تنوع الأيديولجيات وإختلافها فى أى مجتمع, لا شك انه يصب فى الصالح العام للمجتمع ككل, بحيث لا يحتكر تيار فكرى أو سياسي بعينه مقاليد الأمور ويصبح هناك انفتاح على كل وجهات النظر.. ومن ثم يتم انتهاج الأصوب منها الذى سوف ينتج عنه ضمان لمصلحة المواطن العادى البعيد عن دائرة صنع القرار, هذا فى الخارج! أما فى مصر فالوضع مختلف إلى حد كبير, فكل تيار سياسى فى منأى عن الأخر بل والأدهى من ذلك عملية التربص المتعمد لتصيد الأخطاء لتشويه صورة الخصوم السياسيين أمام المواطن العادى البسيط -الذى تقع دائرة اهتمامه فى الوقت الراهن على الإستقرار المادى والأمنى فقط- ومن ثم تسيٌده للمرحلة المقبلة وفرض ايديولجيته التى سيجنى فى حال نجاحها مكاسب سياسية تحكم سيطرته على الأمور بشكل قوى, وفى حالة الفشل سيتحمل المواطن البسيط الجزء الأكبر وهو الأكثر إيلاما, والأمثلة على تصٌيد الأخطاء كثيرة والمواقف عديده. وعلينا أن نتذكر ما حدث بعد 11 فبراير 2011 يوم تنحى مبارك وقت أن أخذتنا الفرحة ليلتها.. وها هى شمس 12 فبراير تشرق وطالعتنا اهرام أسامة سرايا بعنوان تصدر صفحتها الأولى -الشعب أسقط النظام- ولكن أى نظام فى ظل حكومة شفيق التى جاء بها المخلوع؟؟!! استمر الضغط الشعبى على المجلس العسكرى حتى جائت حلقة التلفزيون الشهيرة “بلدنا بالمصرى-أخر كلام” التى اسقطت وزارة شفيق وأتت لنا بوزراة شرف المحمولة على الأعناق فى التحرير..الى تلك اللحظة ولم يشق صف المصريين لا إئتلاف ولا جماعة ولاحزب.. حتى وان كان هناك ثمة اختلاف ايديولجي فى التعاطى مع الاحداث اليومية الا انه كان هناك اجماع وتوافق على مجمل المطالب. وجائت لحظة الإستفتاء التى قسَمت مصر -شُعب وتيارات سياسية وفكرية- الى فريقين.. فريق “نعم” غالبيته من الإخوان والسلفيين وفلول الوطنى و”حزب الكنبة” أو أنصار عجلة الإنتاج واحنا اسفين يا ريس.. وفريق “لا” معظمه من الليبراليين والعلمانيين واليساريين وأنصار الدولة المدنية بمختلف الشخصيات أو الإئتلافات.. وكانت تلك القشة التى قسمت ظهر البعير وشرارة الفرقة وظهور نغمة الإختلافات وما عقبها من نغمات تخوين وصولا بالفتنة الطائفية وما تلاها من مصائب.. وبين عشية وضحاها من ظهور نتيجة الإستفتاء وجدنا صوت الإسلاميين بدأ يعلو بطريقة مبالغ فيها.. وجعلوا قضايا هامشية تفرض نفسها على الساحة وكأنها قضايا مصيرية مثل عاوز أختى ومعركة امبابة وهدم الأضرحة وغيرها.. وكل تلك القضايا المفتعلة -فى تقييمى المتواضع- ما هى الا قميص عثمان يستخدموه متى دعت الحاجة اليه!. ونجد انهم فى المجمل لم يضعوا حتى الأن تصور كامل لشكل الدولة التى يتطلعون اليها بعد حكم مبارك!! وهذا شئ يدعو الى الريبة.. وعلى الجانب المعاكس نجد الليبراليين يفكرون فى الأمر بشكل تنظيرى ولا يصلون ببرامجهم الى المواطن الكادح -فى الشارع- الذى هو القوة المستترة التى ترجح كفة فصيل عن أخر حين نحتكم الى صندوق الانتخاب.. وعلى العكس نجد اليسار يتفاعل بشكل قوى جدا مع الشارع ويحارب من اجل حقوق العمال والكادحين ولكن وجوده غير ملحوظ مقارنة بالاسلاميين. كل هذا طبيعى لأن كل تيار سياسى -سواء ائتلاف او حزب قديم أو تحتح التأسيس- يحاول فرض سيطرته بشكل قوى حتى يتحكم فى أكبر عدد من خيوط اللعبة, ولكن غير الطبيعى ان أغلب التيارات السياسية متفرقة فيما بينها. فنجد عدد لا بأس به من الاحزاب الليبرالية وعدد أخر من أحزاب اليسار.. وفى الجانب المقابل التمثيل الاسلامى على الساحة السياسية بالرغم من انقسامه الى اخوان وسلفيين الا انه عندما تدعو الحاجة سيتحد بكل قوة امام جميع القوى السياسية الاخرى.. وبالرغم من ذلك نجد ان اللهث على تأسيس الأحزاب والإئتلافات يزيد يوما بعد الآحر بشكل مفرط مما سينتج لنا مجموعة كيانات صغيرة متشابهة الرؤى والبرامج ولكن ذات تمثيل شعبى هش مهترئ. فى مقابل كيان واحد فقط يعرف كيف يتحد ويجمع التأييد الشعبى ويحشده لصالحه متى دعت الحاجة الى ذلك, ومثال الاستفتاء لم يمر عليه وقت طويل حتى ننسى. السؤال الأن ما الحل؟!! الحل واضح أمام الجميع وتنفيذه اسهل ولكن فى حال وجود النية لتنفيذه وحين ننحى المصالح الشخصية جانبا ونجعل مصلحة مصر هى الأولوية الوحيدة نصب الأعين.. لماذا لا نقوم بعمل اتحاد حقيقى بين كل تيار فكرى سياسى فى مصر ونتخلى قليلا عن الزهو الزائف للقيادة؟! لدينا كما ذكرت سابقا العديد من الكيانات الليبرالية الصغيرة وكذلك الحال فى اليسار.. الخ ولكنها فى النهاية لا تمثل قوة حقيقية فى الشارع فلما لا تتحد كل الكيانات الليبرالية فى كيان واحد تحت اى مسمى وكذلك اليسار.. مما سينتج لنا فى النهاية كيانات قوية تستطيع المنافسة بشكل قوى ويكون صوتها له قيمة حقيقية فى الشارع ومن هنا نضمن اننا لن نقع فى فخ الإستفتاء مرة أخرى.. الذى أفادت نتيجته جبهة واحدة فقط, هى المجلس العسكرى الذى قام باستفتاء الشعب على 9 مواد فى الدستور, وبعدها وضع اعلان دستورى به 64 مادة ما لنا بهم من سلطان. وفى حال حدوث هذا الاتحاد الحقيقى -وقتها- ستكون المنافسة أقوى ويكون التمثيل الحقيقى لكل تيار فى المجالس النيابية سيعبر عن مدى تمثيله فى الشارع. ملحوظة خارج النص: العبد لله مسلم وليس إسلامى.