شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هرم الصحة المقلوب فى مصر 2-2..المؤامرة على أطباء مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 07 - 2011

قد يكون إضرابهم مختلفا نوعا ما. لأن الانطباع المأخوذ عنهم يتناقض مع الاضراب وأسبابه.
ولأنه لا أحد يتصور يوما أن يدخل مستشفى فلا يجد بها طبيبا. الاضراب الذى أعلنت نقابة الأطباء أنه ضم أكثر من 70% من عدد الأطباء على مستوى الجمهورية، نجح أو لم ينجح، فالمهم هو أنه فتح ملف الوضع الصحى، وكشف عن حقيقة كانت غائبة عن الجميع، وهى أن الطبيب والمريض فى مصر، كلاهما، مجنى عليه فى المنظومة الصحية.
الطبيب يبدأ مشوار حياته بمجموع هو الأعلى بين أقرانه فى الثانوية العامة، ونجاح وتفوق يشهد به الجميع، وحماس تتحكم فيه بعض المبادئ المثالية، وأشياء أخرى قد تتعلق بالوضع الاجتماعى والمستوى العلمى، ثم يصطدم أول الطريق بدراسته الجامعية، ثم ينتهى به المطاف «موظفا» براتب ضئيل، وحوافز يتحكم فيها مديره، ومدى توافر الاعتمادات اللازمة.
«هل يصدق أحد أن الدراسة فى كلية الطب كلها تقريبا نظرى؟».
تقولها بتهكم «سارة» طبيبة الامتياز، مؤكدة أن السنوات الأولى فى الكلية تكون الدراسة فيها نظرية جدا وعندما يبدأ طالب الطب فى الدراسة العملية يدرس حالة واحدة على مدار السنة وتكون حالة نادرة يمكن ألا يصادفها طوال حياته العملية.
«خلال الدراسة لا يأخذنا رئيس القسم مثلا أثناء جولته فى المستشفى للتعرف على الحالات، لكننا نجتمع فى غرفة واحدة ونبدأ الشرح النظرى». وفى الامتحانات كما تستكمل «سارة» يقوم الطلبة باستئجار المرضى لتشخيص الحالة. «فيه ناس بتستثمر مرضها مع طلبة كلية الطب لازم تدفع له عشان ينجحك، إذا لم تدفع يقولك حالته غلط وبالتالى التشخيص يطلع غلط، بيزنس كبير بيعمله المرضى على الطلبة وكله بعلم الأساتذة».
وأخيرا الامتياز
«خد العينات دى وديها المعمل».
يناول الطبيب عينات الدم للشاب بجواره، وينظر الأخير حوله فلا يرى سواه، يتساءل: أنا يا دكتور؟.
ولأن لا أحد غيره يحضر المشهد، ينظر له الطبيب باستغراب وتحفز «انت شايف حد غيرك؟، اتفضل روح المعمل».
بين النبرة الآمرة والمسافة من غرفة الكشف حتى المعمل، تتعارك الأفكار برأس الشاب، «لماذا يحدثه الطبيب بتلك اللهجة وهو المنوط به أن يأخذ بيده فى أول الطريق؟. هل أخذ العينات للمعمل من صميم عمله أم أنه سيستفيد منه بأى حال؟. كيف يتحمل معاناة سنوات طويلة فى الثانوية العامة ومراحل الجامعة ثم ينتهى به الحال كفرد تمريض أو عامل؟.
يرتفع ضغط الدم لدى الشاب، يفكر فى إلقاء العينات أرضا ويثور مدافعا عن حلمه وحقه فى التعلم، ثم تتراجع عزيمته أمام لافتة كبيرة تظهر أمام عينيه فجأة تقول «رجاء الهدوء لراحة المرضى».
ذلك المشهد مضافا اليه مقولة على لسان أشرف حاتم وزير الصحة عندما كان مديرا لمستشفيات قصر العينى ومشرفا على طلبة الامتياز يرددها أغلب شباب الأطباء، «اجيب منين عامل يرضى ياخد 200 جنيه ويشتغل الشغل بتاعكم»، ردا كما يقولون على مطالباتهم بترك ما يسمونه dirty work، والاهتمام بتعليمهم شيئا يفيدهم فى مجال عملهم، يلخصان حالة الطبيب بعد خروجه من الجامعة.
