم «الطبيب اللى بيفتح عيادة خارجية خاصة يوفر لها وقت إضافى يستقطعه من وقت راحته ووقت أسرته حتى يحسن دخله لأنه لو اعتمد على راتب الحكومة يشحت».
وبشهادة الأطباء يتحمل المريض تكلفة العلاج الخاص الباهظة لأنه لا يجد بديلا لها فى المستشفيات الحكومية، فيقع فريسة بيزنس الصحة الذى تمارسه بعض المستشفيات الخاصة والعيادات، لكن الدكتورة منى مينا مازالت ترى أن الأزمة تكمن فى أن الصحة ليست من أولويات الحكومة فى مصر، «إذا كان عندى مستشفيات عالية فى الخدمة والرعاية الصحية لن يلجأ المريض للعيادات والمستشفيات الخاصة، وفى المقابل لا استطيع أن امنع المغالاة الموجودة فى تلك الأماكن إلا بتحسين أوضاع المستشفيات الحكومية».
وتضيف الدكتورة حنان عبدالعليم «فى كل بلاد العالم المحظوظ والناجح فى عمله هو من يتمتع بالتأمين الصحى ويعالج فى مستشفيات الحكومة، لأن بها أكبر كفاءات وأكبر خبرات، لكن فى مصر الوضع مقلوب، ووزارة الصحة فى مصر طاردة للأطباء»، وترى الدكتورة «حنان وليم» أن هناك مؤامرة على الطبيب المصرى أبعادها أن «الدولة تركتنا على المرضى وتركت المرضى علينا على أمل أننا نخلص على بعض، منظومة قتل جماعية منظمة لصالح المستشفيات الخاصة».
الراتب والحوافز
«هو الدكتور اللى بياخذ ألوف الجنيهات هيحس بالعيان الغلبان إزاى؟».
سؤال على لسان مريض بمستشفى معهد ناصر، يعكس الصورة الذهنية لدى المرضى عن الطبيب، ولأن كثيرين يتعاملون معه على أنه أول الثانوية العامة الذى التحق بكلية القمة ودخل شرائح الرواتب المميزة فى مصر.
الدكتور أسامة تفاصيل يقول إن «الفرق بين اجمالى الدخل الذى يقبضه الطبيب وبين أساسى راتبه كبير، فبالنسبة لى أساسى المرتب 191 جنيها كما توضحه مفردات المرتب، وما أتقاضاه بشكل ثابت كل شهر هو 270 جنيها، وهذا ما يسمى الأجر الثابت بعد 5 سنوات عمل، أما الحوافز فهى 300% من الأساسى، وأتقاضاها بشروط».
هذه الشروط تشرحها الدكتورة شيماء طبيبة نفسية بمستشفى العباسية. «مدير المستشفى هو المتحكم الرئيسى فى الحوافز، فإذا تأخرت فى المواصلات والزحام يشطب اسمى من الوردية، وهذا الخصم يضيع معه نصف الحافز، وإذا أخذت إجازة مرضى لمدة 3 أيام لأى سبب مثلا دور برد أو جالى اللوز زى الناس العادية، لا أحصل على الحافز. وأحيانا إذا دخل المدير وكنت فى الحمام يكتب الدكتور غير موجود، واذا لم اعلق التعريف يخصم من حوافزى، وخير دليل على ذلك أن الأطباء الذين شاركوا فى الاضراب تم خصم حوافزهم، تلك هى الأجور المتغيرة التى يتقاضاها الطبيب إذا كان حظه سعيدا».
وبصرف النظر عن حقيقة أن قواعد تقييم الطبيب بمعرفة مدير المستشفى هدفها الأساسى تقييد وتعذيب الطبيب وتوفير أجره، فإن تلك الأجور المتغيرة لا يصرفها الطبيب بشكل طبيعى كغيره من العاملين بالدولة.
ولكن كما يشير الدكتور حسام كمال نائب عناية مركزة بمستشفى الساحل إلى عبارة «لحين توافر الاعتمادات المالية»، باعتبارها الحاجز الذى يصطدم به الطبيب عند صرف الحافز، «وبالتالى تتأخر أجورنا لعدة أشهر».
تكمل الدكتورة منى مينا بأن «القاعدة تقول أنه لا عمل بلا أجر ولا أجر بلا عمل، لكن الوضع بالنسبة للأطباء مختلف، فأجر الوردية التى يعملها الطبيب تعتبر حافزا وليس أجرا ثابتا، رغم انه يعمل بالاعياد والاجازات، وبالتالى يخضع أيضا لمزاج المدير، كما يحاسب الطبيب على الوردية المسائية فقط كحافز سهر، وأى وردية بعد كده لا يحاسب عليها، فتعتبر وقفا فى عمر الطبيب».
إضراب أم إصلاح؟
نعرف الآن أن 20% من أجر الطبيب ثابت و80% منه متغير.
ندرك أن حالته النفسية تتدهور وتنهار يوما بعد يوم، بسبب طبيعة عمله وتدنى إمكانياته التى يتحمل مسئوليتها وحده.
وإذا تكررت وقائع تعدى المرضى وأهاليهم على الطبيب بشكل ينقص من احترامه لنفسه ومن قدرته على أداء رسالته السامية، يبقى التساؤل الأهم يطرح نفسه، هل نقبل مع ذلك إضراب الأطباء وتوقفهم عن ممارسة عملهم ولو لفترة؟.
الدكتور رشوان شعبان يؤكد أن إضراب الأطباء لا يسعى للدفاع عن حقوق الطبيب المادية فقط، ولكن الهدف الأهم هو إصلاح المنظومة الصحية التى يعمل الطبيب وفقا لها ولا يتحمل نتائج تدنى مستواها الا هو، «من يدافع عن مستوى الوضع الصحى فى مصر يقول لى مين المسئول أو الفنان أو رجل الاعمال اللى بيتعالج فى مصر، وهل سمع أحد عن مسئول فى اليابان ذهب للعلاج فى بريطانيا؟».
وتدافع عنه الدكتورة سارة قائلة «المجتمع يطالبنى بأن أكون فى مستوى معين ومظهر محترم ومستوى علمى عال ولا ينظر إلى الظروف المادية الصعبة التى أعانى منها».
أما وزير الصحة، فى رأى الدكتور أحمد فتحى، فهو «أستاذ جامعى لا يعرف شيئا عن المستشفيات العامة لأنه لم يدخلها يوما، ولذلك لا يفهم المطلوب من الإضراب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.