القارىء لمذكرات سعد زغلول الصادرة عن مركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب و الوثائق القومية يجد شيئاً عجيبا يستحق الالتفات إليه و التأمل والتمعن فيه ,فعلى الرغم من كونى لست وفدياً – رغم انتمائى إلى الفكر الليبرالى – أى اننى لست متعصبا للرجل بحكم انتماء حزبي أو ايديولوجى ..الخ , إلا انه بلا شك سعد زغلول احد الزعماء الوطنين الذين اجلهم و احترمهم جدا لصفته الوطنية قبل اى شيء. أما الشيء اللافت فى مذكرات سعد زغلول فهو أنه يحكى عن ضعفه ربما لم يكن ينوى النشر و لكنه وهو من هو و هو فى هذه المكانة كان بلا شك قادرا على ان يستوعب بشكل جيد أن تدفق الأفكار عبر قلمه الى الورق كفيل بالا يجعله سرا ومن ثم فهى عرضه بشكل او بآخر الى ان يتم الاطلاع عليها من قبل أحد الأشخاص أى أنه كان يقر بشكل غير مباشرأنه لامانع أن يبدو الانسان رغم عن كونه شخصية عامة أو زعيما كبيرا او رئيسا للحكومة فى نظام ملكى ضعيفا او تنقصه بعض الفضائل , ان يعترف بهذا بل و يمارس جلد الذات بقسوة وتلقائية و عذوبة أيضا . المعروف عن الزعيم الكبير أنه كان يلعب القمار و كالعادة – دائما ما يحدث ذلك - فانه يخسر أو لنقل يخسر كثيرا و يكسب قليلا و لا يتوقف طوال مذكراته عن توبيخ نفسه , تذكيرها بخطأها ثم يعود ليخطأ ويعود ليوبخ نفسه وهكذا بلا انقطاع اعجبنى جدا فى السيرة الذاتيه للرجل أنها سيرة ذاتية لإنسان و ليس لإله أى أن الرجل يعترف - وهو من هو- بضعفه وذلك لا ينقص قدره - من وجهة نظرى - بل يزيدها فهو على الأقل استطاع أن يضع يده على عيوبه و أن لم يجد الطريق إلى حلول قاطعه. أو لنقل أن الضعف الإنسانى الجميل كان يلاعبه طوال الوقت هذه الإنسانية و العذوبة و السلاسة الرائعة انقل إليكم منها مقاطع يسيرة ( وأهم الأشياء التى يجب اجتنابها اكثر من كل ضار اللعب , فانه ضرر من كل الوجوه وعلى تركه تتوقف سعادتى و راحتى وهنائى وصفائى , والغريب من أمره أنى كلما خلوت بنفسي مقته وكلما شغلت عنها مالت إليه فقبحه الله من عاده وقبحنى الله من ضعيف مهزول ) أريد أن أرى سياسيا ضعيفا يمرض و يتألم ويحب ويبكى ويفرح ويأكل ويشرب و ليس إلها يشير إلى عبيده فيمتثون أو ينتهون بشكل جماعى عن فعل يحركهم بإصبعه باسم الرب الذى هو منه ومنهم براء وليس دكتاتورا يطغى ويتسلط على قومه ويستضعفهم و ينكل بهم شر تنكيل . أريد سياسيا كسعد زغلول ربما يدفعه ضعفه الإنسانى الى أن يلعب القمار فى النادى و يخسر ويمر بضائقة ويجلد ذاته ,لكنه دائما يضع الحد الفاصل بين ما هو شخصى و ما هو عام , دائما يضع ضميره نصب عينيه فلا يقامر بشعبه بالوكالة عن إسرائيل أو أمريكا أو بالوكالة عن الرب وهو هانىء البال مرتاح الضمير .