بداية أنا أحب الشعب الأمريكى, تبادلت الحديث مع الكثير منهم على مختلف المستويات الفكرية والطبقية أثناء زيارات سياحية.. شعب طيب بصفة عامة يحب الحياة لكن ساذج وجاهل على المستوى السياسى, لا يعرف ماذا يدور بالخارج ولماذا.. إذا سألت أحدهم, فى أى قارة تقع مالى؟ قد يكون الرد, وأنا مالى!. لكن هذا نمط الحياة هناك, بعكس الحياة فى أوروبا والشرق الأوسط التى طحنتها الحروب والصراعات والانقلابات والمشاكل الاجتماعية, فتجد الطفل السورى يتحدث فى السياسة وعمره خمس سنوات!! كذلك الفلسطينى يتحدث عن أرضه المغتصبة قبل أن يولد !!. أريد أن أقول أن القائل والكاتب حينما يهاجم أمريكا أو الأمريكان, فالمقصود دائما الإدارة أو الحكومة الأمريكية ورئيسها وليس الشعب الأمريكى الذى لا يملك القرار فى أى شىء بعد انتخاب من يرأسه, له الحرية فى اختيار الرئيس, أما ماذا يفعل الرئيس وأدارته بالسياسة الخارجية, يسمع عنها الشعب الأمريكى فقط بالأخبار, هذا إذا كانت تهمه وغالبا لا يعيره أى اهتمام. حوالى تسع سنوات حرب إستنزاف قضتها القوات العسكرية الروسية فى أفغانستان ضد قبائل طالبان التى ساعدتها أمريكا تدريبا وتسليحا عن طريق دول وسيطة أسلامية وعربية, كانت القاعدة أحد أطرافها الرئيسية.. كانت أفغانستان واحدة من الأهداف الأمريكية للضغط وإستنزاف الأقتصاد الروسى وتقويض ومحاصرة الأتحاد السوفيتى أثناء الحرب الباردة والتى لا زالت قائمة حتى يومنا هذا ولم تنتهى بعد. صعد الرئيس ميخائيل جورباتشوف من سكرتارية الحزب الشيوعى بسياسة وخطة طموحة للخروج من هذا المأزق والأقتصاد الروسى فى حالة أنهيار جراء الحصار الأمريكى الأوروبى مع الحذر من الأنفجار السوفيتى كدولة نووية عظمى.. بعد تسع سنوات من القتال ومقتل خمسة عشر ألف عسكرى وآلاف الجرحى.. قال جورباتشوف أنه نزيف جرح لن يلتأم, وقرر الأنسحاب من أفغانستان بعدما تكبدت روسيا خسائر فادحة.. دخل الطالبان وأحكموا قبضتهم على البلاد, أقتحمت قواتهم مكتب الأممالمتحدة فى كابول وتم القبض على الرئيس الأفغانى الدكتور محمد نجيب الله وأخيه أحمد وتم أعدامهم بعدما تخلت عنهما الأممالمتحدة وكان من أفضل الرؤساء الذين حكموا أفغانستان, تم صياغة دستور جديد شملت نظام سياسي تعددي, حرية الرأي ونظام قانوني إسلامي ترأسه سلطة قضائية مستقلة, طور الكثير من البنية التحتية لكن طواحين الحرب كانت دائرة بين معسكر غربى رأسمالى ومعسكر شرقى شيوعى, كان إستهداف مصر ومنابع النفط أحد أطرافها. بعد أجتماع مع جورباتشوف خرجت المرأة الحديدية مارجرت تاتشر تعلن أنه رجل يمكن التعامل معه, بدأ التفاوض عن تبادل تخفيض حجم الرؤس النووية مقابل طموحات أقتصادية. تم تدبير الأطاحة بجورباتشوف وطموحاته الليبرالية بديلا عن النظام الأقتصادى الموجه, وجاء بوريس يلتسن عاشق الفودكا والأكثر لبرالية يعلن أنه سوف يغير النظام الأقتصادى خلال 500 يوم فقط بعد سبعين سنة شيوعية!! فقدم الكأس هناء الى بيل كلينتون الذى كان غارقا فى الضحك من خفة دم بوريس !! لا يوجد فى روسيا نظام ديمقراطى على النمط الغربى.. بوريس يلتسن قدم رجل المخابرات السابق وربما لايزال, فلاديمير بوتين لقيادة روسيا, خلال ثمانية أعوام قدم أنجازات ملموسة أقتصاديا وأداريا وسياسيا.. قدم صديقه الشاب وقائد حملته الأنتخابية ديمترى ميدفيديف الى الرآسة, ثم أقام نفسه رئيسا للوزراء, وهم يعلمون أن الحرب الباردة لم تنتهى بعد ولن تنتهى. بعد سقوط حائط برلين وإنسحاب روسيا من أفغانستان سنة 1989 بدأ تفكيك اوروبا الشرقية من قبضة روسيا, سارعت دول أوروبا الشرقية ساعية الى الأنضمام الى الأتحاد الأوروبى والناتو. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 المدبرة, أجتاحت أمريكا أفغانستان فى حرب أستنزاف دامت تسعة أعوام لم تحقق فيها شيئا, تماما كما حدث مع الأتحاد السوفيتى, بعد تسعة أعوام خرج ولم يحقق شيئا, فقط خسائر عسكرية وأقتصادية.. حينما أجتاحت أمريكا فيتنام, أنسحبت بعد ثمانية أعوام بخسائر 57 ألف جندى قتيل و153 ألف جريح, على الجانب الآخر مليونا قتيل فيتنامى وثلاثة ملايين جريح و12 مليون مشرد وخراب ودمار رهيب.. لكن فى النهاية ماذا حققت أمريكا بعد الخسائر والأنسحاب؟ لا شىء.. كانت تريد إحكام الحصار حول الأتحاد السوفيتى ولم تفلح فى تحقيق أهدافها. دفعت أمريكا بميخائيل ماكشفيلى الموالى لها لمشاكسة روسيا فى حرب غير متكافئة بعد أعلان روسيا عن أقامة علاقات رسمية مع أبخاسيا وأوسيتيا الجنوبية بعدما تأكدت المخابرات الروسية من التلاعب الأمريكى مع جورجيا تمهيدا لأدخالها فى حلف الناتو وبالتالى الأتفاق مع جورجيا على نشر صواريخ على أراضيها, كما هى تحاول الآن أستخدام بولندا وتشيك ورومينيا لنفس الغرض.. لكن المضحك عندما يقول باراك حسين أوباما كما قال جورج بوش من قبله, يقول أنها صواريخ موجهة الى إيران وليست لمحاصرة روسيا!! كأن الروس تلاميذ أبتدائى!! ألا يكفى قواعد الشرق الأوسط وبحارها فى نشر الصواريخ الأمريكية متجهة الى إيران؟ أم هو الضرب من مسافات بعيدة أفضل؟ كما أنها صواريخ عابرة القارات, فيمكن أطلاقها من أمريكا نفسها أو أوروبا الغربية!! وهل إيران بهذه القوة حتى تحاصرها أمريكا بصواريخ من أوروبا الشرقية؟؟. الرئيس الأيرانى السابق محمد خاتمى وقبله هاشمى رفسنجانى وهم مسلمين من أصول أسلامية, كانت علاقتهم مع أمريكا هادئة وحتى مع إسرائيل.. أما الرئيس الحالى جاء ليقدم على صينية من الذهب كل الزرائع لأمريكا وإسرائيل لضرب إيران وإجهاض ثورتها الأسلامية!! فى نفس السياق روسيا تلعب دورها مع إيران وترسخ علاقاتها الأستراتيجية مع الصين ومحاولة دحر أى محاولات أمريكية للتلاعب مع الشيشان. إذا خرج جورج بوش كأسوأ رئيس أمريكى رغم أنه حاول وضع حلول لأقامة الدولة الفلسطينية وأعلن عن قرب قيامها خلال نهاية حكمه, إلا أن إسرائيل خذلته وأفشلت خارطته.. سوف يخرج باراك حسين أوباما أسوأ من سلفه, بعدما أعلن أثناء الحملة الأنتخابية أنه سيسحب القوات الأمريكية من أفغانستان ويضع جدول زمنى للخروج من العراق.. الآن زاد من حجم قواته فى أفغانستان, ولازال وسيظل موحولا فى العراق, وأعلن أخيرا أنه فشل فى وجود حل لأقامة دولة فلسطين.. هو ليس كاذب لكن غير قادر على عمل أى شىء, والسياسة تدور من خلف الستار. من كان يعتقد ويصف تونى بلير أنه الكلب الوفى لجورج بوش وبريطانيا هى التابع والخادم الأمين لأمريكا, هو الساذج الواهم.. أنهم ملوك السياسة.. بريطانيا أسست أمريكا وكندا ونظامها الرأسمالى وأخرجت وأنتجت قارة الى الوجود, أستراليا وجزر نيوزيلاند, كذلك أنتجت وأخرجت النظرية والنظام الشيوعى لخلق توازن يصب فى مصالحها, فصلت مصر من السودان والهند من