منذ تنحى مبارك عن سدة الحكم ظن الجميع أن زمن إقصاء الأخر قد انتهى وأصبح هذا المصطلح في ذمة التاريخ ولن يجد له في مصر أنصارا أو أعوانا، فجميع من تم إقصائهم خلال سنوات حكم مبارك شاركوا في الثورة التي رفعت عنهم ليل طويل من الاستبداد السياسي والنهب الاقتصادي والفساد الاجتماعي والاعلامى، و طمع المخلصون لتراب مصر أن زمن الإفساد في الأرض قد انقضى وكان من المفترض أن تكون تلك هي النتيجة الصحيحة والصحية بل والمنطقية. إلا أن ما حدث بداية من نجاح الثورة وحتى الآن يأتي في إطار النتائج غير المتوقعة وغير مقبول التعايش معها حيث بداء بعض من النخب والقوى السياسية وفى محاولات مستعرة لإدخال الشعب المصري - عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات – في تدافع شديد واصطناع لمعارك متتالية ليس لإنجاح الثورة والسعي لتحقيق أهدافها والحفاظ على مكتسباتها بل لإقصاء بعضها البعض عن الرأي العام وتوجيه الاتهامات المتتالية لخصومها السياسيين لوضعها في (كورنر) الدفاع المستمر عن نفسها - وهو نفس الدور القديم الذي كانت تلعبه تلك النخب قبل الثورة – والسعي المستمر لتجبيه شباب الثورة الشريف ضد فصيل ومع فصيل وكأن كل مطالب الثورة قد أنجزت وكأن الأمن قد تحقق وكأن كل الأموال المنهوبة قد تم استردادها من الخارج وكأنه تم القبض على كل الهاربين وتمت محاكمتهم و.......الخ وهل فعل مبارك ونظامه غير ذلك ؟؟!! ان كل ذلك لم يتحقق بعد ووجدنا أن النخبة التي لوثتها لسنوات يد النظام السابق المستبد الفاسد تغرد خارج السرب وأعنى بالسرب هنا ( الشعب وإرادته )، فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء بما لا تهواه تلك النخبة هاجوا وماجو واتهموا الأغلبية بالجهل والسفه والغفلة ووصفوهم بأنهم قصر لا يعرفون مصلحتهم وأن الأغلبية حتى وان وصلت إلى 77% فأنها همل لا قيمة لها أو لأرائهم وأنهم هم – اى تلك النخبة – الأقدر على معرفة مصلحة الشعب المصري ومن ثم يجب أن يجلس هذا الشعب في مقاعد المتفرجين بينما تعيد تلك النخبة الأمور إلى نصابها مرة أخرى وتعيد إصلاح وترتيب الأمور التي تعقدت من جراء نتيجة الاستفتاء (الغلط) واسمحوا لي أن اسأل سؤالا بريئا : وهل فعل مبارك ونظامه غير ذلك ؟؟!! فالرجل كان يروج و يعتقد أن الشعب لم ينضج بعد وانه لا يحسن الاختيار وانه من واجبة أن يختار لهم وبدلا عنهم حتى ينضجوا ويعرفوا مصلحتهم ثم يمنحهم الحق فى الاختيار بعد التجربة، مثل القصر تماما بتمام. لف وارجع تانى للأسف الشديد إن تلك النظرة الدونية للشعب المصري لا زالت قائمة ليس فقط من بعض النخبة السياسية المصرية بل الأدهى من ذلك من جانب اساتذه شيوخ في القانون، فمنذ ظهور نتيجة الاستفتاء والذي شكل إطارا للإعلان الدستوري الذي صدر بعده مباشرة والذي وضع خارطة طريق لوضع دستور جديد للبلاد لتكون عن طريق تشكيل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب وليس من قبل أشخاصا يختارون أشخاصا مثلهم ووفق معايير ليس منها حسن التعبير عن إرادة الشعب صاحب المصلحة وصاحب الصلاحية أو الصالح العام عند وضع الدستور الجديد والذي من المفترض أن يأتي معبرا في توجهاته وآماله وطموحاته عن الشعب المصري، الأمر الذي يعنى وببساطة أن التصريحات التي صدرت بخصوص تشكيل لجنة للأعداد لوضع دستور جديد للبلاد تأتى في إطار عبارة واحده وهى (لف وارجع تانى) مما يشكل إهدارا وعدم احترام للإرادة الشعبية التي هي أولى بالاحترام من الأشخاص والأفراد أيا كانت مناصبهم. ويبدوا أن البعض قد نسى في زحمة المسئوليات واللقاءات والمحاضرات أن مبارك وزمرته خلف القضبان – إما فعلا أو حكما – بناء على الإرادة الشعبية للمصريين، ومن ثم فلم يعد احد كبيرا على المسائلة والمحاسبة وان يوقف عند حده وألا يخالف تلك الإرادة. كل تلك الأحداث والمحاولات لسحب الثورة إلى معارك فرعية أو جانبية كالفتنة الطائفية أو الدور السياسي للسلفيين أو.......أو .....، أو محاولات تغيير طريق تحقيق الثورة لأهدافها كل ذلك يطرح سؤالا مهما وهو: هل قامت الثورة ونجحت لتزيح مبارك وزمرته من الطريق لصالح أحدا غيره؟ وهل أراد الشعب استبدال استبداد باستبداد أخر؟ بمعنى أخر هل من حق احد آخر سوى الشعب المصري أن يقرر مصير البلاد؟ عفوا هذا السؤال إجباري وموجهة لثورة الشعب المصري