تنتهى 6 سنوات من الدراسة بسنة الامتياز التى ما إن يتصور فيها الطالب أنه أخيرا سيصبح طبيبا حقيقيا حتى يتحول إلى عامل أو ممرض يخدم النواب الأكبر منه، «سنة التدريب الاساسية للطبيب يتم إهدارها بشكل مفزع، وبعدها يكون مطلوب منه أن يعمل كممارس عام لمهنة الطب».
على حساب الطالب
أحمد فتحى، طبيب تكليف، يرى أن الطالب الذى يصل لسنة الامتياز يشعر بأنه مجنى عليه وأنه ظلم نفسه بدخوله كلية الطب، بسبب ما يتعرض له من إذلال حتى يتعلم أن يكون طبيبا.
«اللى عايز يتعلم فى الامتياز لازم يتخانق مع النائب ويصر على الدخول معه فى كل مكان والا يخرج من الامتياز دون أن يتعلم شيئا»، هكذا تقول «سارة»، وتحكى أنها ظلت بجانب نائبة النساء والولادة 7ساعات حتى تمنحها فرصة إجراء عملية ولادة، عملت خلالها كممرضة تناولها المستلزمات وفى النهاية لم تمنحها النائبة تلك الفرصة.
ولكى يتعلم أيضا طبيب الامتياز فى المستشفى عليه أن يشترى أدواته بنفسه، ففى مستشفى الساحل التعليمى قام طلبة الامتياز بشراء جهاز للضغط على حسابهم الخاص، لأن المستشفى لا يوفر لهم أجهزة ضغط كافية، أو لأن الممرض المسئول عن أجهزة الضغط لا يسمح لهم باستعمالها.
فى عيادات استقبال المرضى بمستشفى الساحل يصعب تفريق دكتور الامتياز عن فرد التمريض الا بالنظر للون البالطو، بل ان الأخير يبدو واثقا من نفسه متمرسا ومسيطرا أكثر من الدكتور، ويوضح الدكتور هشام «أحيانا يفضل النائب الاستغناء عن طبيب الامتياز بدلا من الاستغناء عن التمريض، فيرسله لإحضار الدم أو العينات أو صور الأشعة».
فى نهاية سنة الامتياز يكون الطبيب قد مر بعدة جولات فى الاقسام المختلفة بالمستشفى، سعيد الحظ فقط هو من يخرج بشىء تعلمه، أما الغالبية العظمى فتخرج بنفس مستواها أو أكثر قليلا، ليبدأ الطبيب مرحلة جديدة من إهدار طاقته وطموحه ومستواه فى سنوات التكليف.
فى الوحدة الصحية
«فى الوحدة الصحية يصبح طبيب أول الصحة، يتسلم دفتر مواليد ودفتر وفيات وشوية عمال وشوية موظفين وممرضة أو اثنين والتطعيمات، ويتعلم فى المرضى».
هذا هو الوصف الواقعى لسنتى التكليف كما يقول الدكتور رشوان شعبان استشارى قلب وأوعية دموية.
يتسلم الطبيب حديث التخرج وحدة صحية ريفية يباشر حالاتها بمفرده ويقوم بتحويل الحالات الحرجة لمستشفى التكامل أو المركزى.
الدكتورة حنان عبدالعليم أكدت أن عامى التكليف لا يحصل فيهما الطبيب على أدنى خبرة، لأن أقصى ما يمكنه عمله هو علاج حالات البرد العادية وقياس الضغط.
أما الدكتور أحمد فتحى فيرى أن التكليف هو استمرار لمشوار ضياع الطبيب. «6 سنوات من الدراسة وسنة امتياز وسنتان تكليف، وإذا كان حظه عاثرا يدخل الجيش 3 سنين، ويخرج عنده 30 سنة، فيكتشف أنه نسى كل ما عرفه فى السنوات الماضية، غير أنه لا يملك شيئا، ولم يتميز فى مجاله، ولم يحقق اى نوع من الاشباع العلمى أو المعنوى او المادى، هكذا يكون الطبيب فى مصر».
