نشر هذا المقال بتاريخ : 11 مايو 2009 فى ضوء ما تقدم شرحه حول قانون النفط العراقى ("الشروق" 26/4/ و 4/5/2009) نوصى بتأجيل اعتماده فى مجلس النواب الى ان يتم إعداد منظومة قانونية متكاملة تغطى مختلف الأنشطة التى يقوم بها قطاع النفط، وذلك للأسباب التالية: (1) يحيل القانون فى مواضع مختلفة الى قوانين مكملة تصدر مستقبلا، ومن أمثلتها قانون شركة نفط العراق الوطنية، وقانون وزارة النفط الذى سيتم بمقتضاه تنظيم ارتباط الشركات والوحدات التنظيمية بالوزارة (المادة 7 ب)، ثم ملاحق للقانون تتضمن نماذج للعقود التى يتم التعاقد على أساسها مع الشركات (ينظر كتابنا "مستقبل النفط العربى"، الطبعة الثانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، يونيو 2006). (2) يتوقع ان يثور خلاف بين العراق وبين شركات النفط الأجنبية حول طبيعة العقود التى تبرم معها (المادة 8 ت)، وهل ستكون عقود خدمة Service contract وهى ما يفضلها العراق، ام اتفاقيات اقتسام الإنتاج Production-sharing agreement وهى ما تفضلها الشركات. ولما كانت القوانين المنظمة لهذه العقود تعتبر أجزاء من المنظومة النفطية المتكاملة، فانه يحسن إرجاء إصدار القانون الحالى الى ان تعد القوانين المرتبطة به وتصدر جميعها فى منظومة واحدة متكاملة وذلك تفاديا لوقوع تناقضات تعيد من جديد مناقشة القانون الأساسى. (3) يعانى قطاع النفط العراقى من فساد مستفحل على نحو ما أوضحنا ("الشروق" 26/4/2009). ومن المعروف ان الفساد المحلى فى قطاع النفط لا ينتعش الا اذا التقى بفساد دولى، اذ يصعب تسويق ما ينهب من النفط داخل الدولة المنتجة وانما يلزم تصريفه فى أسواق خارجية بمعرفة أفراد أو شركات أجنبية. ومن هنا فان التوسع فى انتاج النفط العراقى – وهو ما يستهدفه مشروع القانون - فى ظل الاحتلال الجاثم على صدر العراق من شأنه التشجيع على اتساع حلقة الفساد ولا يترك مجالا لمن يرغب فى محاربته، اذ تتكاتف حلقات الفساد الداخلية مع نظيرتها الأجنبية لنهب المزيد من النفط. (4) ولعل مما يساند فكرة التأجيل ما جاء بتقرير مكتب رقابة أمريكى رسمى US Government Accountability Office اذ يؤكد عدم وجود أجهزة لقياس النفط المنتج فى الحقول وفى أرصفة الشحن والتحميل (وهى الأجهزة المذكورة فى المادة الرابعة الفقرات 30 و32 و33 من مشروع القانون)، ومؤكدا أيضا أن ما يوجد من تلك الأجهزة لا يعمل بالكفاءة المطلوبة. ولذلك نوصى بعدم التعاقد مع شركات أجنبية - حتى لو صدر هذا القانون الآن - قبل ان يتم اصلاح تلك الأجهزة والتأكد من انها تعمل بالكفاءة المطلوبة. (5) واذ تقضى أحكام القانون الدولى بعدم شرعية ما يبرم من اتفاقيات تتعلق بالثروات الطبيعية للدولة الخاضعة لاحتلال أجنبى اثناء الاحتلال، فان ذلك من شأنه تثبيط رغبة الشركات العالمية ذات السمعة الطيبة فى الإقدام على ابرام اتفاقيات نفطية مع العراق فى ظل قانون يصدر أثناء خضوعه لاحتلال أجنبى، خاصة بعد ان صدق مجلس الأمن على وصف وضع الولاياتالمتحدة فى العراق كدولة احتلال. ولن يجدى فى ذلك ما نصت عليه المادة (8 ث) من ضرورة بذل الجهود الحثيثة من اجل ضمان التطوير العاجل والفعال للحقول المكتشفة بالتعاون مع شركات نفط ذات سمعة محمودة. (6) هذا، وتتفق توصيتنا بتأجيل القانون – مع اختلاف الأسباب – مع توصية تقدم بها للبرلمان العراقى بتاريخ 5/3/2007 ووقعها نحو 60 من خبراء النفط العراقيين المقيمين بالخارج. فقد طلب هؤلاء الخبراء بموجب خطاب مفتوح عقب المناقشات التى دارت