باكستان وأنشأت إسرائيل.. هى التى مهدت الطريق لأمريكا لغزو أفغانستان والعراق, غابت عنها الشمس جغرافيا لكن سياسيا تتحرك فى كل مكان.. بريطانيا سعت بلا كلل لإنضمام دول أوروبا الشرقية الفقيرة الأثنى عشر الى الأتحاد الأوروبى رغم أن أى منها لا تكتمل فيها أى شروط أقتصادية وأجتماعية لدخول الأتحاد الأوروبى الغربى كالشروط القاسية التى فرضت على البرتغال وأسبانيا واليونان للأنضمام الى الأتحاد. لكن الهدف هو جرجرة دول أوروبا الشرقية تحت مظلة الأتحاد الأوروبى بأى شكل وبأسرع وقت فى ظل الأنهيار الأقتصادى الروسى ذات الوقت.. كان الأفضل والأصلح أن تقوم روسيا وهى أكبر مساحة جغرافية ومواردها الكبيرة, أنشاء أتحاد أوروبى شرقى مع كل دول أوروبا الشرقية على غرار الأتحاد الأوروبى الغربى, بنفس النظام السياسى والأقتصادى.. لو أستطاعت روسيا تحقيق ذلك لأصبحت قوة أوروبية عظمى تحقق توازن عالمى, لكن أوروبا الغربية سبقتها فى الغنيمة, ولا أحد يعلم شكل العالم بعد خمسين سنة مهما وضعوا من خطط مستقبلية, قد ينهار النظام الرأسمالى ويظهر نظام جديد.. كما تفعل الحكومة المصرية تضع خطط مستقبلية حتى عام 2050 !!! للقضاء على العواصم والمدن العشوائية والزبالة والمجارى والحشرات والكراكيب والتكاتك وطوابير العيش وأنابيب الغاز والنقاب والقضاء على الفقر بالقضاء على الفقراء, لتحلق بالأفق الأعلى بالألفية الثالثة.. أعتقد أن ما قدمته أمريكا الى طالبان والقاعدة من دعم عسكرى ولوجيستى لنزيف الأتحاد السوفيتى وإنسحابه من أفغانستان, هو نفس ما تفعله روسيا مع طالبان والقاعدة لإستنزاف القوات الأمريكية وأخيرا إنسحابها من أفغانستان دون تحقيق أى هدف.. كما أن قبائل طالبان كانت دائما تمثل خط المراقبة على طول حدود باكستان الشمالية 2600كيلومتر ولا يمكن أن تتخلى باكستان عن حليفها الأستراتيجى وأمنها القومى وهى فى صراع مع الهند على الطرف الآخر.. نفس الشىء تقدمه إيران من دعم عسكرى ولوجيستى لطالبان والقاعدة, لذلك تقدم القاعدة خدمات لإيران فى مناطق أخرى ساخنة. كما أن أمريكا لن تستطيع البقاء فى أفغانستان كما فعلت فى كوريا الجنوبية, فالظروف الجغرافية والأيديولوجية لن تسمح لها مهما طال الزمن, كما أن روسيا والصين سوف تظل داعما ولاعبا فى كوريا الشمالية, أما الدعم العسكرى الأمريكى لحكومة فارموزا بتايوان لن يفلح لأن الشعب التايوانى والجزيرة أصلا صينية جغرافيا وتاريخيا وجينيا. السياسة مصالح وسفالة مغلفة وروسيا لن تترك أمريكا تحاصرها.. كما أن الزمن تغير والتكنولوجيا تغيرت وعصر الأمبراطوريات أختلف, وأمريكا تحاول فرض أمبراطورية على مساحة جغرافية أكبر من حجمها كما أنه يصعب عليها التعامل مع أيديولوجيات مختلفة ومعقدة كانت تتعامل معها بريطانيا بذكاء خبيث. أعتقد يقينا أن المسرحية تتكرر بنفس السيناريو, فكما أنسحب الأتحاد السوفيتى من أفغانسان, وأعدم رجل روسيا الدكتور محمد نجيب الله وحكومته على أيدى طالبان والقاعدة بدعم أمريكى باكستانىإيرانى .. سوف تنسحب أمريكا من أفغانستان وسوف يعدم رجل أمريكا حميد كرزاى وحكومته على أيدى طالبان والقاعدة, بدعم روسى باكستانىإيرانى, هذا إذا لم توفر له أمريكا ملاذا للفرار ولم تخذلها باكستان كما فعلت مع الأممالمتحدة فى نجيب الله.. الآن أمريكا تتجرع السم من نفس الكأس الى لقاء بإذن الله