الوحدة الصحية كما تؤكد الدكتورة «منى مينا» هى أساس الهرم الصحى لأنها هى نقطة البداية للمريض وبالتالى يجب تجهيزها على أكمل وجه لتتمكن من استقبال الحالات القريبة منها، «لكن الهرم الصحى مقلوب فى مصر، لأن الوحدات الصحية تليها المستشفيات الحكومية ثم الجامعية والمتخصصة، وكل الناس اللى المفروض تتعالج فى الوحدات الصحية تذهب للعيادات الخارجية بالمستشفيات التعليمية التى يتم استهلاكها بشكل كبير وتضيع مواردها على حالات المفروض تتم معالجتها فى الوحدات الصحية المهملة».
النيابة مهزلة انسانية
«مواطن يعمل عدد ساعات يتجاوز 500 ساعة فى الشهر، يعيش فى المستشفى صبح وليل، لا يأخذ اجازة سوى مرتين فى الشهر، وفى النهاية مرتبه 600 جنيه، هؤلاء هم المتميزون فى الثانوية العامة».
الدكتور رامى فؤاد نائب بمستشفى الدمرداش، يصف فترة النيابة للطبيب بأنها «مهزلة انسانية حقيقية»، فيما يرى الدكتور رشوان ان «النائب يسمى طبيبا مقيما، لكنه فى الحقيقة مثله مثل الأثاث الموجود بالمستشفى، ويوميته 20 جنيها».
فى ظل ظروف نفسية واجتماعية يتعرض الطبيب النائب للإحباط والانهيار، يبرز السؤال الأهم عن احساسه بالمريض.
يجيب الدكتور رامى عن السؤال بأن «إحساسى بالمريض ليس على المستوى المطلوب، لأن ظروف عملى تدفعنى لأن اتنازل عن المبادئ السامية التى دخلت بها الكلية واخترت بها المهنة، ومنها أننى متفرغ للمريض واعمل لراحته ومن أجله، لأبدأ التفكير فى أمور أخرى لم أكن افكر بها من قبل، فى اللبس والأكل والشرب، فحتى أبسط الحقوق الانسانية غير موجودة للطبيب فى هذا البلد».
ولأن البعض يعتقد أن المبادئ التى تحكم مهنة الطب أسمى من أن تقف أمامها مطالب مادية، تقول الدكتورة منى مينا إن «فيه ناس لها قدرات نفسية وقد تنهار وتغلط فى العيان، وهذا يحدث لأن البشر هم بشر، إذا كنا نريد طبيبا فى ظل تلك الظروف يتمسك بالمبادئ السامية، فنحن اذن نطلب ملائكة وليس بشرا، لأن الملاك له طبيعة مختلفة لا يحتاج الأكل أو الشراب أو الجواز أو السكن وهو طاقة نورانية فقط».
حق المريض
الحق فى الحصول على الرعاية التى تحترم قيمه ومعتقداته، هو الحق الذى يكفله القانون للمريض، الا أن حال المنظومة الصحية فى مصر يصعب معه توافر ذلك الحق، فالمريض الذى يلجأ للعلاج المجانى بسبب ضعف حالته المادية وعدم قدرته على دفع فاتورة العلاج الخاص، يضطر للتخلى عن هذا الحق فى سبيل الحصول على أى رعاية صحية مهما كان مستواها.
الدكتور أحمد فتحى يقول إن الطبيب «فى المتوسط يكشف على 50 حالة فى اليوم، ليتحول بذلك إلى جثة ترتدى بالطو أبيض».
تجربة الدكتور رشوان تثبت ذلك. «أنا متعاقد مع التأمين الصحى، أكشف يوميا فترة صباحية على 57 حالة، المستشفى حدد لى أن أكشف فى الساعة على 8 حالات، يعنى كل حالة أقل من 10 دقائق، فى الطبيعى كل مريض المفروض ينام على السرير وأقيس له الضغط واسمع صدره بالسماعة واشوف رسم القلب بتاعه، ثم يحكيلى شكواه، والعشر دقايق تنتهى فى التحيات. سلام عليكم يا دكتور، عليكم السلام اتفضل يا حاج، فأين حق المريض وأين طاقة الطبيب؟».