فى اجتماع عقد بالأردن يوم 17/2/2007 إرجاء النظر فى القانون الى ان يمكنهم وغيرهم من المواطنين العراقيين مناقشة مشروع القانون ومعالجة أوجه النقص التى تشوبه، وذلك فى إطار من الشفافية والحرص على الصالح العام. (7) واذ يتوقع ان تجرى انتخابات مجلس النواب فى ديسمبر 2009، فربما يأتى الانتخاب بوجوه جديدة مسلحة برؤية أوضح حول قانون النفط فتحل المشاكل العالقة بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان. من ناحية أخرى ينبغى ان تضمن المنظومة القانونية المتكاملة استقلالية ووحدة القرار العراقى، ومن ذلك: (1) ان أهم شرط لضمان تحقيق الصالح العام فى قطاع النفط، هو خبرة ونزاهة واستقلالية القائم بالتفاوض على العقود التى تبرم مع الشركات للتنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه. ذلك لأن نموذج العقد يترك بنودا مهمة لا تملأ الا بالتفاوض. ومن ذلك كأمثلة حجم ما يحصل عليه الشريك الأجنبى كحصة فى الإنتاج مقابل أرباحه، وما يحصل عليه كمكافأة عن كل قدرة انتاجية تضاف بجهوده، وحجم ومدد استرداد النفقات التى ينفقها الشريك الأجنبى على التنقيب والتنمية والإنتاج. كذلك تتضمن البنود الخاضعة للتفاوض أسعار الغاز الذى تحصل عليه الدولة من نصيب الشريك الأجنبى لأغراض الاستهلاك المحلى، وحجم ما تلتزم به الشركة المنتجة كإتاوة Royalty تحصل عليها الدولة بمجرد استخراج النفط باعتبارها ثمنا للخام مستقلا عن التكاليف وبصرف النظر عما يلحق بالنفط من ربح او خسارة بعد انتاجه. وينطبق هذا القول أيضا على عملية اختيار الشركات التى تدرج فى قائمة الشركات المؤهلة للتقدم بعطاءات Short list وفقا لنص القانون (المادة 9 ب سابعا). (2) وفى اعتقادنا انه سيكون صعبا، ان لم يكن مستحيلا، ان يحتفظ المفاوض العراقى باستقلالية قراره أثناء التفاوض مع الشركات فى ظل احتلال أمريكى سيحاول دون شك اسناد أهم أنشطة النفط العراقى للشركات الأمريكية والغربية وبشروط تخدم الاقتصاد الأمريكى والغربى أكثر مما تخدم العراقى. (3) تحدد المادة 10 مددا قصيرة للتفاوض وتقويم العقود تلتزم بها الأجهزة المشاركة فى تلك العمليات. وتشمل تلك الأجهزة شركة نفط العراق الوطنية، والهيئة الاقليمية، والوزارة، والمجلس الاتحادى، ومكتب المستشارين المستقلين الذى يتبع المجلس. ويقضى النص باعتبار الاتفاقية موافقا عليها تلقائيا اذا انقضت المدد المقررة دون اجابة. وفى رأينا ان تلك المدد تقيد قرار التقويم وتحد من كفاءته، وخاصة عندما تزدحم الاتفاقيات فى وقت واحد نتيجة لطرح عدد كبير من القطاعات فى المزايدات العامة. ولذلك نوصى بعدم تحديد مدد لهذه الأنشطة وتركها لتقدير الجهات القائمة بها والتى يفترض انها تتمتع بجانب كبير من الخبرة والمسئولية، مما يجعلها أكثر دراية بالمصلحة العامة. (4) تهدد حكومة كردستان بالانفراد بالتفاوض مع الشركات والتعاقد معها اذا لم يصدر القانون محققا لمطالبها، بل أقدمت تلك الحكومة على التعاقد بالفعل مع بعض الشركات العالمية. وفى رأينا ان السيطرة على قطاع النفط يجب ان تكون مركزية لأن تجزئته بين سلطات مختلفة داخل الدولة الواحدة يؤدى الى نتائج سلبية خطيرة. ولعل مما يؤيد رؤيتنا ما قام به شافيز رئيس فنزويلا من اصلاحات فى قطاع النفط وكان من أهمها استعادة مركزية السلطة المشرفة على القطاع النفط بعد ان انفرط عقدها وارتمت فى احضان الشركات الأمريكية على امتداد عشرين عاما، مما حرم الدولة من ثمار ثروتها الطبيعية الأساسية، حتى وهى فى أشد الحاجة اليها.