العيادة الخاصة
وبين ما للمريض من حقوق ومستوى الخدمة الصحية فى مصر، يظهر الاختلاف حول حالة الطبيب ومطالبه، فبينما يرى البعض أن الأطباء أصحاب العيادات الخاصة يدخلون ضمن الشرائح العليا فى المجتمع، يرى البعض الآخر أن الطبيب الذى يلجأ لفتح عيادة خاصة هو ضحية تدنى أوضاعه المادية وأنه كالأجير الذى يقضى يومه فى دوامة العمل لتحسين وضعه.
«الطبيب ممكن يعيش بشكل كويس فى حالة عمله فى اكثر من مكان لساعات تتجاوز 17 ساعة يوميا، لكنه لو عانى من المرض سيصبح مثل أى أجير يعيش على مرتب الحكومة»، هكذا وصفت الدكتورة منى مينا حالة الطبيب المادية، وتساءلت كيف يمكن لطبيب يعمل كل تلك الساعات ويهمل فى المقابل بيته واسرته واولاده أن يؤدى بشكل جيد ويخدم المرضى كما يجب أن يكون؟.
الدكتور أحمد فتحى يقول إن الطبيب نفسه معرض للمخاطر والعدوى وتصرف له الوزارة بدل عدوى قيمته 19 جنيها، فى حين تحكى الدكتورة حنان وليم حالة طبيب تقدم للنقابة بطلب مساعدة مادية لإعانته على مصاريف علاجه حيث أجرى عملية زرع كبد، ولديه ولدان فى الكلية، بعد أن دفع «تحويشة عمره» فى العملية، «فيروس سى مرض مدمر للأطباء».
وأضافت الدكتورة حنان عبدالعليم «الطبيب اللى بيفتح عيادة خارجية خاصة يوفر لها وقت إضافى يستقطعه من وقت راحته ووقت أسرته حتى يحسن دخله لأنه لو اعتمد على راتب الحكومة يشحت».
وبشهادة الأطباء يتحمل المريض تكلفة العلاج الخاص الباهظة لأنه لا يجد بديلا لها فى المستشفيات الحكومية، فيقع فريسة بيزنس الصحة الذى تمارسه بعض المستشفيات الخاصة والعيادات، لكن الدكتورة منى مينا مازالت ترى أن الأزمة تكمن فى أن الصحة ليست من أولويات الحكومة فى مصر، «إذا كان عندى مستشفيات عالية فى الخدمة والرعاية الصحية لن يلجأ المريض للعيادات والمستشفيات الخاصة، وفى المقابل لا استطيع أن امنع المغالاة الموجودة فى تلك الأماكن إلا بتحسين أوضاع المستشفيات الحكومية».
وتضيف الدكتورة حنان عبدالعليم «فى كل بلاد العالم المحظوظ والناجح فى عمله هو من يتمتع بالتأمين الصحى ويعالج فى مستشفيات الحكومة، لأن بها أكبر كفاءات وأكبر خبرات، لكن فى مصر الوضع مقلوب، ووزارة الصحة فى مصر طاردة للأطباء»، وترى الدكتورة «حنان وليم» أن هناك مؤامرة على الطبيب المصرى أبعادها أن «الدولة تركتنا على المرضى وتركت المرضى علينا على أمل أننا نخلص على بعض، منظومة قتل جماعية منظمة لصالح المستشفيات الخاصة».
الراتب والحوافز
«هو الدكتور اللى بياخذ ألوف الجنيهات هيحس بالعيان الغلبان إزاى؟».
سؤال على لسان مريض بمستشفى معهد ناصر، يعكس الصورة الذهنية لدى المرضى عن الطبيب، ولأن كثيرين يتعاملون معه على أنه أول الثانوية العامة الذى التحق بكلية القمة ودخل شرائح الرواتب المميزة فى مصر.
الدكتور أسامة تفاصيل يقول إن «الفرق بين اجمالى الدخل الذى يقبضه الطبيب وبين أساسى راتبه كبير، فبالنسبة لى أساسى المرتب 191 جنيها كما توضحه مفردات المرتب، وما أتقاضاه بشكل ثابت كل شهر هو 270 جنيها، وهذا ما يسمى الأجر الثابت بعد 5 سنوات عمل، أما الحوافز فهى 300% من الأساسى، وأتقاضاها بشروط».
هذه الشروط تشرحها الدكتورة شيماء طبيبة نفسية بمستشفى العباسية. «مدير المستشفى هو المتحكم الرئيسى فى الحوافز، فإذا تأخرت فى المواصلات والزحام يشطب اسمى من الوردية، وهذا الخصم يضيع معه نصف الحافز، وإذا أخذت إجازة مرضى لمدة 3 أيام لأى سبب مثلا دور برد أو جالى اللوز زى الناس العادية، لا أحصل على الحافز. وأحيانا إذا دخل المدير وكنت فى الحمام يكتب الدكتور غير موجود، واذا لم اعلق التعريف يخصم من حوافزى، وخير دليل على ذلك أن الأطباء الذين شاركوا فى الاضراب تم خصم حوافزهم، تلك هى الأجور المتغيرة التى يتقاضاها الطبيب إذا كان حظه سعيدا».
وبصرف النظر عن حقيقة أن قواعد تقييم الطبيب بمعرفة مدير المستشفى هدفها الأساسى تقييد وتعذيب الطبيب وتوفير أجره، فإن تلك الأجور المتغيرة لا يصرفها الطبيب بشكل طبيعى كغيره من العاملين بالدولة.
ولكن كما يشير الدكتور حسام كمال نائب عناية مركزة بمستشفى الساحل إلى عبارة «لحين توافر الاعتمادات المالية»، باعتبارها الحاجز الذى يصطدم به الطبيب عند صرف الحافز، «وبالتالى تتأخر أجورنا لعدة أشهر».
تكمل الدكتورة منى مينا بأن «القاعدة تقول أنه لا عمل بلا أجر ولا أجر بلا عمل، لكن الوضع بالنسبة للأطباء مختلف، فأجر الوردية التى يعملها الطبيب تعتبر حافزا وليس أجرا ثابتا، رغم انه يعمل بالاعياد والاجازات، وبالتالى يخضع أيضا لمزاج المدير، كما يحاسب الطبيب على الوردية المسائية فقط كحافز سهر، وأى وردية بعد كده لا يحاسب عليها، فتعتبر وقفا فى عمر الطبيب».
إضراب أم إصلاح؟
نعرف الآن أن 20% من أجر الطبيب ثابت و80% منه متغير.
ندرك أن حالته النفسية تتدهور وتنهار يوما بعد يوم، بسبب طبيعة عمله وتدنى إمكانياته التى يتحمل مسئوليتها وحده.
وإذا تكررت وقائع تعدى المرضى وأهاليهم على الطبيب بشكل ينقص من احترامه لنفسه ومن قدرته على أداء رسالته السامية، يبقى التساؤل الأهم يطرح نفسه، هل نقبل مع ذلك إضراب الأطباء وتوقفهم عن ممارسة عملهم ولو لفترة؟.
الدكتور رشوان شعبان يؤكد أن إضراب الأطباء لا يسعى للدفاع عن حقوق الطبيب المادية فقط، ولكن الهدف الأهم هو إصلاح المنظومة الصحية التى يعمل الطبيب وفقا لها ولا يتحمل نتائج تدنى مستواها الا هو، «من يدافع عن مستوى الوضع الصحى فى مصر يقول لى مين المسئول أو الفنان أو رجل الاعمال اللى بيتعالج فى مصر، وهل سمع أحد عن مسئول فى اليابان ذهب للعلاج فى بريطانيا؟».
وتدافع عنه الدكتورة سارة قائلة «المجتمع يطالبنى بأن أكون فى مستوى معين ومظهر محترم ومستوى علمى عال ولا ينظر إلى الظروف المادية الصعبة التى أعانى منها».
أما وزير الصحة، فى رأى الدكتور أحمد فتحى، فهو «أستاذ جامعى لا يعرف شيئا عن المستشفيات العامة لأنه لم يدخلها يوما، ولذلك لا يفهم المطلوب من الإضراب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.